تحقيق – روفيدا يوسف
يقترح الطبيب استخدام حشوة الأملغم أو كما تُعرف بـ “بحشوة البلاتين” في العامية، وهي خيارٌ شائع بسبب متانتها وتكلفتها المنخفضة مقارنة بالحشوات الأخرى، ولكن خلف هذه الحشوة المعدنية، يدور جدل عالمي حول مدى سلامتها، خاصةً وأنها تحتوي على نسبة عالية من الزئبق، وهو عنصر سام قد يسبب مشكلات صحية عند التعرض له بجرعات معينة.
فهل يمكن أن تكون هذه الحشوة خطرًا غير مرئي في أفواهنا، وهل المخاوف المثارة حولها مبنية على أدلة علمية أم مجرد مبالغات.
ما هي حشوات الأملغم.. وفيما تستخدم
حشوات الأملغم هي مزيج معدني يستخدم في طب الأسنان منذ أكثر من 150عامًا، لعلاج تسوس الأسنان وتتكون بشكل أساسي من الزئبق، بالإضافة إلى الفضة والقصدير والنحاس، يعتمد الأطباء على هذه الحشوات نظرًا لقوتها وقابليتها لتحمل الضغط والمضغ، إلا أن وجود الزئبق أثار جدلًا واسعًا حول تأثيره الصحي.
الزئبق في حشوات الأسنان.. هل يشكل خطرًا
الزئبق عنصر سام، وقد يتحرر في شكل بخار عند مضغ الطعام، مما قد يؤدي إلى امتصاصه عبر الجهاز التنفسي وانتقاله إلى مجرى الدم، ورغم أن الكمية المنبعثة قد تكون صغيرة، إلا أن تأثير التعرض المستمر لها لا يزال قيد الدراسة.
تشير بعض الدراسات والبحوث العلمية أن حشوات الأملغم ينتج عنها أبخرة زئبقية عند مضغ الطعام وشرب المشروبات الساخنة، يمكن أن تتسبب هذه الأبخرة في اضطرابات الجهاز العصبي، وتأثيرات محتملة على وظائف الكلى، ومخاطر على الحوامل والأجنة، واحتمالية ارتباطه ببعض الأمراض المزمنة مثل الزهايمر والتصلب المتعدد.
تفاوتت آراء المرضى بين مؤيد لإستخدام حشوات الأملغم ومعارض لها، حيث يؤكد بعضهم أنهم لم يواجهوا أي مشكلات، بينما ينسب آخرون بعض الأعراض الصحية إلى هذه الحشوات.
فتقول “م. ن” بعد تركيب حشوة الأملغم شعرت بصداع مستمر لم أكن أعاني منه من قبل، كما أنني أصبحت أشعر بطعم معدني في فمي، وعندما استبدلتها بحشوة أخرى، اختفت هذه الأعراض تدريجيًا.
تحكي “ن. ج” أستخدم حشوات الأملغم منذ سنوات طويلة ولم أشعر بأي مشكلة صحية، وأعتقد أن الجدل حولها مبالغ فيه، خاصة أن الأطباء ما زالوا يستخدمونها حتى الآن.
وتقول “ر. أ” لاحظت أنني بدأت أعاني من حساسية في الأسنان وألم في الفك بعد تركيب الحشوة، وعندما سألت الطبيب أخبرني أن بعض الأشخاص قد يكون لديهم رد فعل تحسسي تجاه الأملغم.
يروي “ي. ع” تعرضت لكسر في إحدى أسناني بعد فترة قصيرة من تركيب حشوة الأملغم، وعندما راجعت الطبيب، أوضح لي أن بعض الأسنان قد لا تتحمل الحشوة لفترة طويلة، لذلك استبدلتها بحشوة سيراميكية.
الرأي الطبي بين التأييد و التحذير
تقول “ياسمين السيد” طبيبة الأسنان، أن المزيج المعدني المستخدم في حشوات الأسنان تُعرف باسم “أملغم” في مجال الطب، وحشوة البلاتين في العامية، يتكون الأملغم من كبسولة تحتوي على الزئبق مع مواد أخرى تفصل بينهما غشاء رقيق، عند الإستخدام يتم خلط المكونات باستخدام جهاز يسمى “أملغماتور”، مما يدمجها بسرعة عالية لتتحول إلى عجينة مرنة تُستخدم في الحشو.
وتستكمل” ياسمين” حديثها قائله يرى البعض أن حشو الأملغم يشكل خطراً بسبب احتوائه على نسبة من الزئبق، بينما يعتبره آخرون آمناً، في بعض الدول الأوروبية تم حظر استخدامه نظرًا لتأثيره على صحة الإنسان، لكنه لا يزال مستخدماً في مصر لكونه أرخص من الحشو الأبيض، كما أن عمره الافتراضي أطول.
تحكي الدكتورة أن هناك جدل حول مدى خطورة الأملغم المستخدم في حشوات الأسنان، حيث يرى البعض أن نسبة السُمية فيه ليست عالية ولا تتسبب في تسرب خطير عند خلطه وتجفيفه.
وتقول أيضاً أن الأملغم يتميز بكونه مادة قوية تتحمل الضغط العالي، مما يجعله مناسبًا للأسنان التي تتعرض لقوة مضغ شديدة، في المقابل الحشو الأبيض لا يتطلب إزالة جزء كبير من الضرس عند تركيبها، كما أنها تلتصق بالسن بشكل طبيعي دون الحاجة إلى تشكيل معين، لكنها قد لا تكون بنفس قوة تحمل الأملغم، مما يجعلها أقل عمرًا في بعض الحالات.
كيفية معرفة نسبة الزئبق في الجسم والتعامل مع هذه الحشوات
يتم الكشف عن نسبة الزئبق في الجسم من خلال الفحوصات المخبرية، ويمكن للأشخاص الراغبين في التخلص من حشوات الأملغم استبدالها بحشوات أخرى بديلة، وذلك تحت إشراف طبيب الأسنان.
ورغم أن البعض يطلق عليها “حشوات الزئبق”، إلا أن اسمها الصحيح هو حشوات الفضة أو الأملجم Amalgam، وهي مزيج من الفضة، النحاس، والقصدير، يتم خلطها مع الزئبق الأبيض بنسب مدروسة، ما جعلها خيارًا مستخدمًا في طب الأسنان منذ سنوات طويلة.
لكن بعض الأشخاص قد يتأثرون بهذه الحشوات، لذا يُنصح في هذه الحالات باستبدالها بحشوة الأبيض، والتي تتوفر في عيادات الأسنان كبديل آمن وأكثر توافقًا مع الصحة العامة.
مع تصاعد القلق بشأن حشو الأملغم المحتوي على الزئبق، ظهرت بدائل أخرى مثل الحشوات المركبة “الكمبوزيت”، وحشوات السيراميك والزجاج المعالج بالأيونومير، والتي لا تحتوي على الزئبق، هذه البدائل تعتبر أكثر أمانًا، لكنها في المقابل أغلى ثمنًا وأقل تحملًا للضغط مقارنة بالأملغم.
أطلقت الشبكة العربية للبيئة والتنمية حملة جديدة تدعو إلى التوقف عن استخدام حشوات الأسنان المحتوية على الزئبق، والمعروفة بـ”أملجم”، في علاج أسنان الأطفال، تأتي هذه الحملة ضمن جهود الشبكة في مختلف الدول العربية للتخلص التدريجي من هذه المادة، التي تمثل خطراً صحياً كبيراً، خاصة على الأطفال والنساء الحوامل، حيث تزيد من احتمالات التعرض لتسمم الزئبق وتأثيراته السلبية على الصحة.
يؤثر الزئبق الموجود في حشوات الأملغم على البيئة إذا لم يتم التعامل معه بشكل صحيح، فعند إزالة الحشوات أو التخلص من النفايات الطبية التي تحتوي على الزئبق، قد يتسرب إلى المياه والتربة، مما يسبب تلوثًا بيئيًا خطيرًا، كما يمكن أن يتحول إلى ميثيل الزئبق، وهو مركب سام يتراكم في الكائنات الحية ويؤثر على السلسلة الغذائية، خاصة في البيئات المائية، لذلك تتبع العديد من الدول بروتوكولات صارمة للتعامل مع نفايات الأملغم لتقليل تأثيره البيئي.
وفي النهاية يبقى الجدل قائمًا حول تأثير حشوات الأملغم على الصحة، وبين من يؤكد أمانها ومن يحذر من مخاطرها، فيظل القرار الأخير في يد المريض ومن المهم أن يكون المرضى على دراية بالمعلومات المتاحة، وأن يستشيروا أطباءهم لاختيار الخيار الأنسب لهم وفقًا لحالتهم الصحية واحتياجاتهم.