تقرير – إسلام مهدي
يتمتع نادي برشلونة بمكانة رياضية كبرى بين أبرز أندية العالم، حيث تلعب الرئاسة في الكتالوني دورًا محوريًا في استقرار الفريق ونجاحه على المستويين المحلي والدولي، والذي شهدت إدارته عدة تغييرات مهمة منذ عام 1995، ويتغير رئيس النادي عبر انتخابات ديمقراطية، ويقوم أعضاء النادي بالتصويت لاختيار قائدًا مناسبًا للمسيرة العريقة.
يُعد خوسيب لويس نونيز واحدًا من أبرز وأطول الرؤساء في تاريخ نادي برشلونة، حيث تولى رئاسة النادي لمدة 22 عامًا، من عام 1978 حتى عام 2000، وترك بصمة كبيرة في النادي، على الرغم من التحديات التي واجهته خلال فترته الطويلة، إلا أن النادي شهد العديد من النجاحات الرياضية والتحولات الكبيرة على مستوى البنية التحتية والشؤون الاقتصادية، لكن أيضًا كانت فترته مليئة بالتوترات والخلافات الداخلية.
عندما تولى نونيز الرئاسة في عام 1978، كان النادي يواجه تحديات كبيرة على المستويين الإداري والرياضي تحت قيادته، نجح في تحويل النادي إلى قوة أوروبية كبيرة، وكان له الفضل في تطوير البنية التحتية للنادي بشكل ملحوظ، بما في ذلك توسيع ملعب “كامب نو” وزيادة عدد الأعضاء والمشجعين.
في عهده، أصبحت برشلونة أكثر من مجرد نادٍ محلي بل ارتقت لتكون علامة تجارية عالمية، عمل نونيز على تحسين الهيكل المالي للنادي ورفع إيراداته بشكل مستدام، مما مكن الفريق من جذب العديد من النجوم العالميين.
إحدى أبرز اللحظات في فترة نونيز كانت تعاقده مع يوهان كرويف، أولاً كلاعب ثم كمدرب، حيث تولى تدريب الفريق في عام 1988، غير وجه كرة القدم في برشلونة بشكل جذري، حيث قدم فلسفة “الكرة الشاملة” التي لا تزال راسخة في أسلوب لعب النادي حتى اليوم، وقاد كرويف فريق “الأحلام” لتحقيق أول لقب دوري أبطال أوروبا في تاريخ النادي عام 1992.
على الرغم من النجاح الكبير لكرويف، كانت العلاقة بينه وبين نونيز متوترة في بعض الأحيان، وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى رحيل كرويف عن النادي في عام 1996 بعد خلافات مع الرئيس حول إدارة الفريق وشؤون النادي الداخلية.
ألقاب برشلونة تحت قيادة نونيز
تحت قيادة نونيز، حصل برشلونة على العديد من الألقاب، دوري أبطال أوروبا (1992)، الدوري الإسباني (7مرات)، كأس ملك إسبانيا (6 مرات)، كأس السوبر الإسباني (4مرات)، كأس الكؤرس الأوروبية (4 مرات)، هذا النجاح الرياضي عزز من مكانة برشلونة كأحد أقوى الأندية في أوروبا والعالم.
بعد 22 عامًا من الخدمة، وفي ظل تصاعد الانتقادات الداخلية والخارجية، أعلن نونيز استقالته في عام 2000، وكانت نهاية حقبة طويلة للنادي حيث ترك خلفه ناديًا قويًا من الناحية المالية والبنية التحتية، لكنه كان يعاني من توترات داخلية.
غاسبارت رئيسًا لبرشلونة خلفًا لنونيز
تولى غاسبارت رئاسة برشلونة في عام 2000، حيث كان نائبًا لرئيس النادي خلال فترة نونيز، ولكن فترته كانت مليئة بالأزمات، حيث فشل الفريق في تحقيق البطولات، وغادر نجوم كبار مثل لويس فيغو إلى ريال مدريد، وبعد عدة مواسم مخيبة للآمال استقال جاسبارت في 2003 وسط ضغط هائل من الجماهير وأعضاء النادي.
عندما تولى غاسبارت الرئاسة في عام 2000، كان التحدي الأكبر له هو ملء الفراغ الذي تركه نونيز، والذي شغل منصب الرئيس لمدة 22 عامًا، على الرغم من أن غاسبارت كان نائبًا لنونيز وشريكًا في العديد من النجاحات التي حققها النادي في فترة الثمانينيات والتسعينيات، إلا أنه واجه صعوبة في الحفاظ على مستوى النجاح الذي حققه النادي تحت قيادة لويس نونيز.
واحدة من أكبر الانتقادات التي وُجهت إلى غاسبارت كانت تتعلق بالتعاقدات التي أبرمها النادي خلال فترة رئاسته، حيث كان النادي يسعى لتعويض رحيل النجم لويس فيغو إلى ريال مدريد في صفقة مثيرة للجدل، لكن معظم التعاقدات الكبيرة التي قام بها غاسبارت لم تحقق النجاح المتوقع.
ومن بين هذه التعاقدات كان مارك أوفرمارس من أرسنال، وجيرارد لوبيز من فالنسيا، وسافيولا من ريفر بليت، وبالرغم من أن بعض اللاعبين أظهروا موهبة جذابة، إلا أن التعاقدات بشكل عام لم ترتقِ لمستوى التوقعات، ولم تساعد الفريق في تحقيق الألقاب الكبرى.
شهدت فترة غاسبارت تراجعًا كبيرًا في أداء الفريق على المستوى الرياضي، لم يتمكن من المنافسة على الألقاب الكبرى في إسبانيا و أوروبا خلال ثلاثة مواسم تحت قيادته، ولم يتمكن برشلونة من الفوز بالبطولات.
لابورتا ونجاح برشلونة مرة أخرى
يُعتبر جوان لابورتا من أكثر الرؤساء نجاحًا في تاريخ برشلونة، تولى الرئاسة في الفترة (2003-2010)، وقاد النادي لتحقيق فترة ذهبية تحت قيادة المدرب بيب غوارديولا، حيث حقق الفريق السداسية التاريخية في عام 2009، ونجح في جلب لاعبين كبار أمثال رونالدينيو، صامويل إيتو، وداني ألفيش، كما دعم ترقية ليونيل ميسي إلى الفريق الأول وانتهت فترته في 2010 بعد نجاح استثنائي للنادي.
عندما تولى لابورتا الرئاسة في عام 2003، كان النادي يعاني من أزمة مالية ورياضية كبيرة، كانت البداية بإصلاحات جذرية على مستوى الإدارة والطاقم الفني واللاعبين، من بين القرارات الأولى التي اتخذها لابورتا كانت تعيين فرانك ريكارد كمدرب للفريق.
كما تعاقد لابورتا مع بعض النجوم البارزين، مثل رونالدينيو، الذي كان له تأثير كبير على عودة برشلونة إلى المنافسة، كما أعاد تنظيم إدارة النادي ووضع خطة طويلة الأمد لإعادة الاستقرار المالي من خلال تعزيز العقود التجارية وزيادة الإيرادات من مبيعات التذاكر والمنتجات الرسمية.
ويعد قرار لابورتا في التعاقد مع النجم البرازيلي رونالدينيو في عام 2003، أحد أهم قراراته والذي لم يكن مجرد لاعب بل كان القائد الذي أعاد لبرشلونة جاذبيته وإبداعه على أرض الملعب، معه، بدأ الفريق في العودة إلى منصات التتويج بعد سنوات من الغياب، وقام لابورتا بدعم الفريق إلى جانب رونالدينيو بلاعبين مهمين.
فترة لابورتا كانت مليئة بالإنجازات والنجاحات الرياضية تحت قيادة المدرب فرانك ريكارد، ولاحقًا بيب غوارديولا، تمكن الفريق من تحقيق العديد من الألقاب، بما في ذلك دوري أبطال أوروبا مرتين (2006 و2009)، الدوري الإسباني أربع مرات (2005، 2006، 2009، 2010) وكأس ملك إسبانيا (2009) والسداسية التاريخية في عام 2009.
وفاز فريق برشلونة بجميع البطولات الممكنة في موسم واحد، الدوري الإسباني، كأس الملك، دوري أبطال أوروبا، كأس السوبر الإسباني، كأس السوبر الأوروبي، وكأس العالم للأندية، وهذا الإنجاز جعل الكتالوني أول فريق في تاريخ كرة القدم يحقق “السداسية”، وأكد مكانة لابورتا كأحد أنجح رؤساء النادي.
انتهت فترة لابورتا في عام 2010، بعدما قضى الحد الأقصى المسموح به لرئيس النادي حسب قوانين برشلونة (7 سنوات)، غادر النادي وهو في أوج قوته تاركًا إرثًا من النجاح الرياضي والمالي خلفه.
روسيل من رئيس لبرشلونة إلى الاستقالة بفضيحة
فاز ساندرو روسيل برئاسة نادي برشلونة، وتولي القيادة بعد لابورتا من 2010 حتى 2014، وشهدت فترته نجاحًا رياضيًا مع استمرار تألق الفريق تحت قيادة جوارديولا، لكن فترته كرئيس انتهت بشكل مثير للجدل عندما استقال في 2014، بسبب فضيحة تتعلق بتفاصيل التعاقد مع النجم البرازيلي نيمار، ما أدى إلى فتح تحقيقات قانونية.
نجح روسيل في السنوات الأربع التي قضاها في رئاسة برشلونة، حيث استمر الفريق في الهيمنة على البطولات المحلية والدولية، في أول موسم، تحت قيادته حقق الفريق لقب دوري أبطال أوروبا في عام 2011، وذلك بفوزه على مانشستر يونايتد في المباراة النهائية، كما حصل الفريق على العديد من الألقاب المحلية مثل الدوري الإسباني وكأس الملك.
أكمل روسيل العمل الذي بدأه لابورتا من حيث الاستفادة من فريق الأحلام الذي قاده نجوم مثل ليونيل ميسي وتشافي وأندريس إنييستا، حتى بعد رحيل جوارديولا في عام 2012د وتولي تيتو فيلانوفا المسؤولية، حافظ الفريق على قوته وفاز بلقب الدوري الإسباني.
تعاقد روسيل مع البرازيلي نيمار من سانتوس في عام 2013، وهي صفقة أُعلن عنها كواحدة من أكبر الصفقات في تاريخ النادي، لكن هذه الصفقة كانت بداية النهاية لروسيل، وسرعان ما ظهرت تساؤلات حول تفاصيل الصفقة المالية.
واتضح أن الأرقام المُعلنة حول قيمة الصفقة كانت مضللة، تم اتهام روسيل بالتلاعب في الأرقام، وتقديم بيانات غير دقيقة للأعضاء والجمهور، وتسبب الجدل القانوني حول صفقة نيمار في فتح تحقيق قضائي، ووجهت اتهامات رسمية لروسيل تتعلق بالفساد والاحتيال، هذا الضغط القانوني والإعلامي دفعه في النهاية إلى الاستقالة من منصبه في يناير 2014.
ماريا بارتوميو مؤقتًا لرئاسة الكتالوني خلفَا لروسيل
حصل جوسيب ماريا بارتوميو على مقعد رئاسة النادي بشكل مؤقت بعد استقالة روسيل، ثم تم انتخابه لاحقًا وكانت فترته من 2014 حتي 2020، والتي شهدت نجاحًا على الصعيد الرياضي، حيث حقق الفريق الثلاثية في 2015 تحت قيادة المدرب لويس إنريكي.
لكن مع مرور الوقت بدأت الأمور تتدهور، وشهدت فترة ماريا بارتوميو أزمات داخلية، مثل رحيل نيمار إلى باريس سان جيرمان، وتوتر العلاقة مع النجوم الكبار مثل ليونيل ميسيد واستقالة بارتوميو في 2020 بعد ضغط جماهيري كبير، وخسائر مالية ورياضية.
بدأت الأزمة المالية في الظهور بشكل كبير خلال فترة رئاسة بارتوميو، نتيجة للإدارة المالية غير المحترفة وتفشي جائحة كورونا، تضاعفت الديون على النادي بشكل غير مسبوق، حيث تجاوزت حاجز المليار يورو هذه الأزمة.
وأجبرت الإدارة الجديدة بقيادة جوان لابورتا على اتخاذ قرارات حاسمة لخفض التكاليف، من بينها تخفيض الأجور، وتسريح بعض اللاعبين الكبار، أبرزهم ليونيل ميسي، أثر هذا الوضع المالي السيئ بشكل مباشر على قدرة الفريق على المنافسة في سوق الانتقالات، مما أثر على جودة الفريق داخل الملعب.
لابورتا يعود لقيادة برشلونة بعد تراكمات الديون
عاد لابورتا في عام 2021 إلى رئاسة نادي برشلونة بعد أكثر من عقد من مغادرته المنصب في 2010، وكان النادي حينها يمر بأزمة رياضية ومالية غير مسبوقة، حيث تراكمت الديون بشكل كبير، وأدت جائحة كورونا إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية بعد فوزه بالانتخابات في مارس 2021.
واجه لابورتا تحديات هائلة لإعادة النادي إلى المسار الصحيح، خصوصًا في ظل مغادرة النجم الأسطوري ليونيل ميسي، خاصة مع استقالة بارتوميو وتدهور الوضع المالي، شهد برشلونة تراجعًا كبيرًا في المنافسات الأوروبية، من فريق يُعتبر مرشحًا دائمًا للفوز بدوري أبطال أوروبا إلى فريق يعاني لتحقيق التأهل للأدوار النهائية.
وتلقى برشلونة الخسائر الكبيرة أمام فرق مثل بايرن ميونيخ (8-2)، مما أثرت بشكل سلبي على سمعة النادي الأوروبية، وتسعي إدارة لابورتا الجديدة لاستعادة الهيبة الأوروبية للنادي، لكن ذلك يتطلب تحسينات على مستوى التعاقدات وإعادة بناء الفريق الذي تضرر بعد مغادرة العديد من النجوم.
أحد أكبر التحديات التي واجهها لابورتا عند توليه الرئاسة في 2021 كانت الأزمة المالية الكبيرة، برشلونة كان يعاني من ديون تزيد عن مليار يورو، وهو ما أدى إلى عجز النادي عن تحمل الرواتب المرتفعة للاعبين، وعلى رأسهم ليونيل ميسي.
كانت هناك حاجة ملحة لتقليص النفقات بشكل جذري وتحسين الإيرادات، لتجنب الانهيار المالي مما اضطر لابورتا إلى اتخاذ قرارات قاسية، بما في ذلك إعادة هيكلة ديون النادي وتقليص رواتب اللاعبين، إضافة إلى بيع بعض الأصول وتخفيض سقف الرواتب وفقًا للوائح الدوري الإسباني، هذا التحدي جعل إعادة الاستقرار المالي للنادي أحد أولوياته الأساسية في الفترة الأولى من رئاسته.
بعد رحيل ميسي، اضطر لابورتا للبدء في إعادة بناء الفريق بشكل جذري، بدأ النادي في التركيز على اللاعبين الشباب وتطوير الأكاديمية “لا ماسيا”، لتكون أساس الفريق في المستقبل من بين النجوم الصاعدين الذين لعبوا دورًا كبيرًا في هذا التحول بجانب الصفقات التي ابرمها.
استعاد برشلونة بطولة الدوري الاسباني في الموسم 2022-2023، وتحت قيادة تشافي تمكن برشلونة من استعادة لقب الدوري الإسباني بعد سنوات من سيطرة ريال مدريد وأتلتيكو مدريد على اللقب.
هذا الإنجاز كان بمثابة تتويج لجهود لابورتا في إعادة بناء الفريق ووضع النادي مجددًا على طريق البطولات، كما أن تشافي استطاع تكوين فريق قوي يعتمد على مزيج من الخبرة والشباب، مما أعاد لبرشلونة هيبته في المسابقات المحلية.
وكان توقيع عقد رعاية كبير مع شركة Spotify، أحد أهم الإنجازات، مما جعل ملعب “كامب نو” يُعرف باسم “Spotify Camp Nou” في صفقة جلبت للنادي مبالغ كبيرة وساهمت في تحسين الوضع المالي.
ضمن رؤية لابورتا لتحديث النادي، بدأ مشروع تطوير ملعب كامب نو وتوسيع قدراته ليتماشى مع المتطلبات الحديثة، هذا المشروع الضخم يهدف إلى تحويل الملعب إلى واحد من أكثر الملاعب تطورًا في العالم من حيث التكنولوجيا والبنية التحتية، مع الحفاظ على روح النادي وتاريخه العريق.
شهد نادي برشلونة تغييرات كبيرة في القيادة منذ عام 1995، حيث ترك كل رئيس بصمته في النادي بطرق مختلفة، سواء من خلال النجاح الرياضي أو الأزمات الداخلية، وسيظل النادي الكتالوني قوة رياضية وثقافية في إسبانيا والعالم، ورؤساؤه يلعبون دورًا محوريًا في توجيهه نحو المستقبل.
في النهاية، تبقى رئاسة نادي برشلونة واحدة من أصعب المهام في عالم كرة القدم، حيث تجمع بين التحديات الرياضية والمالية والسياسية، ومع استمرار لابورتا في قيادة النادي، تبقى آمال جماهير برشلونة معلقة على قدرته في إعادة الفريق إلى قمة الكرة الأوروبية والعالمية.