تقرير – وفاء العسكري
سلسلة من محاولات السرقة، وحروب مع جبهة الشرف، لا هزيمة هنا أمام العزيمة، مبدأ يسير عليه أي مخلص لوطنه، فهى سلسلة لا تنتهي العدو يريد أرضك وأنت تدافع لأنها ملكك وملك أجدادك، ومن قلب المملكة الأردنية الهاشمية تصاعدت وتنازلات.
إذ تُعد معركة السموع هى معركة حدثت بين الجيش الأُردني والجيش الإسرائيلي، وذلك في 13 نوفمبر 1966 حيث تذرعت إسرائيل بحجة وجود قاعدة للعمل الفدائي، في “بلدة السموع” في الضفة الغربية التابعة للمملكة الأردنية الهاشمية آنذاك.
وقامت بعدة عمليات عسكرية في العمق الإسرائيلي، وهو الأمر الذي دعاها إلى مهاجمة هذه البلدة في لواء الخليل، إلا أن بعض الخبراء يرون أن هذه العملية كانت لاستدراج الجيش الأردني للحرب، واختبار مدى فاعلية القيادة العسكرية العربية الموحدة، وكانت المواجهة مع لواء حطين.
وبداية كانت في الخامسة والنصف من صباح يوم الأحد 13 نوفمبر 1966، حيث اجتاز الإسرائيليون خطوط الهدنة برتلين من الدبابات، تساندهما عدة أسراب من الطائرات المقاتلة، وتحرك أحدهما باتجاه “بلدة السموع”، والآخر بتتجاه مدينة “يطا” بهدف التضليل.
وأصدر قائد اللواء العقيد “بهجت المحيسن” في ذلك الوقت أوامره بالتصدي، وتحركت قوتين باتجاه السموع لإدراكه أنها الهدف المقصود، كما تحركت القوتان بطريقين مختلفين الأولى عن طريق الظاهرية، والثانية عن طريق يطا تحت قصف الطيران الإسرائيلي.
وبرغم محاولة لسلاح الجو الأردني لحماية هذا التقدم بإرساله ثلاثة طائرات من طراز “هوكر هنتر البريطانية الصنع”، دون تأثير كبير نظرًا لعدد الطائرات الإسرائيلية الكثيف، وبالرغم من هذا تمكن الطيارون الأردنيون من إسقاط ثلاثة طائرات إسرائيلية.
وسقطت لهم اثنتان استشهد طيار الأولى، ونجح طيار الثانية النقيب الطيار في ذلك الوقت “إحسان شردم”، بالقفز بمظلته فنجى ولكن الطائرة عند سقوطها على الأرض لم تتأذ كثيرًا، فهى مثبتة عند متحف صرح الشهيد شهادة لهذه المعركة.
كان الجميع في سباق للوصول إلى السموع، حيث حرص “المحيسن” على المشاركة بنفسه في هذه المعركة، لإدراكه أن القوات الإسرائيلية تفوق قواته عددًا وعدة، ولكنه اعتمد على حسن تدريب قواته، وروحهم المعنوية العالية، وصلابة إرادتهم للقتال، ووجوده معهم في الميدان سيحفزهم على الصمود.
وطبيعة الأرض مكّنت الإسرائيلين من وصول مرتفعات السموع في لحظة وصول القوات الأردنية حولها من جانبين، وشارك سرب من الطائرات الأردنية في هذه المعركة واشتبك في قتال عنيف وغير متكافىء مع أسراب العدو.
حيث اشتبكت القوات الأردنية ببسالة بالقوات الإسرائيلية، التي كانت أفضل تسليحًا، ولكنها رغم ذلك استطاعت دحرها قبل نهاية اليوم، استشهد في هذه المعركة الملازم طيار “موفق بدر السلطي” والرائد “محمد ضيف الله الهباهبة”، وجرح فيها ولأول مرة في التاريخ العسكري الأردني قائد اللواء على أرض المعركة.
ولكن تراجعت القوات الإسرائيلية إلى داخل حدودها، وتمكنت القوات الأردنية من الحصول على عدة غنائم من الأسلحة العسكرية الإسرائيلية، وقد سلّم اللواء “بهجت المحيسن” عينة منها بصورة رمزية إلى الملك “حسين بن طلال” عند تفقده أرض المعركة.
وبعد الهزيمة الساحقة أطلق الإسرائيليون على هذه المعركة، اسم عملية شريدير، وتعرف أيضًا بـ “حادثة السموع”، ويرد ذكر بعض الخسائر في الأرواح عند الجانب الإسرائيلي، حيث تم قتل ضابط واحد هو العقيد “يواف شاهام”. قائد لواء المظليين وقائد العملية، وجرح عشرة جنود آخرين.
وبعد انتصار الجانب العربي، تفاعلت الجماهير الفلسطينية والعربية متعاطفة مع صمود “لواء حطين”، بالرغم من ضعف تسليحه واتساع المنطقة المناطة له في الدفاع عنها، ولكنها طالبت الحكومة الأردنية بضرورة رفع مستوى تسليح الضفة الغربية، وإدخال الأسلحة المدرعة والدبابات إلى الضفة الغربية.
إلى جانب تأمين الغطاء الجوي “السماء الجوية”، وتعرضت القيادة الأردنية بعد المعركة إلى نقد الشديد بهذا الشأن من القيادة العربية الموحدة، التي هى تابعة للجامعة العربية، وهنالك آراء تقول أن هذا كان بتحريض من خارج الأردن على شعبه للضغط على حكومته.
وبعد الحروب إلى جانب سوريا وفلسطين والسعودية ومصر، تمت معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية “معاهدة وادي عربة”، فهى معاهدة سلام وقعت بين الأردن وإسرائيل على الحدود الفاصلة بين الدولتين والمارة بوادي عربة في 26 أكتوبر 1994.
وطبعت هذه المعاهدة العلاقات بين البلدين وتناولت النزاعات الحدودية بينهما، وترتبط هذه المعاهدة مباشرة بالجهود المبذولة في عملية السلام بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، وبتوقيع هذه المعاهدة أصبحت الأردن ثاني دولة عربية بعد مصر وثالث جهة عربية بعد مصر ومنظمة التحرير الفلسطينية تطبع علاقاتها مع إسرائيل.
ففي عام 1987 حاول وزير الخارجية الإسرائيلي “شمعون بيريز” وملك الأردن الحسين بن طلال، ترتيب اتفاق سلام سري تتنازل فيه إسرائيل عن الضفة الغربية للأردن، ووقع الاثنان اتفاقية تحدد إطار عمل مؤتمر سلام شرق أوسطي، لم يتم تنفيذ الاقتراح بسبب اعتراض رئيس الوزراء الإسرائيلي “إسحاق شامير” في العام التالي.
وتخلى الأردن عن مطالبته بالضفة الغربية لصالح حل سلمي بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، إذ بدأت المحادثات في عام 1994 بعدما أبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي “إسحاق رابين” ووزير الخارجية الملك أنه بعد اتفاقيات أوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية، قد يُستبعد الأردن من اللعبة الكبيرة.
واستشار العاهل الأردني الرئيس المصري حسني مبارك، والرئيس السوري حافظ الأسد، فقام مبارك بتشجيعه لكن الأسد قال له فقط “الحديث”، وعدم التوقيع على أي اتفاق، ولكن نجح الرئيس الأمريكي “بيل كلينتون” بالضغط على الأردن لبدء مفاوضات سلام، وتوقيع معاهدة سلام مع إسرائيل ووعده بإلغاء ديون الأردن.
وبالفعل نجحت الجهود ووقع رابين وحسين وكلينتون على إعلان واشنطن في واشنطن العاصمة في 25 يوليو 1994، وجاء في الإعلان أن إسرائيل والأردن أنهى حالة العداء الرسمية، وسيبدآن مفاوضات من أجل “وضع حد لسفك الدماء”، ولأجل سلام عادل ودائم، وبعد الاتفاقات فتحت إسرائيل والأردن حدودهما.
وأقيمت عدة معابر حدودية سمحت للسياح ورجال الأعمال والعمال بالسفر بين البلدين، بدأ السائحون الإسرائيليون زيارة الأردن، وخصوصًا منطقة البتراء، وفي 4 نوفمبر 1995 اغتال متطرف يهودي رئيس الوزراء الإسرائيلي “إسحاق رابين” بهدف تقويض جهود رابين للسلام مع الفلسطينيين.
ودُعي الحسين بن طلال لإلقاء خطاب خلال جنازة رابين في القدس، وكانت المرة الأولى التي كان فيها فيها الحسين في القدس منذ حرب عام 1967، وقُوبل الأردن بعد توقيعه معاهدة سلام مع إسرائيل، بازدراء من الرئيس السوري حافظ الأسد، وسلمت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية تقريرًا مفصلًا في ديسمبر 1995.
إذ حذرت فيه من وجود مؤامرة سورية لاغتيال الحسين بن طلال وأخيه الحسن، وبعد شهر أرسلت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية تقريرًا آخر إلى “بن طلال”، تُحذر فيه من نوايا عراقية لمهاجمة أهداف غربية في الأردن، لتقويض أمن الأردن لدعمها المعارضة العراقية.
وفي إسرائيل كان “شمعون بيريز” من حزب العمل اليساري و”بنيامين نتنياهو” من حزب الليكود اليميني يتنافسان على منصب رئيس الوزراء، وبلغت شعبية الحسين بن طلال في إسرائيل ذروتها بعد توقيع معاهدة السلام، وكان من المتوقع أن يعرب عن دعمه لأحد المرشحين، ولكن ظل محايدًا في البداية.
وبتفجير الصدمة أعرب لاحقًا عن دعمه لنتنياهو، وشهدت الانتخابات الإسرائيلية العامة التي أجريت في 29 مايو 1996، صعود نتنياهو إلى منصب رئاسة الوزراء، وسرعان ما أدى دعم حسين لنتنياهو إلى نتائج عكسية، وأثارت تصرفات إسرائيل خلال مذبحة قانا عام 1996 في جنوب لبنان.
وقرار حكومته بناء مستوطنات في القدس الشرقية، وأحداث هبة النفق بعد حفر إسرائيل مجموعة من الأنفاق تحت المسجد الأقصى، ضجة من الانتقادات لنتنياهو في العالم العربي، وفي 9 مارس 1997 بعث حسين برسالة من ثلاث صفحات لنتنياهو يعبر فيها عن خيبة أمله، في 12 مارس 1997.
تم قتل جندي أردني يدعى “أحمد الدقامسة” كان يقوم بدورية على الحدود المشتركة، قُرب جزيرة السلام سبع طالبات إسرائيليات وجرح ست أخريات، فعاد الملك الذي كان في زيارة رسمية لإسبانيا إلى الأردن على الفور، ثم ذهب إلى بلدة بيت شيمش الإسرائيلية، لتقديم تعازيه لأسر الأطفال الإسرائيليين المقتولين.
جثا على ركبتيه أمام الأهالي، وقال لهم إن الحادث “جريمة عار علينا جميعًا، أشعر وكأنني فقدت طفلي، إذا كان هناك أي هدف في الحياة فسيكون التأكد من أن جميع الأطفال، لم يعودوا يعانون كما عانى جيلنا”، ولقيت لفتته ترحيبًا حارًا في إسرائيل، وأرسل حسين للعائلات مليون دولار كتعويض عن الخسائر في الأرواح.
وقررت محكمة عسكرية أردنية أن الجندي غير مستقر عقليًا، وحكم عليه بالسجن 20 عامًا قضى فيها بالكامل، وأدت المعارضة المتزايدة في الأردن لمعاهدة السلام مع إسرائيل، إلى قيام الحسين بفرض قيود على حرية التعبير، حيث سُجن العديد من المعارضين، ومن بينهم ليث شبيلات الإسلامي البارز.
ومع ذلك أدت الحملة القمعية إلى مقاطعة المعارضة في الأردن للانتخابات البرلمانية لعام 1997، وبعدها بعام رفض الأردن طلبًا سريًا من نتنياهو لمهاجمة العراق، باستخدام الأجواء الأردنية، بعد أن زعم أن صدام يمتلك أسلحة دمار شامل، وفي ديسمبر 2013 وقعت إسرائيل والأردن اتفاقية لبناء محطة لتحلية المياه على البحر الأحمر.
وذلك بالقرب من ميناء العقبة الأردني، كجزء من قناة البحر الأحمر – البحر الميت، حيث مرت العلاقات بين الأردن وإسرائيل بعد توقيع مُعاهدة السلام بثلاث مراحل قصيرة، تزامنت مع التغيرات الجارية على صعيد سلطة الحكم في إسرائيل.
فيعتبر من 1994إلى 1996 وهى المرحلة التي كان فيها رابين ثم بيرس على رأس الحكم في إسرائيل، وتميزت بكثرة اللقاءات والاتصالات الثنائية وزخم الاتفاقات والبروتوكولات المبرمة، ومن 1996 إلى 1999 هى مرحلة تميزت بتوتر العلاقات.
وذلك نتيجة صعود الليكود للحكم في إسرائيل بزعامة نتنياهو في نهاية مايو 1996، وأدى انتهاج الحكومة الإسرائيلية سياسة تصعيدية في موضوعي المستوطنات والقدس، وبما تقوم به إسرائيل من مساس بالمقدسات الإسلامية، وكذلك الخطط الإسرائيلية لبناء مستوطنات جديدة في الضفة الغربية.
وفي هذه الفترة شهدت اللقاءات والزيارات المتبادلة بين الأردن وإسرائيل انخافضًا عام 1996 عما كانت عليه في العام السابق، ومن 1999حتى الآن، هذه المرحلة فشلت فيها مفاوضات الوضع النهائي، واندلعت في تلك المرحلة انتفاضة الأقصى نتيجة زيارة “ارئيل شارون” للحرم القدسي.
والذي سرعان ما اشعل مواجهات دامية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وما زالت مستمرة إلى الآن، ونتيجة تعثر التفاهم مع إسرائيل، وأعلن الأردن وقف اجراءات تعيين سفير أردني جديد لدى إسرائيل، كما قلصت إسرائيل عدد الدبلوماسيين في سفاراتها لدى الأردن.
وعدم تجاوب إسرائيل لغاية الآن مع مبادرة السلام العربية التي تبنتها كافة الدول العربية عام 2002، والعملييتين العسكريتيين التي قامت بهما إسرائيل وهما عملية “الرصاص المصبوب” على قطاع غزة، وعملية “السور الواقي” عام 2002 التي أعادت إسرائيل خلالها احتلال مدن الضفة الغربية.
وتدمير مقار السلطة الفلسطينية إلى جانب خرق معاهدة السلام في أكثر من مجال، مثل: خرق البند الذي يؤكد على دور الأردن في مدينة القدس، وإشارة إلى عمليات تغيير معالم القدس وتهجير سكانها العرب، وكلها أسباب جعلت العلاقات الإسرائيلية الأردنية تصل إلى الحضيض.
بالإضافة إلى أنه في عام 2023 ظهر الحراك الشعبي الرافض للتطبيع، ويرى الإسلاميون الذين يقودون معظم قوى المعارضة من أحزاب، ونقابات في معاهدة السلام خطرًا يهدد الأردن، ويأخذ رفض التطفي نوفمبر 2023، قال بشر الخصاونة رئيس الوزراء الأردني، إن الأردن يدرس جميع الخيارات المتاحة في رده على العدوان الإسرائيلي على غزة.
وتابع “بشر الخصاونة” وعواقبه اللاحقة، والحصار الإسرائيلي على قطاع غزة المكتظ بالسكان لايمكن تبريره على أنه دفاع عن النفس، وانتقد الهجوم الإسرائيلي العشوائي، الذي شمل مناطق آمنة وسيارات إسعاف في أهدافه، وقد نظم السكان الأردنيون احتجاجات ضد تصرفات إسرائيل في غزة.
وكان في وسط المحتجين في ذلك ما يقرب من مليوني لاجئ فلسطيني، وآخرين من أصول فلسطينية، مما يزيد الضغط على الحكومة لاتخاذ إجراءات بشأن هذه القضية، وهنالك أيضًا أدلة على أن هناك تعاطفًا أكبر مع حماس بين الأردنيين في السنوات الأخيرة.