تحقيق ـ بسمة البوهي
في زمن أصبحت فيه وسائل التواصل الإجتماعي جزءًا لا يتجزأ من تفاصيل حياتنا اليومية، ويصعب تخيل عالم يخلو من السوشيال ميديا، مثل الفيسبوك واليوتيوب والإنستجرام وغيرها، ولقد غيرت هذه المنصات طريقة تواصلنا وتفكيرنا، وحتى نظراتنا لأنفسنا وللآخرين.
وغيرت وسائل التواصل الإجتماعي شكل العلاقات الإنسانية، وسرعت من وتيرة الحياة وخلقت عوالم رقمية موازية للواقع، ويبدو الحديث عن إختفائها وكأنها خيال، ولكن ماذا لو حدثت بالفعل، هل سنشعر بالتحرر من ضغط الأعجابات والتعليقات، أم سنواجة فراغًا يصعب ملئه.
تقول “أميرة عبده” لقد أضاعت وسائل التواصل الاجتماعي كثيرًا من وقتنا دون أن نعرف، وجعلت الناس ينعزلون عن بعضهم البعض، وإذا اختفت فستكون فرصة للعودة إلى حياتنا الطبيعية، وتحسن العلاقة بين الأسرة.
ويوضح “عمر محمد” تتسبب المنصات والسوشيال في القلق والاكتئاب بسبب المقارنات المستمرة التي تحدثها مقاطع الفيديو، حيث يعرض كل شخص جوانب مثالية من حياته فقط، وهذا يؤثر علينا نفسيًا ويدفعنا لمحاولة تحويل حياتنا للأفضل، وإذا لم نستطيع، ندخل في ازمة نفسية يصاحبها بعضًا من اللوم والعتاب.
تضيف “هبة محمد” منذ عشر سنوات كنا نجلس معًا ونتحدث ونسأل عن أحوال بعضنا البعض، إما الأن فأصبحنا نكتفي برسالة عبر واتساب، وإذا أختفت وسائل التواصل سوف نعيد الروابط الأسرية، وأحياء المودة والرحمة بين الناس من جديد.
ويؤكد “حسام حسن” أن المشكلة الأكبر في أن وسائل التواصل الاجتماعي شاركت في زيادة نسبة العنوسة، لأنها جعلت الشباب يبحثون عن الفتاة المثالية التي يشاهدونها عبر المنصات، وجعلت الفتيات تنتظار الشاب الذي يشبه بطل الرواية التي تقرئها، أو الأمير الذي ينقذ البطلة في نهايتها، وهو ما نشأ صورة غير واقعية عن شريك الحياة المناسب.
تجمعت أراء الناس بين المؤيد والمعارض على أن أختفائها لمصلحتنا، لأنها مضيعة للوقت ويتم النشر بواسطه المنصات وفيديوهات لأشخاص ناجحين ويتم مقارنة حياتهم بحياتنا، والبعض الآخر يرى عند اختفائها سوف يحدث كارثة بسبب عمله المعتمد على هذه التطبيقات.
وسيشعر الإنسان بالعزلة عن المجتمع والأصدقاء، وهناك من يرى أنها وسيلة للتعبير عن الرأي ومتابعة الأخبار، وتوصيل صوت الناس للجمهور والمسؤولين، فان اختفائها سوف يقلل من تأثير المجتمع المدني.
تؤكد الدكتورة سامية خضر دكتورة علم الإجتماع، أن اختفاء وسائل للتواصل الإجتماعي قد يؤدي إلى تحولات إجتماعية عميقة، حيث سيقل الاعتماد على التواصل الافتراضي، مما قد يعيد أحياء العلاقات الواقعية ويقلل من العزلة النفسية، وقد يشعر البعض بالانفصال عن العالم خاصةً من أعتادوا على بناء هويتهم من خلال هذه المنصات.

الدكتورة سامية خضر أستاذ علم الإجتماع
وترى الدكتورة أن اختفائها قد يكون فرصة لأعادة بناء العلاقات الإجتماعية على أسس أكثر واقعية وإنسانية، وبناء الهوية الذاتية بعيدًا عن ضغط المقارنة والتفاعل الرقمي المستمر.
وتضيف “خضر” أن الإنسان قادر على التكيف، لكن سيحتاج إلى وقت لإعادة تشكيل أنماط التواصل، وقد نشهد عودة قوية للروابط الأسرية والمجتمعية.
واختتمت الدكتوره سامية أن وسائل التواصل الإجتماعي يحمل إيجابيات وسلبيات، وأنها أداة قوية للتعليم والتواصل، إذا تم استخدامها بوعي، وتحذر من الانعكاسات النفسية والاجتماعية خاصة على فئة الشباب.
يؤدي اختفاء وسائل التواصل الاجتماعي إلى تحسين الصحة النفسية، بسبب القلق والاكتئاب التي تحدثه، خاصةً بسبب المقارنات المستمرة مع الآخرين، واختفائها يقلل من هذه الضغوطات النفسية.
ومع قلة الإشعارات والتشتت الرقمي، قد يصبح الشباب أكثر تركيزًا في الدراسة والعمل، وهذا يشجعهم على التواصل المباشر، مما يقوي الروابط الإجتماعية الحقيقية، ويقلل من العزلة، وأن اختفائها يقلل من التعرض للتنمر الإلكتروني والتحرش عبر الإنترنت.
تعد هذه الوسائل أداة للتعبير عن أراء الناس وتعريف هويتهم، واختفائها قد يخلق فراغًا بين الناس، وأنها المصدر الرئيسي للأخبار والمحتوى التعليمي، وقد يشعر البعض بأنفصاله عن العالم، وتقلل من توفير فرص عمل والدورات تدريبية التي تعرض عبر هذه المنصات، ومع اختفائها سيقلل من الوصول إلى أشياء كثيرة، وسيصبح المحتوى التعليمي أقل إنتشارًا.
وفي النهاية يعد اختفاء وسائل التواصل الإجتماعي بمثابة “أعادة ضبط” لحياة الشباب وحياتنا عمومًا، وفي هذه الحياة سيشعر البعض بالتحرر والبعض الآخر سيشعر بالضياع، ولكن في النهاية القدرة على التكيف والتوازن هي ما ستحدد أن هذا التغيير نعمة أم نقمة.
وتعتبر اختفائها ليس مجرد سيناريو خيالي بل هو دعوة للتفكير في مدى اعتمادنا عليها، وهل نستخدمها كوسيلة للتواصل أم كبديل للحياة، وربما يكون الحل في التوازن لا في الالغاء، فالحياة بدونها ممكنة لكنها تتطلب وعيًا وإدارة وقدرة على أعادة اكتشاف الذات والعلاقات من جديد.