تحية محمد تكتب
لحظة من فضلك قبل أن تنقضي الحياة، وتنتقل إلى عالم آخر تتمنى فيه أن تعود، لتحسن فلا
يستجاب لك، قبل أن تقع المصيبة، قبل أن ينقضي الامتحان وتظهر النتيجة، فتكون على غير ما
تحب، فتطلب فرصة أخرى وليس ثم من فرص،لحظة فإن ما أنت مقدم عليه أعظم مما تتصور،
وأكبر مما تتخيل، وكل يوم يمر بك يقربك من قدرك المحتوم ويومك المعلوم، ولكنك لا تشعر، لحظه
قبل أن تدخل حفرة مظلمة ليس فيها من أب ولا أخ ، ولا حتى صديق يؤنس وحشتك، أو يواسي
غربتك،قبل أن تسأل فلا تجيب، أو تؤمر فلا تستجيب، وتتمنى فلا تتحقق أمنيتك، وتتوسل فلا
يسمع لتوسلك، وتبكي فلا ترحم دمعتك، وتصرخ فلا يلتفت إلى صرختك، لحظة،لحظة،لحظة من
فضلك، فإن الأمر جد وأنت تهزل، والخطب جليل وأنت تهزأ، والعاقبة مروعة وأنت تجهل.
لحظة تقتطعها من بين ثنايا لحظات انشغالك، تحاسب فيها نفسك وتقيم بها موقفك، وتعرف أين
أنت اليوم، وأين ستكون بعد اليوم ،لحظة تجلس فيها مع نفسك، لتستيقظ من غفلتك، أو تصحو
من غفوتك، قبل أن يأتيك أمر الله وأنت غير مستعد له، لحظة لتنظر بعين عقلك لتعلم أن حياة
الإنسان ليست مشهداً متاحاً، إعادته لاستدراك ما فات، أو إحياء ما مات، فحياتنا على الأرض مرة واحدة.
لحظة ثم لحظة ثم لحظة قبل أن يأتي عليك يوم تتمنى فيه المهلة، فلا تمهل أو ترجو أن ترجع
للحياة فلا يمكن الرجعة، إن الدنيا ليست دار لهو ولعب، أو موطن إقامة وبقاء، أو حتى مرحلة
يقضيها المرء وتنتهي بلا تبعات، إنما هي دار بلاء، وموطن امتحان واختبار وابتلاء، ومن ورائها يوم
طويل يحاسب فيه الخلق على ما قدموا فيها، فإما شقي وإما سعيد. وأما ما بقي من هذه الأعمار
فإنما يصلحه العزم على ملازمة الطاعات، والسير على هدي خير البريات، والسعي في رضا رب
الأرض والسموات.. فمن أحسن فيما بقي غفر له ما مضى، ومن أساء فيما بقي أخذ بما مضى وما بقي.