تقرير – سوزان الجمال
يعتبر عبدالحليم حافظ أحد عمالقة الغناء العربي وكان من أهم المطربين الرومانسيين العاطفيين في فترة ظهوره من ناحية، وكان الممثل لمباديء الثورة وللحلم المصري من ناحية أخرى في أغانيه الوطنية، حتّى أنه قيل أن أغاني عبدالحليم حافظ هي ثورة 23 يوليو على شكل أغانٍ وألحان أو ماشابه هذا القول، وكان أيضا يسمى بمطرب الثورة وله أغان وطنية متعددة.
ولد عبد الحليم علي شبانة في قرية الحلوات التابعة لمركز الإبراهيمية محافظة الشرقية، في في 21 يونيو 1929، وتوفيت والدته بعد ولادته في نفس يوم، ونشأ عبدالحليم يتيماً من يوم ولادته.
وقبل أن يتم عبدالحليم عامه الأول توفي والده ليعيش بعدها في بيت خاله الحاج متولي عماشة، وهو الإبن الرابع وأكبر أخوته، هو إسماعيل شبانه الذي كان مطرباً ومدرساً للموسيقى في وزارة التربية، التحق بعدما نضج قليلا في كتاب الشيخ أحمد، ومنذ دخول العندليب الأسمر للمدرسة تجلى حبه العظيم للموسيقى، حتّى أصبح رئيساً لفرقة الأناشيد في مدرسته، ومن حينها وهو يحاول الدخول لمجال الغناء لشدة ولعه به.
والتحق العندليب الأسمر بمعهد الموسيقى العربية قسم التلحين 1943 عام، حين إلتقى بالفنان كمال الطويل حيث كان عبد الحليم طالبا في قسم تلحين، وكمال في قسم الغناء والأصوات، وقد درساً معا في المعهد حتى تخرجهما عام 1949، ورشح للسفر في بعثة حكومية إلى الخارج لكنه ألغى سفره وعمل 4 سنوات مدرساً للموسيقى بطنطا ثم الزقازيق وأخيرا بالقاهرة، ثم قدم استقالته من التدريس، والتحق بعدها بفرقه الإذاعة الموسيقية عازفا على آله الأبواه عام 1950.
واكتشاف العندليب الأسمر عبد الحليم شبانة، الإذاعي الكبير حافظ عبد الوهاب الذي سمح له باستخدام اسمه “حافظ” بدلا من شبانة، وعندما حاول الغناء أول مرة تم انتقاده في أغنية “صافيني مرة”، التي لحنها محمد الموجي وقصيدة “لقاء” لصلاح عبد الصبور، لأسلوبها المختلف.
ورفض الجماهير لها من أول وهلة، حيث لم يكن الناس على إستعداد لتلقى هذا النوع من الغناء الجديد، ولكن بعد ذلك نجح نجاحاً ساحقاً حتى أنه لقب بالعندليب الأسمر.
وبعد ذلك تعاون مع الملحن العبقري محمد الموجي وكمال الطويل ثم بليغ حمدي، كما أنه له أغاني شهيرة من ألحان موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب مثل، “أهواك، نبتدي منين الحكاية، فاتت جنبنا”، ثم أكمل الثنائي “حليم، بليغ” بالإشتراك مع الشاعر المصري المعروف محمد حمزة، أفضل الأغاني العربية.
ومن أبرزها، “زي الهوا، سواح، حاول تفتكرني، أي دمعة حزن لا، موعود وغيرها من الأغاني”، وقد غنى للشاعر الكبير نزار قباني أغنية قارئة الفنجان، ورسالة من تحت الماء، والتي لحنها الموسيقار محمد الموجي.
وبعد حرب 1967، غنى في حفلته التاريخية أمام 8 آلاف شخص في قاعة “ألبرت هول” في لندن لصالح المجهود الحربي لإزالة آثار العدوان، وقدم عبد الحليم في هذا الحفل أغنية المسيح “كلمات عبد الرحمن الأبنودي وألحان بليغ حمدي”. وغنى في الحفل نفسه أغنية “عدى النهار”، وهي أيضًا للأبنودي وبليغ، وهي واحدة من أبرز أغاني حفلات عبد الحليم على مدار تاريخه الطويل.
وفي ذكرى الثورة كرم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر العندليب الأسمر، وقد قدم عبد الحليم في هذا الحفل أغنيه المسيح، كلمات عبد الرحمن الأبنودي والحان بليغ حمدي، فيما كانت أيضاً نسخة الحفل من أغنية عدي النهار واحدة من أبرز أغانى حفلات عبد الحليم على مدار تاريخه الطويل، كان صديقا للزعيم الحبيب بورقيبة والحسن الثاني والملك حسين.
وكان عبد الحليم يحلم بتقديم قصة “لا” للكاتب الكبير مصطفى أمين، على شاشة السينما ورشح نجلاء فتحي لبطولتها ولكن القدر لم يمهله، وقدم 3 برامج غنائية هي: “فتاة النيل” للشاعر أحمد مخيمر وألحان محمد الموجي وإخراج كامل يوسف و “معروف الاسكافي” للشاعر إبراهيم رجب وألحان عبد الحليم علي وإخراج عثمان أباظة، “وفاء” للشاعر مصطفى عبد الرحمن وألحان حسين جنيد وإخراج إسماعيل عبد المجيد.
أصيب العندليب الأسمر بتليف في الكبد سببه داء البلهارسيات، وكان هذا التليف سبباً في وفاته عام 1977م، وكانت أول مرة عرف فيها العندليب بهذا المرض عام 1956م، عندما أصيب بأول نزيف في المعدة وكان وقتها مدعواً على الإفطار بشهر رمضان لدى صديقه مصطفى العريف.
ومن الأطباء الذين عالجوه في رحلة مرضه، الدكتور مصطفى قناوي، الدكتور ياسين عبد الغفار، الدكتور زكي سويدان، الدكتور هشام عيسى، الدكتور شاكر سرور ،ومن إنجلترا الدكتور تانر، الدكتورة شي لاشارلون، الدكتور دوجر ويليامز، الدكتور رونالد ماكبث، ومن فرنسا الدكتور سارازان فرنسا.
وكانت له سكرتيرة خاصة هي الآنسة سهير محمد علي، وعملت معه منذ 1972 وكانت مرافقته في كل المستشفيات التي رقد فيها، ومن المستشفيات التي رقد فيها بالخارج، مستشفى إبن سينا “المغرب”، وفي إنجلترا مستشفي سان جيمس هيرست، ولندن كلينك، فيرسنج هوم، مستشفي كنجز كولدج “المستشفى الذي شهد وفاته”، سالبتريد باريس.
توفي يوم الاربعاء في 30 مارس 1977 في لندن عن عمر يناهز الثمانية و الأربعين عاماً، والسبب الأساسي في وفاته هو الدم الملوث الذى نقل إليه حاملاً معه التهاب كبدي فيروسي “فيروس سي”، الذى تعذر علاجه مع وجود تليف في الكبد ناتج عن إصابته بداء البلهارسيات منذ الصغر.
كما قد أوضح فحصه في لندن، ولم يكن لذلك المرض علاج وقتها وبينت بعض الآراء أن السبب المباشر في موته هو خدش المنظار الذي أوصل لأمعاه، مما أدى إلى النزيف وقد حاول الأطباء منع النزيف بوضع بالون ليبلعه لمنع تسرب الدم، ولكن عبدالحليم مات ولم يستطع بلع البالون الطبي.
أخر ما كتب الدكتور ياسين عبد الغفار طبيب عبد الحليم حافظ على روشته فيما يخص حالة العندليب المرضية كانت إعلان وفاة، وفيها: ” المرحوم الأستاذ عبد الحليم علي إسماعيل شبانة، الشهير بـ عبد الحليم حافظ كان مصاباً بتليف بالكبد، وأصيب بنزيف حاد من دوالي المرئ نتيجة تليف الكبد، أدى إلى وفاته في 30/3/1977 “.
وحزن الجمهور حزنًا شديدًا، حتى إن فتيات من مصر انتحرن بعد معرفتهن هذا الخبر، وقد شُيع جثمانه في جنازة مهيبة لم تعرف مصر مثلها سوى جنازة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، سواء في عدد المشاركين في الجنازة الذي بلغ أكثر من 250 ألفًا، أو في انفعالات الناس الصادقة وقت التشييع.
تم عرض فيلم روائى بعنوان حليم، في شهر يوليو تموز عام 2006 وسط دعاية ضخمة ومن إنتاج عماد الدين أديب وشريف عرفة وإخراج شريف عرفة أيضاً، قام بدور البطولة فيه الممثل المصري المشهور أحمد زكى الذى توفى خلال تصوير الفيلم، وأكمل من بعده ولده هيثم أحمد زكي.
كما تم تصوير وإنتاج مسلسل العندليب حكاية شعب، والذي يروي سيرة عبدالحليم حافظ إضافة إلى الأحداث التي مرت بها مصر خلال فترة وجوده منها قيام الثوة المصرية، وصعود جمال عبد الناصر، والحرب مع إسرائيل.
وقد قام بتمثيل دور الراحل عبدالحليم حافظ، الممثل شادى شامل الذى فاز في مسابقة على شاشة MBC تسمى العندليب من يكون، كانت قد أقيمت للعثور على ممثل شاب يشبه بصورة كبيرة المغنى الأسطورة وفى مقدوره أن يؤدى دوره على شاشة التلفزيون.
ونجح فيه ومثل معه نخبة من الفنانين الكبار مثل “عبلة كامل وكمال أبو رية”، الكاتبة نوره ولكن رغم هذا فإن المسلسل لم يكن قوياً كما كان متوقعاً، فقد أهمل الكثير من التفاصيل المهمه في حياة عبد الحليم، وانتقده النقاد بشده لضعف أدائه الفني.
وقدم عبدالحليم أكثر من مئتين وثلاثين أغنية امتازت بالصدق والاحساس والعاطفة، وقد قام مجدي العمروسي، صديق عبد الحليم حافظ، بجمع أغانيه في كتاب أطلق عليه ” كراسة الحب و الوطنية، السجل الكامل لكل ما غناه العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ ” تضمنت غالبية ما غنى عبد الحليم حافظ.