تحقيق – وفاء العسكري
يصاب المتفاني في عمله بمرض يشبه المرض الخبيث، حتى أنه لا يعلم عنه شئ إلا إذا وصل لحالة متأخره منه، أو ربما أصيب بالفعل دون أن يشعر بما أصابه، و لايمكنه تحديد أعراض واضحة عليه.
ويظهر الموظف في صورة منهكة ومدمرة تمامًا، ولكن ليس جسديًا بل نفسيًا، يبدأ في الشعور بكونه مفتقد للطاقة “مخزون الطاقة عنده خلصان”، ويشعر أنه محترق من داخله، ولكنه بالفعل محترق نفسيًا.
وتحدثت هبة وائل وهى موظفة تعمل في أحد المكاتب الحكومية، عن شعورها خلال العمل، قائلًة: “في بداية العمل أشعر بالطاقة والحيوية والنشاط، حتى أني اعتقد بداخلي أني قادرة على كسر كل الحواجز، ولكن مع مرور الوقت ابدأ في فقدان الاهتمام بالعمل، وفقدان الطاقة أيضًا”.
واستطردت الموظفة حديثها بأنها تشعر بحالة من الخمول وفقدان الشغف، وتشعر بالاكتئاب في وقت لا يتطلب اكتئاب، حيث أوضحت أنها في وقت الضحك مع زملائها في الراحة، تشعر بالحزن، ودائمًا ما تشك في قيمة الحياة وقيمة علاقاتها الإجتماعية مثل الصداقة والحب، وتشعر بالعجز أيضًا.
حيث فسرت إسراء الليثي أحد طلاب علم النفس بجامعة الزقازيق، أن تلك الحالة تسمى بالاحتراق النفسي، ولها تعريف محدد وصريح بداخل كتب علم النفس، وهو يشير إلى حالة يمر بها الموظف، ويشعر فيها بالضغط النفسي الناجم عن كثرة العمل، والإنهاك والتعب بداخله.
وأشارت “الليثي” إلى أن تلك الحالة من الصعب اكتشافها في وقت مبكر، لأنها حالة شائعة ومنتشرة ولكن غير معروفة، أنها حالة لم تأخذ الضجة الكافية مثل الاكتئاب أو الوسواس القهري، فهى حالة ينغمس فيها الإنسان في التعب ونفاذ الطاقة.
وتابعت طالبة علم النفس: “المصاب بتلك الحالة أو المرض يكتشفه في وقت متأخر، لأنه دائمًا يرمي اللوم على أن الذي يحدث بسبب ضغطوطات العمل، وفي عقله إذا حصل على يوم أو يومين إجازة سيصبح في حال أفضل، والذي لا يعلمه أنه يقوم بعملية تراكم لضغوطاته النفسية”.
وأضافت إسراء الليثي: “ولو استمر في تراكم تلك الضغوطات، سوف يصاب بالاكتئاب أو يميل إلى التفكير في الانتحار، لأنه يرى أنه لا يستطيع مواجه الحياة بكل تلك المشاكل، فالحل الأنسب له ليس التوجه لطبيب نفسي، إنما الهرب بعيدًا دون الرجوع مرة أخرى للضغوطات”.
أوضح الدكتور أحمد العربي دكتور علم النفس بجامعة المنصورة، أن هنالك العديد من الأسباب لتلك الحالة، قائلًا: “الموظف بتجيله الحالة دي بسبب بعض الغلطات التي يقوم بها في حياتها، أو يُجبر عليها، وهى أنه يعمل 24 ساعة في اليوم، دون راحة”.
وتابع “العربي”: “أو أنه لا يستطيع فصل عقله، وربما بعد انتهائه من العمل، يستمر في التفكر في اللي يومه، وماذا سيحدث غدًا أو خلال الشهر القادم، ويخلط بين وقت العمل ووقت الراحة، فخلال الاجازة يقوم بأداء عمله، ولا يراعي أن عقله يريد القليل من الراحة”.
واستطرد دكتور علم النفس: “ودائمًا يمتلك هذا الإنسان شعور بأنه لم ينهي عمله على أكمل وجه، أو أنه لا يمتلك القدرة على إنهاء مهام عمله جميعها، ويمتلك في شخصيته بعض العشوائية في جزء الوقت، يعني الوقت هو اللي بيتحكم فيه مش العكس”.
وأضاف أحمد العربي: “ومن وجهة نظري أرى أن الاحتراق النفسي هو متلازمة مرضية، وليس مجرد حالة، وهى متلازمة فيها استنزاف للطاقة النفسية والعقلية للإنسان، وهذا يعود للصراعات داخلية التي يمر بها خلال يومه، وظروف مهنية أيضًا”.
وأكمل الدكتور: “وبالتأكيد تلك الظروف والصراعات قوية على الإنسان، فبالتالي لا يستطيع التعامل معاها بطريقة سوية أو أسلوب صحيح، وهنالك بعض الأشخاص تظهر عليهم علامات واضحة للاحتراق النفسي، مثل إجهاد إنفعالي، وتبلد مشاعر، ونقص في الأنجاز اليومي والشخصي”.
واختتم الدكتور أحمد حديثه بالأشخاص الأكثر عرضه للإصابة بالاحتراق النفسي، قائلًا: “أكتر الأشخاص إصابةً بالاحتراق النفسي، هم من يبحثون عن الكمال، والذين يمتلكون ميول للكمالية، وأن يكون كل شئ في الصورة المثالية له، واللي عندهم نظرة تشاؤمية، واللي بيعانوا من التفكير الزائد”.
وبسؤال الطبيبة هبه عصام أحد أطباء علم النفس، عن علاج الاحتراق النفسي، علقت: “مينفعش نجزم أن فيه علاج للاحتراق النفسي، ولكن في طرق وقائية يمكن اتابعها، مثل أن يعيد الإنسان تنظيم وقته، ويعيد ترتيب أولوياته مرة أخرى”.
وأكملت الطبيبة حديثها: “وأنه يمارس الكثير من الرياضة علشان يقلل من الشعور بالضغط العصبي، ويجب إلا يكون متاحًا لعمله بعد انتهاء الموعد الخاص بالعمل أو في الاجازات أو وقت الراحة، ودا لأجل تصفية ذهنه وتجديد نشاطه”.
وتابعت الطبيبة هبه: “ويجب أن يبحث على أشياء يفعلها وقت فراغه غير العمل، مثل الأنشطة الفعالة التي تجعله يتحرك، أو يعزف بعض الموسيقى، ويفضل أنه يرتاح خلال العمل لمدة نص الساعه، مع ضرورة ترك المكان للمساعدة على تصفية ذهنه، وأن يكون وقت الراحة هو ذاته يوميًا”.
واختتمت طبيبة علم النفس حديثها، قائلًة: “ويفضل أنه يوازن بين حياته الشخصية والمهنية، ويتحدث مع شخص يشعر معه بالراحة في كل ما يضايقه، ذلك سيساعده على التخفيف من حدة تلك الحالة الغير مفهومة بالنسبه له، ويتجنب العصبية والضغط العصبي”.