تحقيق – روفيدا يوسف
يبدأ سيناريو متكرر يرهق المواطنين، مع كل إعلان عن زيادة جديدة في أسعار البنزين، ارتفاع مفاجئ في أسعار السلع، وزيادة في أجرة المواصلات، وتبريرات جاهزة من بعض التجار بأن تكلفة النقل هي السبب.
لكن الواقع يقول إن ما يحدث في الأسواق يتجاوز المنطق أحيانًا، ويكشف عن غياب للرقابة، واستغلال واضح للأزمات، فهل يعد البنزين هو المحرك الأساسي لغلاء الأسعار، أم أن “جشع التجار” أصبح هو السبب الخفي وراء هذا.
زيادة أسعار البنزين كانت متوقعة من وجهة نظر الخبراء، لا سيما وإن الحكومة المصرية أعلنت أكثر من مرة عن نيتها لرفع الدعم نهائيًا عن الوقود وربطه بأسعار السوق، هذا جزء من خطة الإصلاح الإقتصادي التي تقوم بها الحكومة بالتنسيق مع صندوق النقد الدولي.
علي الرغم من إن هذا القرار كان متوقع، إلا إن الزيادة الأخيرة للبنزين خلقت حالة من الغضب على مواقع التواصل الإجتماعي، بالأخص إنه لا يوجد مبرر لزيادة الأسعار في مصر في ظل الوقت التي تقل فيه أسعار النفط عالميًا.
شماعة البنزين.. حين يتحوّل الغلاء إلى لعبه بيد التجار
كثير من التجار يرفعون الأسعار بشكل مبالغ فيه فور إعلان زيادة أسعار البنزين، حتى لو لم تتأثر منتجاتهم فعليًا بتكلفة النقل أو الإنتاج، فعبارة “البنزين غلي” أصبحت مبررًا لكل من يريد الربح على حساب المواطن.
يؤكد الأقتصاديون أن بعض التجار يستغلون غياب التسعيرة الرسمية على عدد كبير من السلع، وندرة الحملات الرقابية، لتحقيق أرباح مضاعفة لا علاقة لها بتكلفة حقيقية.
المواطن البسيط يجد نفسه أمام زيادة غير مبررة في أسعار الخضروات، والسلع التموينية، وحتى الخدمات اليومية، في وقت لا يزيد فيه دخله.

مبادرة كلنا واحد
آراء بعض المواطنين على غلاء الأسعار
تقول “فاطمة محمد”: “أصبحنا متأكدين أن بمجرد زيادة سعر البنزين، يأتي اليوم المقبل بزيادة كافه الأسعار، حتى أن كانت المنتجات والسلع ليس لها علاقة بالنقل، وأصبح كل بائع يبيع بثمنه دون رقابة”.
وتضيف “مريم ناصر”: ” في كل مرة يرتفع سعر البنزين، يرتفع كافة الأسعار في كل المنتجات، سواء الأشياء التي يتم شرائها عن طريق الهاتف أو غير، خصوصًا إننا كطلاب لا يوجد لدينا دخل ثابت وذلك دون قيود، وعندما نسأل عن سبب تلك الزيادة الرهيبة، تكون الإجابة بسبب البنزين، ويدفع فقط المواطن الثمن”.
ويقص “سعيد جمعة”: “الحياة أصبحت صعبة، وعند كل غلاء في أسعار البنزين، يقوم التجار بغلاء كافة الأسعار، والمواطن يتخنق من الاسعار، اين توجد الرقابة والحكومة من هذا الجشع، لم نعد قادرين على العيش في هذا الوضع”.
تروي “نسمة هاني”: “غلاء الأسعار أصبح عبء على الناس، وزيادة البنزين تأثر بشكل مباشر وغير مباشر على كل الأسعار تقريبًا، عندما يزداد أسعار النقل، فبالتالي تزداد أسعار السلع والخدمات، حتى أن كانت المنتجات لا يوجد لها علاقة بالبترول”.
وتستكمل “نسمة”: ” تكمن المشكلة إن الزيادات تأتي في وقت يكون فيه الناس مضغوطة ماديًا، فبالتالي يشعر المواطن أن لا يوجد وقت للتنفس، وبالتأكيد كل شيء أصبح مرتبط بالنقل، فأن زاد اسعار البنزين، زاد الخضار والمواصلات، والسلع الأساسية”.
ويقول “محمد أحمد”: ” أصبح الناس غير قادرين على زيادة الأسعار، من أين نجدها من الأكل والشرب ولا المواصلات ولا البيت، وذلك في ظل الشباب والبنات المقبلين على الزواج، الشاب يقوم بأكثر من عمل على حساب الصحة لتحويش مصاريف الزواج”.

أسعار البنزين
رأي خبير الاقتصاد المصري على زيادة الأسعار
استبصر “محمد فؤاد” خبير الاقتصاد المصري أن يؤدي تحريك أسعار المواد البترولية، في بعض الضغوط التضخمية مما يرفع معدل التضخم، بنسبه تتراوح بين 1.5% و 2% ليصل إلى 17% و18% خلال العام الحالي.
وتؤكد وزراة البترول والثروة المعدنية، أنه لن يتم تغيير الأسعار الحالية، قبل ستة أشهر مقبلة، وأنه بالرغم من الزيادة السعرية الأخيرة في المنتجات البترولية، لاتزال الفجوة السعرية قائمة بين التكلفة وسعر البيع.
غياب الرقابة يشعل الأسعار.. والمواطن يدفع الثمن
برغم الحملات التي تعلن عنها الجهات الرقابية من حين لآخر، إلا أن الواقع يكشف عن ثغرات واضحة في الرقابة على الأسواق، لا توجد آلية واضحة لضبط الأسعار، ولا نظام يلزم التجار بتبرير الزيادات، ومع غياب الرقابة اليومية.
تتحول الأسواق إلى فوضى يتحكم فيها الأقوى، ويبقى المواطن وحده في مواجهة هذا الغلاء، ومع ارتفاع أسعار البنزين قد يكون شرارة البداية، لكن النار يشتد اشتعالها بيد التجار، ويستمر مع غياب الرقابة.
إن المواطن المصري اليوم يحترق بنار البنزين في مشهد بات لا يحتمل ولايمكن تبريره، فبين قرارات الحكومة، وجشع الأسواق، تبقى الحاجة ملحة لحلول عاجلة تُنقذ المواطن من موجة غلاء لا ترحم.