تحقيق – نسمة هاني
في الفترات الأخيرة غزت تطبيقات التداول هواتف المصريين والعرب، تحمل شعارات براقة مثل “الثراء السريع”، وحقق حلمك من موبايلك، إعلانات متكررة على منصات التواصل الاجتماعي، فيديوهات لمؤثرين يروّجون لأرباح يومية خيالية، وصور لشباب يقودون سيارات فارهة بزعم أنها ثمرة استثماراتهم عبر تلك التطبيقات، هذه الصورة الوردية دفعت آلاف الشباب، خصوصًا من الفئات الباحثة عن تحسين أوضاعها المادية، إلى خوض التجربة.
لكن خلف الإغراءات، تكمن حقيقة أكثر قسوة، كثيرون فقدوا مدخراتهم بالكامل بعدما اكتشفوا أنهم وقعوا في شِراك تطبيقات وهمية أو شركات غير مرخّصة، ولم يتوقف الأمر عند خسارة المال فقط، بل وصل في حالات عديدة إلى الوقوف أمام المحاكم أو قضاء عقوبة بالسجن، بعدما وجد البعض أنفسهم متورطين في أنشطة غير قانونية مرتبطة بهذه التطبيقات، دون وعي كافٍ بالقوانين أو بمخاطر الاستثمار في أسواق غير مستقرة.
من منظور تقني.. دكتور تكنولوجيا يكشف خطورة تطبيقات التداول
يوضح الدكتور محمود عبد اللطيف، في الفترات الأخيرة انتشرت تطبيقات التداول الإلكتروني بشكل واسع، مقدمة نفسها كوسيلة سهلة لتحقيق الأرباح وتنمية رأس المال.
وأضاف الدكتور محمود، غير أن هذا الانتشار السريع أثار تساؤلات حول مدى مصداقية هذه المنصات، خصوصًا مع غياب الرقابة القانونية الواضحة على كثير منها. فبينما تروج الإعلانات لقصص نجاح براقة، يجد العديد من المستخدمين أنفسهم ضحايا لعمليات نصب إلكترونية يصعب تتبعها قانونيًا، وهنا تتضح الحاجة إلى تشريعات تحمي المستثمر البسيط وتضمن شفافية السوق الرقمي.
وبين الدكتور من الناحية الاجتماعية، خلقت هذه التطبيقات حلمًا جماعيًا بالثراء السريع، ما جعل فئات واسعة من الشباب تدخل عالم الاستثمار دون وعي كافٍ بالمخاطر، يتحول الإغراء الإعلامي إلى ضغط نفسي واجتماعي يدفع الأفراد للمخاطرة بمدخراتهم، وتؤثر هذه الظاهرة على قيم العمل والاجتهاد، إذ تروج لفكرة الربح السهل بدل الكفاح الطويل.
كما أدى ذلك إلى اضطرابات أسرية في بعض الحالات، بعد خسارة أموال العائلة في صفقات وهمية أو أسواق مضللة.
وأشار الدكتور محمود، أما من الزاوية الأخلاقية والإعلامية والمالية، فيتحمل الإعلام جزءًا من المسؤولية حين يروج لتطبيقات غير مرخصة دون تحري الدقة، وتُطرح تساؤلات أخلاقية حول الشركات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي لخداع المستخدمين بمؤشرات وهمية ماليًا، أدت هذه الممارسات إلى فقدان الثقة في الاقتصاد الرقمي، ما يهدد مستقبل الاستثمار الإلكتروني الحقيقي.
وبين الوعود الجذابة والمخاطر الخفية، يبقى الوعي والتثقيف المالي والإعلامي هو السلاح الأقوى لحماية المجتمع والمستثمرين.
أرقام تكشف الخسائر.. الشباب يدفع الثمن
وفقًا لتقرير الهيئة العامة للرقابة المالية، تلقت الهيئة أكثر من 1200 شكوى ضد شركات وتطبيقات غير مرخّصة خلال العام الماضي، حيث تجاوزت الخسائر الإجمالية للمستثمرين الشباب 50 مليون جنيه، هذه الأرقام تكشف حجم المشكلة وتأثيرها المباشر على الفئة الشابة الباحثة عن تحسين أوضاعها المالية، مؤكدة أن الكثيرين يقعون ضحايا لإعلانات مغرية دون وعي كامل بالمخاطر القانونية والمالية.
تتعدد أساليب الاحتيال التي تنتهجها تطبيقات التداول الوهمية، فهي تعد المستخدمين بأرباح يومية خيالية، وتستعين بمؤثرين على منصات التواصل الاجتماعي للترويج للتطبيقات وجذب الشباب، كما تطلب هذه التطبيقات أحيانًا إيداع مبالغ مالية كبيرة مقابل أرباح سريعة، وفور إيداع الأموال، قد يُغلق الحساب فجأة، مما يجعل استرجاع الأموال شبه مستحيل، هذه الأساليب توضح أن الخطر لا يقتصر على المال فقط، بل يشمل الوقوع في شراك قانونية غير مقصودة.
خطوات حماية نفسك قبل الاستثمار
لحماية أنفسهم من الوقوع في فخ هذه التطبيقات، يُنصح المستثمرون بالتحقق من الترخيص القانوني لأي تطبيق قبل التعامل معه، والبحث عن تقييمات المستخدمين الآخرين للتأكد من مصداقيته، كما يجب الحذر من الوعود المبالغ فيها بالأرباح، والتوجه إلى مستشارين ماليين موثوقين قبل اتخاذ أي خطوة استثمارية، هذه الإجراءات تساعد على الفصل بين الاستثمار الحقيقي والوعود الزائفة التي قد تدمّر حياة الشباب المالية والاجتماعية.
الخسائر تتجاوز المال.. أثر اجتماعي ونفسي
أدت هذه التطبيقات الوهمية إلى تدمير استقرار العديد من الأسر، حيث تراكمت الديون على الأفراد، وفقدت الثقة بين الأصدقاء والعائلة، وتعرض الضحايا لضغوط نفسية شديدة، هذه الخسائر المالية والنفسية تؤكد أن الطريق إلى تحسين الوضع المادي لا يمر عبر تطبيقات وهمية، بل يحتاج إلى وعي ومعرفة واستثمار رشيد بعيد عن الأوهام.