تقرير – وفاء العسكري
نشعر بالإرهاق جميعًا في العمل، ونحتاج إلى عطلة، قد نفكر تلقائيًا في الذهاب إلى الشاطئ، ويربط معظم الناس الشاطئ بالاسترخاء والسعادة، كما يمكن أن يكون الشاطئ مكانًا منعشً يجعلنا نشعر بتحسن، طوال فترة وجودنا هناك، ويمكن أن يحسن المشي لمسافات قصيرة على طول الشاطئ المزاج، ويؤثر إيجابً على صحتنا العقلية.
ويعود السبب في ذلك إلى أن الشاطئ يعتبر مساحة زرقاء، كونه يطل على مصدر مائي مثل المحيط، أو البحر، أو البحيرة، أو البركة، أو المسبح، وقد تم ربط النظر للبحر أو للمساحات الزرقاء بتحسين الصحة العامة.
ويساعد الجلوس على الشاطئ، والنظر إلى البحر، في حصول الجسم على حاجته من “فيتامين د”، والذي يعتبر من الفيتامينات الهامة، التي يعد مصدرها الأساسي هو التعرض لأشعة الشمس.
يعد النظر إلى البحر، والانتباه للأصوات والروائح الصادرة عن البحر، نوع من أنواع التأمل، كما يمكن أيضًا القيام بالتأمل من خلال الإستلقاء على الرمال الناعمة أمام البحر، ويساعد التأمل في زيادة التركيز، والتخلص من التوتر والقلق.
في وقتنا الحالي، ومع انتشار الأجهزة الإلكترونية، ومواقع التواصل الإجتماعي في العالم الإفتراضي، أصبح الخروج إلى الهواء الطلق، والإبتعاد عن الشاشات حاجة ملحة، حيث يمكن أن يضر النظر إلى الشاشات الإلكترونية كثيرًا بالصحة العقلية.
ويمكن أن يؤدي إيقاف تشغيل الهاتف أو الأجهزة الأخرى، والذهاب إلى البحر، والنظر إليه إلى إراحة العينين، وتصفية الذهن، كما يؤدي الوجود في الهواء الطلق، والنظر إلى البحر إلى أن نكون أكثر تواصلًا مع أنفسنا، والعالم الواقعي من حولنا، ويمكنه مساعدتنا في تفهم ما يحتاجه العقل من راحة، ويزيل التفكير الزائد أو ما يسمى بـ “Overthinking”.
يمكن للبحر أن يخفض التواجد في الطبيعة في مكان نشعر فيه بالأمان والراحة مثل الجلوس على الشاطئ من ضغط الدم، ومستويات هرمون التوتر، كما يمكن أن يقلل قضاء الوقت على الشاطئ، والنظر إلى البحر من القلق، وإثارة الجهاز العصبي، وهو ما يجعلنا نشعر بالتوتر والقلق.
ويعتبر النظر إلى نوافير الماء، أو البحيرات الصغيرة أو الأنهار، يهدئ الأعصاب ويخفف التوتر أيضًا، لذلك أن كان المرء يعيش بعيدًا عن البحر، يمكنه زيارة أية أماكن يوجد فيها الماء لتخفيف التوتر، ولذلك نرى الكثير من الأشخاص يسافرون الكثير من الأميال، للجلوس فقط على البحر.
يزيد الوقت الذي نقضيه على الشاطئ، ونحن نتأمل البحر، من احترامنا لذاتنا ويعزز الاسترخاء، ويمكن للأشخاص الذين يعانون من اضطراب نقص الانتباه، أن يشعروا بالهدوء على الشاطئ، وهم يتأملون البحر، كما يمكن أن يساعد المشي على طول الخط الساحلي في جعلنا نشعر بأننا أقل عزلة وأكثر سعادة.
ويمكن أن يكون للشاطئ والبحر فوائد دائمة للأشخاص الذين يعانون من القلق، والاكتئاب، والضغط المتزايد، وحالات الصحة العقلية الأخرى، ويمكن أن يحسن قضاء 20 دقيقة فقط في المشي على طول الشاطئ المزاج.
ويساعد صوت أمواج البحر على تعزيز التأمل والتركيز، فعادة ما يتم استخدام هذا الصوت في جلسات التأمل والاسترخاء، حيث يظهر تغيرات في موجات الدماغ، خاصة أن صوت أمواج البحر، يدعم موجات “ألفا Alfa”، المرتبطة بحالة التركيز دون بذل جهد، ويدعم صفاء الذهن والتفكير الإبداعي.
واعتقد بعض علماء النفس أن هناك علاقة تربط بين اللون الأزرق والشعور بالهدوء والسلام، وللمحيط أو البحر أثر في تعزيز الصحة العقلية للبشر، وفي الوقت الحالي يتزايد بحث العلماء في أثر هذا المكان على صحة الإنسان ورفاهيته، وتشير الأدلة العلمية إلى أن سكان الساحل وخاصةً فئة “كبار السن”، يُطظهرون حالة نفسية أفضل تتمتع بالإيجايبة، وقد يعود الفضل في ذلك إلى قربهم من المحيط.
وعندما يركز الشخص في البحر، تتغير حالة العقل من الانشغال إلى الاسترخاء، لكن الشيء المثير أنه يعمل على تنشيط الشبكات العصبية المرتبطة بالأفكار الإبداعية، ويسمح للعقل بنسيان القلق والتوتر، وتنقل منطقة “الفص الجبهي” هذا التحكم إلى الجسم، وتؤثر على مراكز صنع القرار في المخ.
بالإضافة إلى أن البيئة المحيطة تمتلئ بالأيونات السالبة والموجبة، وتعمل الأيونات الموجبة مثل تلك التي تصدر من معظم الأجهزة الإلكترونية على استنزاف الطاقة، بينما تعمل الأيونات السالبة الموجودة بالبحر على توليد حالة من النشاط، والإسترخاء وإزالة القلق.
وكشفت دراسة أجريت في كلية “ماونت كارمل” في بنغالور، أن الأيونات السالبة لديها تأثير إيجابي على الأداء الإدراكي، ومن خلال عدة اختبارات متعلقة بالذاكرة، والانتباه وعملية صنع القرار، تبين أن أداء المشاركين انخفض عند وجود أيونات موجبة بالهواء، وزاد عند ظهور الأيونات السالبة.
كما ذكرت دراسة أخرى أجريت في جامعة كاليفورنيا، أن الأيونات السالبة تحفز إنتاج “السيروتونين” في الدماغ، ويعد “السيروتونين Serotonin”، أو ما يعرف بهرمون السعادة، أحد أهم النواقل العصبية الكيميائية، التي تستخدمها خلايا الدماغ للتواصل فيما بينها، كما أنه مهم لصحة ووظائف أعضاء أخرى من الجسم، بما فيها الأمعاء، والتي تعد مادة تساعد على الاسترخاء والشعور بالحيوية.
أجريت دراسة مكثفة في عام 2013، حول السعادة في البيئات الطبيعية “مثل المساحات الزرقاء”، وقام الباحثون بحث “20000 مستخدم” للهواتف الذكية، لتسجيل إحساسهم بالرفاهية والبيئة، التي يتواجدون فيها بشكل مباشر على فترات عشوائية.
وأظهر البحث أن التواجد قرب البحر والساحل، هى أسعد المواقع، مع استجابات أعلى بحوالي “6 نقاط من التواجد في البيئة الحضرية” بشكل مستمر، كما توصل الباحثون إلى أن زيارة البحر مرتين على الأقل في الأسبوع، يؤدي إلى صحة عامة وعقلية أفضل.
أشار أحد الأبحاث الذي قامت به جامعة “إكستر” بإشراف جو غاريت في عام 2019، إلى أن نسبة الإحصائيات في المملكة المتحدة أن 1 من كل 6 أشخاص، يعاني من عدد من الاضطرابات المرتبطة بالصحة النفسية، كالقلق والاكتئاب، ويكون الأشخاص ذوي الدخل المتدني أكثر عرضة، للإصابة بهذا النوع من الاضطرابات.
وأشار البحث أنه من الممكن أن تنخفض لدى الأشخاص الذين يعيشون بالقرب من الساحل، وقد كانت حيثيات هذا البحث كالآتي: تضمّن البحث 26000 شخص استجابوا لهذا التقييم، مع أخذ جميع العوامل بعين الاعتبار، واستخدم البحث بيانات من المسح الصحي لإنجلترا.
وتضمن البحث مقارنة صحة الأشخاص الذين يقطنون بالقرب من الساحل، أي على بعد أقل من كيلومتر واحد، مع الأشخاص الذين يقطنون على بعد أكثر من 50 كم، وأشارت نتائج هذا البحث أن القرب من الساحل، من شأنه أن يقلل الاضطرابات الصحية لدى سكان المدن، والبلدان القريبة منه، بالإضافة إلى تحسين الرفاهية والصحة.
وقالت غاريت: ” لقد أشار بحثنا إلى أنّ الأشخاص ذوي الدخل المنخفض، الذين يعيشون بالقرب من البحر، قد تكون صحتهم العقلية أفضل من غيرهم، إذ تلعب هذه المناطق دورًا وقائيًا مفيدًا في المساعدة على تكافؤ الفرص، بين ذوي الدخل المرتفع والمنخفض”.
ولن يكون الذهاب إلى الشاطئ، والنظر إلى البحر حلًا للحالات الصحية العقلية الأخرى، خاصةً إذا كان الشخص لا يستمتع بأجواء الشاطئ والبحر حقًا، ومن المحتمل أن يواجه الأشخاص المتحمسين بالفعل للشاطئ تأثيرات مزاجية، وصحية عقلية أكبر من غيرهم.
والجدير بالذكر أنه في حال لم يكن الشخص متحمسًا، فقد يظل يشعر بالقلق أو الاكتئاب على الشاطئ، كما أنه من المرجح أن يختبر الرجال فوائد الصحة العقلية للبحر أكثر من النساء
وأخيرًا فإن الذهاب إلى الشاطئ والنظر إلى البحر ليس مجرد وجهة لقضاء إجازة ممتعة، وهناك فوائد للصحة العقلية من خلال الخروج إلى هذه المساحات الزرقاء، والاستمتاع بالهواء الطلق، وفي المرة القادمة التي تشعر فيها بالإرهاق من الإجهاد، فكر في التوجه إلى الشاطئ، وقضاء أكبر قدر ممكن من الوقت بالنظر إلى البحر في هدوء تام.