تقرير – شهد الشرقاوي
هناك بعض الأشخاص يشعرون دائمًا بالنوم، ويصعب عليهم مقاومته، فهذا لا يكون مجرد حدث عارض، هذا ما يسمى بالنوم القهري، ويأتي هذا الاسم نتيجة الحاجة القهرية للنوم التي تتحكم في المريض، فالنوم القهري، أو الناركوليبسي، له مسميات أخرى: الخدار – داء التغقيق.
هو اضطراب عصبي مزمن يؤثر على قدرة الدماغ في التحكم بدورات النوم والاستيقاظ، يصيب هذا الاضطراب نسبة ضئيلة من البشر، إلا أن تأثيره على حياة المصابين به يكون كبيرًا للغاية، يتسبب النوم القهري في نوبات نوم مفاجئة خلال اليوم، بالإضافة إلى أعراض أخرى مثل الجمدة والهلوسة.
فتعد حالة النوم القهري الصحية من إحدى الحالات الصحية النفسية التي قد يعاني منها العديد من الأفراد، ولا يرتبط مرض النوم القهري بمرحلة عمرية محددة، إذ يصيب أي شخص، لكنه يظهر بصورة أكبر في مرحلة الشباب، ولهذا المرض مخاطر كبيرة على الصحة في حال لم يتم علاجه.
قد تستمر مدى الحياة وليس لها علاج، ومع ذلك، يمكن أن تساعد الأدوية وتغيير نمط الحياة على التحكم في الأعراض، كما يمكن أن يساعد تلقي الدعم من الآخرين العائلة والأصدقاء وأصحاب العمل والمعلمين على التأقلم مع الاضطراب، وقد يتسبب له في حدوث مواقف محرجة، أو خطرة.
يعد النوم القهري مرضًا نادرًا، حيث يصيب عادة شخصًا واحدًا من بين كل 2000 شخص، وتكمن خطورته في أنه عادة يساء تشخيصه، ومن ثم لا يخضع المريض لعلاج أو يوجه إلى أنماط سلوكية تساعده على التعايش مع المرض.
ولكن لا يعد اضطراب النوم القهري مميتاً في حد ذاته، لكن يمكن تؤدي أعراضه إلى التعرض لإصابات أو مواقف مهددة للحياة، لذا قد يعاني المصابون من القلق أو التوتر، ويؤثر الأمر سلبياً على حياتهم الاجتماعية، ونشاطهم اليومي.
أنواع النوم القهري
تمكن من تقسيم النوم القهري إلى نوعين رئيسيين كما يلي: النوع الأول هو النوع الأكثر شيوعاً، ويكون مصاحباً بحالة مرضية تسمى الجمدة “Cataplexy” وهو فقدان مفاجئ ومؤقت للتحكم في حركة عضلات الجسم.
تحدث هذه الحالة نتيجة انخفاض مستويات بروتين الهيبوكريتين “Hypocretin” في لجسم، ويشار إليه أحياناً باسم أوركسين ”Orexin”، والنوع الثاني، ويكون غير مصحوب بأعراض مرض الجمدة، كذلك تكون نسبة بروتين الهيبوكريتين طبيعية.
أسباب الناركوليبسي
النوم القهري ناتج عن خلل في منطقة معينة من الدماغ تُعرف بالهايبوثلاموس، تعتبر نقص الخلايا العصبية المنتجة لمادة الهيبوكريتين أو “أوركسين” من الأسباب الرئيسية لهذا الاضطراب، وتلعب الهيبوكريتين دورًا حيويًا في تنظيم اليقظة والنوم.
يعتقد الباحثون أن العوامل الوراثية والجينية تلعب دورًا في الإصابة بهذا الاضطراب، إلى جانب بعض العوامل البيئية مثل العدوى الفيروسية التي قد تؤثر على الجهاز المناعي وتؤدي إلى تلف الخلايا العصبية المنتجة للهيبوكريتين.
يعد السبب مجهولاً وغير واضح لكن يمكن أن يكون أحد الأسباب التالية: نقص في مستويات المادة الكيميائية هيبوكريتين “الأوريكسين” المسؤولة عن ضبط الاستيقاظ، ويمكن أن يكون النقص بسبب مهاجمة الجهاز المناعي للخلايا المنتجة أو المستقبلة للهيبوكريتين.
وكذلك التغيرات الهرمونية، والتي يمكن أن تحدث أثناء البلوغ، انقطاع الطمث، أو بسبب الضغوط النفسية عدوى مثل: “أنفلونزا الخنازين، أو اللقاح المستخدم ضده حدوث إصابة في الرأس، أو سكتة دماغية”.
لكن الخبراء يشتبهون في حدوث ذلك نتيجة تفاعل مناعي ذاتي يحدث التفاعل المناعي الذاتي عندما يدمر جهاز المناعة خلايا الجسم، ومن المرجح أيضا أن الخصائص الوراثية لها دور في الإصابة بالتخفيق، لكن احتمال وراثة الطفل هذا الاضطراب من أحد الوالدين ضئيل جداء النسبة بين 1 و 2% فقط.
تبدأ عملية النوم النموذجية بمرحلة تسمى نوم حركة العين غير السريعة، في هذه المرحلة، تصبح موجات الدماغ بطيئة، وبعد مرور ساعة أو أكثر من نوم حركة العين غير السريعة، يتغير النشاط الدماغي وتبدأ مرحلة نوم حركة العين السريعة، وتحدث معظم الأحلام أثناء نوم حركة العين السريعة.
يوجد أسباب أخرى تؤدى إلى الشعور بالنعاس، لكنها غير مرتبطة بمرض النوم القهري، مثل الإصابة بداء المتقبيات الأفريقي البشري، وهو داء تسببه لدغة ذبابة تسي تسي المنتشرة في القارة الإفريقية، والتي تجعل المصاب به يفقد السيطرة على نفسه ليستغرق في نوم عميق بأوقات مختلفة التعرض للتعب والإجهاد وعدم أخذ القسط المناسب من النوم إلى أن يصاب الشخص بالنعاس.
عوامل الخطورة
يصيب النوم القهري الذكور والإناث، وعادة ما تظهر هذه الأعراض في فترة الطفولة، أو سنوات المراهقة نتيجة مزيج من العوامل الوراثية والمناعة الذاتية والبيئية، لا يعرف إلى الآن السبب الرئيسي وراء معاناة البعض من النوم القهري أو التغفيق.
لكن يعتقد أن السبب وراء النوع الأول منه هو انخفاض نسبة بروتين الهيبوكريتين الذي يلعب دورًا هامًا في تنظيم دورة النوم والاستيقاظ باليوم، كذلك يمكن أن يكون السبب وراء انخفاض مستوى بروتين الهيبوكريتين، هو طفرة جينية، أو عوامل وراثية.
تلعب عدة عوامل أخرى دوراً في ذلك، مثل التعرض لضغط نفسي، أو عدوى أو مواد سامة، يوجد عدة عوامل خطيرة قد تساهم في الإصابة بالتغفيق، وجود تاريخ مرضي بالإصابة، إذ قد يزيد ذلك من فرص الإصابة من 20 إلى 40 مرة.
والسن إذ وجد أن من شخصوا بالنوم القهري، تتراوح أعمارهم بين سن 15 و25 عاما، لكن من الممكن أن يصيب المرض أي عمر، يؤثر النوم القهري على كل من الذكور والإناث، ويتطور مع التقدم في السن.
وتظهر الأعراض عادة لأول مرة في مرحلة المراهقة أو مرحلة الشباب، وقد تبقى غير ملحوظة لأنها تتفاقم تدريجيا من النادر وجود صلة وراثية للنوم القهري ولكن قد تجتمع مجموعة من العوامل الوراثية والبيئية للتسبب باضطراب.
أعراض الخدار
لا يواجه جميع المصابين بنفس الأعراض، فقد تبدأ الأعراض بالظهور بشكل مفاجئ عند البعض، أو خلال سنوات، أو أسابيع، وعادة ما يكور مرضا مزمنا، على الرغم من أن بعض الأعراض قد تتحسن مع تقدم العمر.
أكثر الأعراض شيوعًا للنوم القهري هي نوبات النوم المفاجئة التي قد تحدث في أي وقت من اليوم، بغض النظر عن الوضع أو النشاط الذي يقوم به الشخص، هذه النوبات يمكن أن تتراوح مدتها بين بضع ثوانٍ إلى عدة دقائق، وقد تحدث في مواقف خطيرة مثل القيادة أو العمل على آلات حادة.
الجمدة وهي فقدان مفاجئ للتوتر العضلي، تعد من الأعراض المميزة أيضًا، يمكن أن تؤدي الجمدة إلى انهيار الشخص بشكل مفاجئ أثناء الضحك أو الغضب أو المشاعر القوية الأخرى، بالإضافة إلى ذلك، يعاني الكثيرون من هلوسات أثناء النوم والاستيقاظ، وتسمى هلوسات النوم والهلوسات الاستيقاظية، حيث يشعر الشخص بأشياء غير موجودة وكأنها حقيقية.
شلل النوم هو عرض آخر للنوم القهري، حيث يكون الشخص غير قادر على التحرك أو الكلام أثناء الانتقال بين مراحل النوم والاستيقاظ. هذا الشلل يمكن أن يكون تجربة مخيفة للغاية، خاصة عندما يصاحبه هلوسات.
الخدر هو فقدان مفاجئ لقوة العضلات جراء محفر عاطفي مثل الضحك أو الدهشة أو الغضب. قد يشمل الخدر جميع العضلات ويمكن أن يؤدي إلى انهيار، قد يؤثر فقط في بعض المجموعات العضلية وقد يؤدي إلى صعوبة في الكلام النواء في الركبتين أو ضعف في الذراعين. يبقى المريض واعيا طوال النوبة، ولكنه عادة ما يكون غير قادر على الكلام.
هلوسة نعاسية هي الشعور بالحالة الانتقائية بين النقطة و النوم أو الاستيقاظ يكون لدى المريض تجارب عربية مخيفة نسبة الحلم وتكون المشاهد في كثير من الأحيان في بيئته الحقيقية، توقف حركة الجسم وذلك أثناء اليقظة. وقد يكون توقف كلى ويصعب على الشخص تحريك كل جسمه، أو توقف جزئي بسبب ضعف في بعض عضلات الجسم مثل الركبتين أو العنق أو الذراعين أو الفك.
وبعض التصرفات اللاإرادية لأن المريض يكون في حالة عدم وعي، ففي حال مقاومة هذا النعاس الشديد، يقوم بأفعال تلقائية وغير مفهومة، ويمكن أن يقوم ببعض التصرفات ثم ينساها في ما بعد، النوم المفاجيء وهو النتيجة النهائية لكل هذه الأعراض، حيث ينام المريض فعليا لمدة لحظات أو ساعات، وصداع الاكتئاب.
متى تجب رؤية الطبيب
عن مواجهة أحد أعراض النوم القهري والشعور بالضعف، أو المضاعفات: الاكتئاب قد يؤدي النعاس المفرط بسبب النوم القهري إلى أحد الأمور مور التالية: مشكلة في أداء العمل، مشاكل في العلاقات الاجتماعية، الإصابات والحوادث، وقد تحدث آثار جانبية للأدوية المستخدمة في علاج الاضطراب “مثل: زيادة الوزن”.
التشخيص
تشخيص النوم القهري يتطلب زيارة طبيب متخصص في اضطرابات النوم، غالبًا ما يبدأ الطبيب بأخذ تاريخ طبي شامل وفحص بدني كامل، بالإضافة إلى تقييم الأعراض التي يعاني منها المريض.
من ثم قد يتم طلب اختبارات نوم خاصة مثل دراسة النوم الليلي “Polysomnogram” واختبار الكمون المتعدد للنوم “MSLT” الذي يقيس مدى سرعة الدخول في النوم ونوعية النوم أثناء النهار.
ويمكن أيضًا أن يشارك أفراد الأسرة لتوفير المزيد من المعلومات حول أعراض الشخص وحالته الصحية، يمكن أيضًا أن تساعد بعض الاختبارات الأخرى على التشخيص السليم لاضطراب النوم القهري، وتشمل تلك الاختبارات ما يلي.
تخطيط النوم وهو اختبار تفصيلي تقوم فيه أجهزة الاستشعار بمراقبة نشاط الدماغ والجسم طوال الليل في عيادة متخصصة، ويعد ضروريا لتقييم بنية نوم الشخص.
البزل القطني يستخدم لإزالة السائل النخاعي وتقييم مستوى الهيبوكريتين فيه، حيث تشير المستويات المنخفضة من الهيبوكريتين إلى النوع الأول من النوم القهري، وتساعد على تمييزه عن النوع الثاني.
كيفية علاج النوم القهري
لا يوجد علاج نهائي للنوم القهري حتى الآن، لكن هناك مجموعة من العلاجات التي تساعد في إدارة الأعراض وتحسين جودة الحياة، العلاج الدوائي يشمل استخدام المنشطات مثل مودافينيل وأدوية مضادة للاكتئاب للتحكم في نوبات النوم والجمدة، والمثيلفندات.
بالإضافة إلى مثبطات امتصاص السيروتونين، نورابينفرين مثل علاج فينلافاكسين الذي يساعد في علاج حالات الجمدة، والهلوسة، وشلل النوم. مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات مثل الأميتريبتيلين، تساعد كذلك في علاج أعراض الهلوسة والجمدة وشلل النوم.
العلاج السلوكي يلعب دورًا مهمًا أيضًا، حيث يُنصح المرضى بتبني نمط حياة صحي يشمل الحفاظ على مواعيد منتظمة للنوم واليقظة، وممارسة التمارين الرياضية بانتظام، وتجنب تناول المنبهات قبل النوم، في بعض الحالات، قد يكون العلاج السلوكي المعرفي مفيدًا للمساعدة في التعامل مع الجانب النفسي والاجتماعي للمرض.
بالإضافة إلى تجنب الكحول والمهدئات الأخرى حيث يمكن أن تؤدي أي مادة تسبب النعاس إلى تفاقم أعراض الخدار أثناء النهار، والقيادة بحذر يجب على الأشخاص المصابين بالنوم القهري، التحدث مع الطبيب حول القيادة الآمنة، وتشمل تدابير تحسين السلامة القيلولة قبل القيادة وتجنب الرحلات الطويلة، ومارسة الرياضة وتناول نظام غذائي متوازن.
التأثيرات النفسية والاجتماعية النوم القهري ليس مجرد اضطراب طبي، بل هو حالة تؤثر بشكل عميق على الجوانب النفسية والاجتماعية للمصابين، يشعر الكثيرون بالإحراج والقلق بسبب نوبات النوم المفاجئة والجمدة، مما قد يؤدي إلى الانسحاب الاجتماعي والعزلة.
الإجهاد النفسي والاكتئاب هما شائعان بين المصابين بالنوم القهري، خاصة عندما يواجهون صعوبات في العمل أو الدراسة أو العلاقات الشخصية، دعم الأصدقاء والعائلة والتوعية العامة بالمرض يمكن أن يساعد في تخفيف هذا العبء النفسي، ويزيد من تفهم المحيطين بحالة المريض.
هناك أدوية متعلقة بتغفيق مثل مثيلفندات، أمفيتامين، للوقاية من مرض النوم القهري لا يمكن منع حدوث النوم القهري، ولكن قد يقلل العلاج من عدد عرضة النوبات، كما يمكن تجنب المواقف التي تثير هذه الحالة إذا كنت عرض الحدوث نوبات النوم القهري.
مضاعفات النوم القهري
يمكن أن يؤدي اضطراب النوم القهري إلى بعض المضاعفات، حيث يكون الأشخاص المصابون أكثر عرضة للإصابة بحالات صحية أخرى تشمل ما يلي: أمراض القلب والأوعية الدموية، ارتفاع ضغط الدم، الاضطرابات النفسية، مثل الاكتئاب والقلق واضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه.
يعد التعرض للحوادث أيضًا مصدر قلق عند مرضى النوم القهري، حيث أن النعاس ونوبات النوم والجمدة يمكن أن تهدد الحياة عند القيادة، أو عند استخدام الآلات، كذلك يمكن أن يؤدي النعاس وتوقف الانتباه إلى الإضرار بالأداء وقد يتم تفسيره على أنه اضطرابات سلوكية.
وخاصة عند الأطفال، يشعر العديد من الأشخاص المصابين بهذه الحالة بالوصمة المرتبطة بالحالة التي يمكن أن تؤدي إلى الابتعاد عن المجتمع وبدون تلقي الدعم المناسب، قد يساهم ذلك في اضطرابات الصحة العقلية ويؤثر سلبا على المدرسة.
النوم القهري هو اضطراب عصبي معقد يتطلب تفهمًا ودعمًا كبيرين من المجتمع والأطباء، بالرغم من التحديات الكبيرة التي يواجهها المصابون بهذا الاضطراب، إلا أن الوعي المتزايد بالمرض وتطوير العلاجات الفعالة يمكن أن يساعد في تحسين جودة حياتهم، يتطلب الأمر أيضًا تعزيز البحث العلمي لفهم أعمق للمرض وتطوير علاجات أكثر فعالية في المستقبل.