تحقيق ـ بسمة البوهي
في زمن تتداخل فيه القيم، وتتشابك فيه المفاهيم، فكثيرًا نسمع عن الفهلوة باعتبارها نوعًا من الذكاء أو القدرة على تخطي العقبات بطرق غير تقليدية، وينظر إليها أحيانًا بإعجاب خاصة حين ترتبط بالنجاح السريعة أو تجاوز القوانين بمهارة، لكنها في الواقع تحمل وجهًا آخر أكثر خطورة حين تتحول من مهارة اجتماعية إلى وسيلة للغش والتلاعب.
وتعتبر الفهلوة هي أسلوب شائع، في بعض البيئات التي تعاني من ضعف تطبيق القانون، أو غياب العدالة الإجتماعية، ويلجأ إليها البعض للبقاء، أو لتحقيق مكاسب سريعة.
الدكتور النفسي يوضح المعنى الأصلي والتحريف لكلمة الفهلوة
يقول الدكتور عاطف الشوبكي استشاري الطب النفسي ومدير مستشفى العزازي للصحة النفسية، أن الفهلوة حتى لا نظلم تلك الكلمة ففى الأصل كلمة فارسية، وتعنى الذكاء الشديد والقدرة على التصرف السريع، أما الآن فكلمة فهلوة تغير معناها إلى التحايل والمسايرة ومحاولة الكسب السريع ولو على حساب أصول المهنة والأخلاق.

الدكتور عاطف الشوبكي طبيب نفسي
ويستكمل الدكتور النفسي أن من المؤسف أن الفهلوة بهذا المعنى السئ أصبحت سمة عامة مشتركة لمعظم الأشخاص، بمعنى أن من العناصر الرئيسية لأى شخصية هى هويته ومبادئه وأهدافه، بالإضافة إلى طريقته فى تحقيق تلك الأهداف أو المبادئ.
حين يصبح الذكاء غشًا.. الفهلوة كسلوك مضاد للقيم والمبادئ
يوضح الدكتور عاطف أن “مكان عمل الفهلوة” يمثل الجانب الثاني في طريقة بعض الأشخاص لتحقيق أهدافهم أو مبادئهم، حيث يلجأ كثيرون إلى التحايل عبر إقناع الآخرين بجودة منتج ما وإخفاء عيوبه، فقط للحصول على مكسب سريع فيقدمونه بمظهر لافت وجذاب مع أداء مؤقت، فينخدع المشتري أو المتلقي، وهذا السلوك يعد نموذجًا لأصحاب الشخصية الحدية، التي تبحث دائمًا عن المكافأة السريعة ولا تحتمل الرفض أو الغضب، أو للشخصية المضادة للمجتمع التي تسعى وراء الربح دون أن تبالي بمعاناة أو أضرار الآخرين.
ويضيف الدكتور أن إنتشار الفهلوة بجانبيها المادي والمعنوي، هي حالة الاضطراب القيمي داخل المجتمع، إذا يجعل النجاح مرهونًا بالمظاهر الزائفة والطرق غير الشرعية، بدلًا من العمل الحقيقي والإنجاز الفعلي، ويؤدي هذا بدوره إلى خلق أجيال ترى أن الخداع والالتفاف على القوانين وسيلة طبيعية لتحقيق الطموحات، دون وعي بخطورة ما يترتب على ذلك من تأكل للثقة بين الأفراد، وانهيار لمبدأ العدالة الإجتماعية.
الفهلوة مرآة لاضطراب القيم وفقدان القدوة
يشير الدكتور عاطف، أن غياب القدوة وانحدار معايير التربية في نمو هذا السلوك، حيث يتربى الطفل على أن المكسب السريع أهم من الصدق والإتقان، وأن المظاهر تغني عن الجوهر، ومع مرور الوقت، تصبح الفهلوة منهجًا عامًا ينعكس في مؤسسات العمل والتعليم والمعاملات اليومية، ليغذي ثقافة استهلاكية سطحية، تنتج في النهاية شخصيات هشة تبحث عن العلو بأي وسيلة، حتى ولو على حساب الآخرين.
زراعة القيم وتقديم يد المساعدة للشباب
يقدم الدكتور النفسي، نصيحة وهي “أزرع في نفوس الأجيال القيم الحسنة والروحية، لتكون هي البوصلة الحقيقية في مواجهة الموجات المادية والاستهلاكية التي تخطف العقول والقلوب، وقدم للشباب نماذج حقيقية للقدوة، تعكس معاني العطاء والصدق والنجاح المبني على الأخلاق، ليجدوا فيهم مصدر إلهام ودافع للسير على نفس الطريق”.
ويستكمل الدكتور عاطف، “شجع الشباب على خوض تجارب العمل الشريف عبر المشروعات الصغيرة والحرف اليدوية، مع توفير الدعم لهم بالقروض الحسنة التي تفتح أمامهم أبواب الأمل وتحفظ كرامتهم، ودع المجتمع المدني يشارك بفاعلية من خلال ندوات ومسابقات تتيح للشباب إطلاق طاقاتهم، وتنمية إبداعهم، وصناعة مستقبلهم بوعي وإرادة.
ورغم أن الفهلاوة قد تبدو ناجحة على المدى القصير، إلا أنها تخلق بيئة من عدم الثقة وتضعف القيم الأخلاقية وتساهم في إنتشار الفساد، لأنه يستخدم ذكائه في التلاعب واستغلال الثغرات وتضليل الآخرين، وهذا السلوك قد يقود إلى إرتكاب الجرائم، مثل التزوير والنصب والاحتيال، وهذا يؤدي إلى تاكل الروابط الإجتماعية وتراجع الأخلاق العامة.
وفي النهاية نستنتج أن الفهلوة ليس دليلًا على الذكاء الحقيقي، بل على انحراف في إستخدام المهارات العقلية، وأن الذكاء لا يقاس بالقدرة على التحايل، بل يقاس بالقدرة على البناء والإبداع واحترام القيم، وعلينا أن نعيد تقييم نظرتنا لهذا السلوك، وأن نعزز ثقافة النزاهة والشفافية، لأن المجتمعات لا تنهض بالفهلوة بل بالصدق والعمل الجاد.