تحقيق – سوزان الجمال
تأخر النطق عند الأطفال من المشاكل التي تسبب قلقًا شديدًا وتوترًا للأبوين، وقد يعتقدون أن طفلهم يعاني من ضعف السمع والكلام، ونجد في كل بيت ثمة طفل متأخر في الكلام، أو مصاب بإحدى المتلازمات الشهيرة كالتوحد أو فرط الحركة وتشتت الإنتباه، وهي ظواهر كفيلة بإثارة القلق والخوف داخل المنزل، لكنها مشاعر، رغم منطقيتها.
قد تضر ثمة المتأخر في الكلام بالطفل وعائلته على السواء في حالة الجهل بطبيعة أعراض تلك الحالات، فيما يسهل الإحاطة ببعض المعلومات الطبية الصحيحة عنها، ويجب على الأم بالأخص التعامل مع طفلها إذا لاحظت أعراضها عليه، أو تبث في قلبها الطمأنينة أن كان ما يظهر عليه مجرد أعراض تصاحب نموه الطبيعي.
أوضحت “هند عبدالله” والدة الطفل ياسين: “أنها لاحظت عدم قدرة طفلها على النطق والكلام حتّى عمر الـ2 سنوات ما جعلها تعتقد معاناة الطفل من مشاكل في السمع أو النطق، ما جعلها تتوجه إلى العديد من الأطباء المختصين في التخاطب لمعرفة المشكلة، وبعد إجرائه للعديد من الاختبارات، أكد الأطباء معاناة طفلها عدم القدرة على الكلام بشكل صحيح”.
وأضافت والدته أنه ابنها ياسين البالغ 10 سنوات: “يستطيع أن يفهم كل ما يدور حوله بشكل كبير، ويستطيع أن يتفاعل معنا لكن من دون أي الحديث معانا، حيث أكد لنا الأطباء ضرورة حديثنا معه كثيرًا لكي يتفاعل معنا، وحتى لا ينعزل أكثر عن الناس”.
وتابعت “هند”: “في البداية لم نكن نفهم جيدًا أبعاد المشكلة، وكنا نضغط عليه كي يتحدث معانا طول الوقت، وحاول العديد من المدرسين التحدث معاها كي يتفاعل مع أصدقائه، حتى لا يصبح انطوائيًا، ولكنها لما يُقبل على التعامل مع الآخرين بشكل كبير”.
أشارت “هند”: “في بداية المراحل الدراسية إلى ياسين كان الأطفال يتعاملون معه بطريقة طبيعية لاعتقادهم أنه طفل عادي، لكن بمجرد أن يعرف الأطفال أنه يعاني من مشكل في التحدث تتغير المعاملة، لذلك يعاني ياسين من عدم وجود أصدقاء له أو زملاء ليتفاعل معهم خارج نطاق المنزل، ما يؤثر بشكل كبير على حالته النفسية”.
قال “حازم محمد” الذي يبلغ من العمر 20 عامًا: “كانت أعاني منذ صغري من التنمر من أصدقائي، وذلك لأنني لا استطيع التحدث بشكل صحيح، لقد عانت أمي كثيرًا معي من ذلك الوضع منذ سن الأربع سنوات، لأنني في ذلك الوقت كانت لا استطيع التحدث نهائيًا، واستمرت فترة علاجي مدة طويلة جدًا، ولا زلت حتي الأن أجد صعوبة في الحديث مع الناس رغم سني هذا”.
أكد الدكتور “حسن الغندور” استشاري أمراض التخاطب وأستاذ بكلية الطب جامعة عين شمس: “أن مشكلة تأخر النطق لدى الأطفال تكمن تحديدًا في اللغة المنطوقة أو التعبيرية، ومشكلة هؤلاء الأطفال محيرة جدا، لأن لديهم كل أساسيات اللغة المنطوقة ولكنهم لا يتحدثون أبدًا أو يتحدثون بشكل قليل جدًا”.
وأوضح “الغندور”: “على أن الباحثين اتفقوا على أن الأطفال المصابين بتأخر النطق لديهم تاريخ عائلي في هذه المشكلة، ولاسيما بالنسبة للذكور وأن وزن هؤلاء الأطفال عند الولادة كان أقل من 85% من الوزن الطبيعي، أو كانت أسابيع الحمل أقل من 37 أسبوعا ووجد الخبراء أن نحو 15/25% من الأطفال الصغار يكون لديهم شكل من أشكال اضطراب التواصل”.
وأضاف استشاري أمراض التخاطب: “من الملاحظ أن الأولاد يميلون إلى إظهار مهارات اللغة بشكل متأخر قليلًا عن البنات ولكن، بوجه عام، يمكن وصف الأطفال بأن لديهم تأخرًا في النطق إذا نطقوا أقل من عشر كلمات وهم في عمر 18/20 شهرًا، أو أقل من خمسين كلمة وهم في عمر 21/30 شهرًا”.
وأشار الطبيب المختص: ” إلى أنه لا يعاني العديد من الأطفال الذين يتحدثون في وقت متأخر من مشاكل صحية، وقد لا يبدؤون الحديث حتى يبلغوا الثانية أو الثالثة أو الرابعة من العمر ولكن عندما يظهر عندهم النطق تتطور مهاراتهم اللغوية بسرعة ولا يكون لديهم أي من المشاكل الطبية السابقة وبشكل عام سبب تأخر النطق مرتبط بمراحل نموه وليس مرضًا حقيقيًا”.
وأوضح “الغندور” أن أكثر المشاكل الصحية شيوعًا لتأخر النطق الحقيقي، هي اضطراب اللغة التعبيري واضطراب اللغة التعبيري الاستقبالي المختلط أي اضطراب النطق والفهم، واضطراب التصويت أو نطق الكلمات والإعاقة العقلية التخلف العقلي، وبعض الاضطرابات النمائية الشاذة كمرض التوحد ومتلازمة ريت، هناك متلازمة أسبرغر وهي من أشكال اضطراب التوحد، التي تتميز بتحدث الطفل بشكل طبيعي، مما يدل على أن تأخر النطق ليس أحد أعراض طيف التوحد”.
وأوضح “حسن الغندور”: “لحلّ مشكلة التأخر في الكلام، يجب القيام بالعديد من الخطوات التي تؤدّي إلى علاج هذه المشكلة وهي القيام بالعديد من الأمور التي تؤدّي إلى لفت انتباه الطفل، للأصوات المختلفة كصوت الجرس الخاص بالباب، وترك الطفل يقوم بتجربته لأكثر من مرّة، ويمكن لفت انتباهه من خلال إحضار له الألعاب التي تصدر منها أصوات مختلفة كصوت الحيوانات وغيرها من الأصوات”.
وأضاف”الغندور”: “والعمل على إصدار بعض الأصوات من قبل فم الشخص الذي يقوم بملاعبة الطفل، عند الحديث مع الطفل يجب أن يتم إدخال بعض المقاطع الصوتية البسيطة والسهلة للكلام كقول “توت”، والقيام باستخدام بعض الإشارات عند الحديث مع الطفل، كالقيام بحركات معينة بواسطة اليد، ويكون ذلك عند القيام بتحذيره في حالة ارتكابه لأيّ خطأ، بأول كلمة لا مع القيام بإشارة تدلّ على ذلك وتكون باليد”.
أشار الطبيب المختص: “تعليم الطفل اسمه وكيفية النطق به، ومناداته به بشكل مستمر، ومناداة من حوله من الأشخاص بأسمائهم، المواظبة على الحديث معه عند القيام بأي أمر يتعلق به، تعليم الطفل الألوان المختلفة ويكون ذلك من خلال العديد من الوسائل المتبعة في ذلك كالكرات الملوّنة، التدرّج مع الطفل مع تعليمية وتلقينة كيفية تركيب والنطق ببعض الجمل البسيطة”.
يبدأ الطفل في النطق في الفترة ما بين بلوغة تسعة أشهر إلى سنة ونصف، وينطق جملًا بسيطة تتكون في الأغلب من كلمة واحدة، لأن حصيلته اللغوية التي يستطيع جمعها لا تتعدى عشرون كلمة، مثل: ماما، بابا، أسماء إخوته، والموجودات من حوله، ومن عمر سنة ونصف إلى سنتين.
وفي ذلك الوقت تصبح جملتة أكثر تعقيدًا، فيضيف إليها كلمة أخرى، دون أن يربطهما بحرف عطف أو جر، كأن يقول: ماما مَمْ، أو ماما إمبو، بتلك البساطة، وتتسع حصيلته اللغوية لتضم من خمسين إلى مائة كلمة تقريبًا، وبعد أن يدرك السنتين وحتى بلوغه ثلاث سنوات، فإنه يضيف إلى جملته كلمة ثالثة، ويستطيع أن يسجل في حصيلته اللغوية نحو خمسمائة كلمة.
ثم يصير بعد تجاوز تلك السن حكاءً، ويقدر ساعتها على الإخبار بقصة جرت له أو سرد أحداث يومه وما رآه مثلًا أثناء التنزه أو في الحضانة أو عند أجداده، وهناك ثمة عوامل متعددة يجب أن تجتمع معًا حتى يستطيع الطفل الكلام في موعده الطبيعي وبشكل سليم، فيما قد يؤثر غياب إحداها على نمو الطفل وقدرته على النطق.
وهذه العوامل الحواس الخمس، يجب أن تكون حواس الطفل سليمة وتعمل بكفاءة ليستطيع الطفل النطق في موعده، وبخاصة حاسة السمع، حيث أن الطفل يحتاج إلى إدراك الكلمات بصوت وأضح ونقي لاستيعابها وتعلمها ومن ثم نطقها، مثل الحاسوب يحتاج إلى مدخلات كي ينتج مخرجات.
بيئة الطفل هي أمه وأبوه وأخوته والعناصر المتفاعلة معه، التي قد تتخلى عن دورها في التحدث والتفاعل معه لانشغالاتهم المختلفة، فتتركه فريسة للتلفاز والتابلت، فيما أطلق عليه اسم “جريمة توم أند جيري”، لكن من المهم الإنتباه إلى أن ضعف السمع ينقسم إلى نوعين: توصيلي وحسي، والتوصيلي أمره بسيط.
إذ يعني أن هناك شيء ما يقف حائلًا في طريق الصوت، مثل كتلة شمع كبيرة أو إفرازات كثيرة كما في حالات التهاب الأذن الوسطى، أما الحسي فيعني أن ثمة عيب في قوقعة السمع أو في العصب السمعي المسؤول عن نقل إشارات الصوت إلى المخ.
ولا يؤدي ضعف السمع التوصيلي إلى تأخر النطق لكن إذا كان بالغ الشدة ولم يتم علاجه بصورة صحيحة فإن ذلك سيؤثر على نطق الطفل بالتأكيد، ويتم اكتشاف ضعف السمع الحسي عبر ملاحظة أهل الطفل لمستوى سمعه، أو عن طريق رسم السمع الدوري.
ثم تبدأ جلسات التخاطب لتحسين قدرته على النطق، إذا كان استجابته لها مثل الطفل صاحب الجهاز السمعي السليم، وإذا لم يستطع ذلك، نلجأ في تلك الحالة لتركيب سماعة للطفل أو جهاز قوقعة إن لم يستجب للأخيرة، مع البدء في جلسات التخاطب بالتزامن، تؤثر حالة الطفل النفسية في قدرتة على النطق.
لذلك أحرصي على إبعاد طفلك عن أي خلافات أسرية قد تشوه من تركبيه النفسي، ومن حين إلى آخر روحي عنه حتى ولو بمجرد التنزه حول المنزل، واحذري من الاستهانة به أو التقليل من العامل النفسي في تربيته حرصا على مصلحة طفلك وصحة تكوينة.
وقد يكون ذلك العامل من أشهر أسباب تأخر النمو اللغوي عند الأطفال، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق، ويطلق عليه أطباء التخاطب اسم “الحرمان البيئي”، بيئة الطفل هي أمه وأبوه وأخوته والعناصر المتفاعلة معه، التي قد تتخلى عن دورها في التحدث والتفاعل معه لانشغالاتهم المختلفة، فتتركه فريسة للتلفاز والتابلت، فيما أطلق عليه اسم “جريمة توم آند جيري”.
وأن ينطق الطفل في ميعاده دون تأخير لا يعني أنه سينطق الأحرف دون أخطاء، فخلال تلك السنين الأولى من عمره وحتى بلوغه عامه الرابع، تكون أخطاءه في نطق بعض الأحرف طبيعية، وقد تصحح تلقائيًا، لكن إذا تمادي الأمر وصاحبتة أخطاء النطق بعد تجاوزه عمر الأربع سنوات فعليكِ زيارة عيادة التخاطب.
ومن أكثر العوامل المؤثرة على نمو اللغة عند الأطفال، و يتراوح مستوى الذكاء الطبيعي للطفل بين تسعين ومائة وعشرة درجة، وهناك الكثير من الاختبارات المعدة لقياس ذلك المستوى ولعل أشهرها هو ستانفورد بينية، لكن مستوى ذكاء الطفل يتغير بنموة.
ويعتقد بعض الأهالي خطئًا أن مستوى الذكاء منخفضًا أو مرتفعًا سيلازم الطفل مدى حياتة، في حين يلعب تدريب الطفل على قدرات ومهارات جديدًا عاملًا مؤثرًا في تطور ذكاءه من عدمة.
ولذلك يستطيع الأطفال أصحاب المستويات الأقل تنمية، ذلك المستوى عن طريق جلسات تنمية القدرات ومساعدة مقدمي الرعاية لهم على اكتساب مهارات جديدة، وكذلك هناك بعض الأسباب التي قد تؤدي لانخفاض مستوى الذكاء عند الأطفال، يتعرض لها الطفل خلال فترة حمل أمه به أو أثناء عملية الولادة، أو بعدها.