تحقيق – وفاء العسكري
بين الضحك والحزن حدثت مواقف تخلط بين الأمرين، فالكثير منا ظل يضحك ضحكًا هيستيريًا في موقف حزين، والجانب الآخر ظل يبكي في موقف يستدعي الفرح والسعادة، وبنسبة 99% مررت بمواقف مشابهة لتلك الحالة ولا تعرف سببها.
قال “أحمد الشوبكي” البالغ من العمر 20 عامًا: “في حد الأيام تلقيت اتصالًا من صديق لي يخبرني أن والده توفى، وبالطبع الخبر كان حزينًا للغاية، وبكوني رجلًا وجب أن أقوم بتقديم واجب العزاء، وأثناء الطريق كنت اتحدث مع أحد أصدقائي وأنا في قمة الحزن والأسى”.
وتابع “الشوبكي”: “ولكن أثناء الحديث تذكرنا موقف مضحك وظللت أضحك حتى عندما وصلت العزاء، وسلمت على الرجال وجلست ظللت أضحك بطريقة لا توصف، حتى أنني حاولت التماسك حتى لا ينظر لي أحد ولم استطع، فقمت بالنهوض وسلمت على صديقي واعتذرت له بأني ساغادر”.
حكت “ولاء البصراوي” البالغة من العمر 28 عامًا: “خلال امتحان الثانوية العامة الخاص بي وبالتحديد في أحد فروع الرياضيات، ظللت طوال اللجنة اضحكت بطريقة لا تصدق والجميع حاولي خائف وأنا فقط اضحك، ولكنني من داخلي متوترة بشأن الامتحان”.
وأضافت “البصراوي”: “ولكن من الخارج لا استطيع السيطرة على الضحك، حتى أن المراقبة ظلت تنظر لي بنظرة حادة لن انساها، وتوجهت نحوي وقالت لي ما بك؟، فقولت لها لا شئ أنا بخير، ولكنها تعجبت من كوني اضحك بداخل لجنة امتحان مخيفة مثل هذه اللجنة”.
تحدث “محمد حسام” البالغ من العمر 26 عامًا عن موقف حدث له، قائلًا: “في أحد ماتشات الكرة التي العبها مع أصدقائي، انتبتني نوبة من الحزن الشديد، حتى وصلت لعدم القدرة على التحكم في جسدي، ولكن قبلها منذ ساعات قليلة كنت اضحك مع أصدقائي ولم يحدث شئ محزن أو مؤلم”.
وتابع “حسام”: “ولم استطع التحكم في جسدي وقررت وقتها أن اذهب للمنزل، ووضعت جسدي على السرير وبدء التفكير في العمل حول ما حدث لي وماذا أصابني، حتى وصل التفكير بي أن ذلك ربما نتيجة لبعض التراكمات النفسية، ولم أشعر بنفسي إلا عندما استيقظت اليوم الثاني”.
أوضحت “ياسمين المهندس طالبة الدراسات العليا في علم النفس” المسمى العلمي لتلك الحالة، فقالت: “تلك الحالة تسمى بالتأثير البصلي الكاذب وهو حالة تظهر بها نوبات من البكاء أو الضحك الغير متوقع، والغير ملائم للموقف الحادث، ولا يمكن السيطرة على تلك النوبات”.
وأضافت “المهندس”: “ويحدث هذا التأثير في العموم للأشخاص المصابين بأمراض نفسية مثل الاكتئاب واضطراب ثنائي القطب والوسواس القهري وغيرها من الأمراض النفسية، أو تكون نتيجة لحدوث مشكلة عصبية معينة في جسد الإنسان”.
فسر “الدكتور مجدي عزب دكتور المخ والأعصاب” أسباب تلك الحالة، قائلًا: “تحدث تلك الحالة نتيجة وجود خلل في المسارات العصبية المسئولة عن نقل العواطف، والخلل في تلك المسارات يعود إلى اضطراب في الاتصال بين مناطق معينة من الدماغ، وهى التي تتحكم في التعبير العاطفي، مثل القشرة الجبهية والمناطق البصلية”.
وأضاف “الدكتور”: “فالقشرة الجبهية هى تلك المنطقة في الدماغ المسؤولة عن تنظيم السلوك العاطفي والتعبير عنه، وفي الظروف العادية تساعد القشرة الجبهية في تثبيط الاستجابات العاطفية المبالغ فيها، وتعديلها وفقًا للسياق الاجتماعي والموقف، وأما المسارات البصلية هى التي تشمل الجسور والنخاع المستطيل”.
وتابع “عزب”: “وهى مناطق من الدماغ تشارك في التحكم في الاستجابات العاطفية التلقائية، مثل الضحك والبكاء، وهذه المناطق تنقل الإشارات العصبية من القشرة الجبهية إلى العضلات، التي تعمل على تنفيذ التعبيرات العاطفية، أما الخلل العصبي فهو الانقطاع أو الضرر في الاتصالات بين المخ والعضلات”.
واستطرد “مجدي”: “وفي حالة متلازمة التأثير البصلي الكاذب، يمكن أن يؤدي تلف القشرة الجبهية أو المسارات العصبية، التي تربطها بالمسارات البصلية إلى فقدان القدرة على التحكم في التعبيرات العاطفية، وهذا التلف يمكن أن يكون ناجمًا عن أمراض مثل السكتات الدماغية، التصلب المتعدد، إصابات الدماغ، أو أمراض التنكس العصبي مثل التصلب الجانبي الضموري ALS”.
واكمل “دكتور المخ والأعصاب”: “وننتقل إلى زيادة النشاط العصبي غير المنضبط، وهو بسبب هذا الخلل فقد تصبح المسارات البصلية مفرطة النشاط، مما يؤدي إلى استجابات عاطفية غير متناسبة أو مفاجئة، فيبدأ الشخص في الضحك أو البكاء دون سبب واضح أو رد فعل غير متناسب للموقف”.
وأضاف “الدكتور مجدي”: “والنتيجة في النهاية هى مجموعة من النوبات غير المنضبطة، والتي ينتج عن هذا الخلل نوبات متكررة، وغير متوقعة من الضحك أو البكاء التي تكون خارج السيطرة، ولاتتناسب مع الحالة العاطفية الفعلية للشخص، وهذا يمكن أن يكون محرجًا ومؤلمًا نفسيًا للمصابين به”.
واختتم “دكتور عزب” حديثه، قائلًا: “وهذا قد يؤدي إلى تأثير سلبي على حياتهم اليومية والعلاقات الاجتماعية، وذلك نتيجة لتلك المتلازمة الناجمة عن خلل في الاتصالات العصبية، والتي تؤدي إلى عدم القدرة على تنظيم التعبيرات العاطفية بشكل مناسب، وبالتالي حدوث نوبات عاطفية غير متوقعة، وغير متناسبة مع المواقف الحياتية”.
أوضحت “الطبيبة هبة عصام أحد أطباء علم النفس” حدوث تلك المتلازمة في مجال علم النفس، فقالت: “في علم النفس، تُعد متلازمة التأثير البصلي الكاذب “PBA” هى حالة تُظهر انفصالًا بين التجربة العاطفية الداخلية للشخص والتعبير العاطفي الخارجي، ويمكن تفسير هذه الحالة من منظور نفسي على هيئة عدة نقاط أو أسباب”.
وتابعت “عصام”: “قد يكون الشخص مصابًا بانفصال العاطفة عن التعبير، وفي تلك الحالة يمكن أن يكون هناك انفصال واضح بين ما يشعر به الشخص داخليًا، وكيف يعبر عن هذا الشعور، فقد يضحك أو يبكي في أوقات غير مناسبة، ويكون تعبيره العاطفي غير متوافق مع مشاعره الحقيقية أو السياق المحيط به”.
وأضافت “الطبيبة”: “وهذا إلى جانب التنظيم العاطفي فهو يشير إلى القدرة على إدارة وتعديل الاستجابات العاطفية، لتناسب الموقف ولكن في المتلازمة يعاني الأشخاص من صعوبة في التحكم في هذه الاستجابات، مما يؤدي إلى نوبات عاطفية مفاجئة وغير مناسبة، والأثر النفسي والاجتماعي فقد تؤدي هذه النوبات إلى مشاعر إحراج، قلق، وإحباط لدى المصابين”.
وتابعت “هبة عصام”: ” مما قد يؤثر سلبًا على حياتهم الاجتماعية والمهنية، والأشخاص قد يتجنبون المواقف الاجتماعية أو يعانون من القلق الاجتماعي، وذلك بسبب خوفهم من حدوث نوبات غير مناسبة، والإدراك الذاتي والوعي يلعب دورًا هامًا أيضًا، فغالبًا ما يكون الأشخاص المصابون مدركين أن تعبيراتهم العاطفية ليست مناسبة للموقف”.
واستطردت “الطبيبة هبة”: “وذلك مما يزيد من شعورهم بالضيق والإحراج، فهذا الوعي بالفجوة بين الشعور والتعبير، يضيف طبقة إضافية من التعقيد النفسي للحالة، وهنالك أيضًا علاقة مع الاكتئاب واضطرابات المزاج فمن المهم التمييز بين PBA واضطرابات المزاج مثل الاكتئاب، فعلى الرغم من أن الأشخاص المصابين بـ PBA قد يظهرون نوبات بكاء”.
وواصلت “طبيبة علم النفس”: “فإن هذه النوبات ليست بالضرورة تعبيرًا عن الحزن العميق أو الاكتئاب، ومع ذلك يمكن أن تتواجد حالات اكتئاب مع PBA بسبب التأثير السلبي للنوبات على جودة الحياة، التي تزعج المريض دائمًا وتسبب له بعض الأمراض التي لم تتواجد من البداية لديه”.
وعن الحل في علم النفس، فقالت “الطبيبة”: “هنالك طرق عديدة ولكن أبرزها هو التدخل السلوكي، والذي يمكن أن يساعد العلاج السلوكي المعرفي في تطوير استراتيجيات للتحكم في الاستجابات العاطفية، والتعامل مع القلق الاجتماعي الذي قد ينشأ بسبب النوبات، والتدريب على المهارات الاجتماعية الذي يساعد على تنمية المهارات الاجتماعية في تحسين التفاعل مع الآخرين”.
واختتمت “الطبيبة هبة عصام” حديثها، قائلًة: “وأحد أبرز الطرق وأسهلها هو الدعم النفسي، فالدعم من الأصدقاء والعائلة والمعالجين، يمكن أن يكون أساسيًا في مساعدة الأفراد على التعامل مع تأثيرات PBA النفسية والاجتماعية، لأن تلك المتلازمة تعكس تحديات في التنظيم العاطفي والتعبير المناسب عن المشاعر، مما يؤدي إلى تدخلات متعددة الأوجه، لتحسين جودة الحياة للمصابين”.