تحقيق – روفيدا يوسف
“اتفضل حضر نفسك لتحليل المخدرات” عبارة أصبحت مألوفة، لكثير من العاملين في المؤسسات الحكومية والخاصة، خصوصًا بعد تكثيف حملات الكشف العشوائي على الموظفين، كجزء من خطة الدولة لمواجهة الإدمان وضبط الأداء داخل أماكن العمل.
ولكن ما لا يعرفه الكثيرون أن هذه التحاليل قد تُسفر أحيانًا عن نتائج إيجابية لأشخاص لم يقتربوا من المخدرات يومًا، بل تناولوا أدوية عادية بوصفة طبيب، انتهى بهم المطاف إلى اتهامات وتحقيقات، وفي بعض الحالات قرارات بالفصل أو الإيقاف عن العمل.
وهذه ليست حالات فردية أو استثنائية، بل ظاهرة بدأت تتسع وسط غياب الوعي الكافي، وتعقيدات قانونية وخلل في إجراءات التحليل والمتابعة، بين دواء عادي ومادة فعالة مشابهة لتركيبة مخدرة، ضاع حق كثيرين في إثبات براءتهم، وتحولت رحلة العلاج إلى كابوس قانوني ومهني.
أدوية قانونية.. لكن تُدخل أصحابها دائرة الاتهام
هناك عدد من الأدوية الشائعة، التي قد تُسبب نتيجة إيجابية لتحاليل المخدرات، دون أن يكون الشخص متعاطيًا بأي شكل من الأشكال، على رأس هذه الأدوية، أدوية السعال التي تحتوي على مادة الكوديين والتي تظهر في تحليل المخدرات كمادة أفيوينة.
فهل تتخيل أن دواء بسيط للسعال قد يتسبب في خسارة وظيفتك، هذا ما قد يحدث عند تناول دواء مثل “توبلكسيل”، إذ تشير بعض التقارير الطبية إلى أن مكوناته تُعد من المضادات الحيوية التي قد تؤدي إلى نتيجة إيجابية في تحليل المخدرات، رغم أنه دواء مرخّص ويُستخدم لأغراض علاجية بحتة.
وليس “توبلكسيل” وحده، فهناك قائمة طويلة من الأدوية النفسية والجسدية التي تُستخدم بشكل يومي لعلاج أمراض مزمنة أو حالات مؤقتة، إلا أن بعضها قد يؤدي لنتائج تحليل غير متوقعة.
هيئة الدواء المصرية تحذر من بعض الأدوية
حذّرت هيئة الدواء المصرية من أن بعض الأدوية قد تتسبب في ظهور نتائج “إيجابية خاطئة” عند إجراء تحاليل المخدرات، سواء تم تناولها بوصفة طبية أو بدون.
وأوضحت الهيئة، في منشور توعوي، أن بعض مكونات الأدوية قد تتشابه كيميائيًا مع المواد المخدرة التي يتم التحري عنها في التحاليل، مما يؤدي إلى نتائج غير دقيقة.
ودعت الهيئة المواطنين إلى ضرورة مراجعة الطبيب أو الصيدلي قبل الخضوع لأي تحليل مخدرات، للتأكد من عدم تناول أدوية قد تؤثر على نتيجة الفحص.
بعض الأدوية الأخرى التي تظهر في تحليل المخدرات
“ترامادول” ويستخدم لعلاج بعض الآلام مثل آلام مرض السرطان، وآلام ما بعد العمليات أو الأمراض المزمنة، يستمر تأثير الترامادول في الجسم ما يقرب من 6 إلى 12ساعة حسب الجرعة.
“الأمفيتامينات” الأدوية التي تحتوي على الأمفيتامينات، والتي تُستخدم في علاج اضطراب فرط الحركة ونقص الإنتباه وحالات النوم القهري، مثل “كبتاجون”، “كولوفرين”، قد تظهر نتيجة إيجابية في تحليل المخدرات.
“المنومات ومضادات القلق” الأدوية التي تحتوي على “البنزوديازيبينات” أو الباربيتورات مثل “دوكسلامين”، “فينوباربيتال”، “سيكوباربيتال”، “فاليوم”، “نايت كالم”، تظهر أيضًا في نتائج تحليل المخدرات.

أزمة أسعار الأدوية
“مضادات الاكتئاب” فبعض مضادات الإكتئاب تؤثر على نتيجة التحليل، وتشمل أدوية مثل: “زولفوت”، “فينلافاكسين”، “ويلبوترين”، “كارديزيم”.
تكمن المشكلة في أن هذه الأدوية تُصرف في بعض الأحيان دون رقابة كافية، كما أن مستخدميها لا يبلغون بتأثيرها المحتمل على تحاليل المخدرات، مما يعرضهم لمشاكل قانونية أو وظيفية جسيمة.
حقيقة حملات الكشف العشوائي.. من هم المطلوبون لإجراء تحليل المخدرات
نفى صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي صحة ما يتم تداوله على بعض المواقع وصفحات التواصل الاجتماعي، مؤكدًا أن تلك الادعاءات لا أساس لها من الصحة، ولا تمس للواقع بصلة.
وأوضح الصندوق أن القانون يحدد الفئات المُطالبة بإجراء تحليل الكشف عن تعاطي المواد المخدرة، وهم العاملون بالجهاز الإداري للدولة والعاملون بالمؤسسات الخاصة ذات النفع العام، حيث يتم إجراء التحليل لهم بشكل مفاجئ داخل مقار عملهم.
وبيّن الصندوق أن حملات الكشف المبكر تعتمد على سحب عينة استدلالية من الموظف، وفي حال ثبوت إيجابيتها، تُحوَّل العينة إلى المعامل المركزية المعتمدة لإجراء تحليل تأكيدي يضمن دقة النتائج، مع استبعاد أي تأثير لتناول أدوية قد تتداخل مع نتيجة التحليل.
وأكد أن التحاليل تتمتع بدرجة عالية من الدقة، حيث يمكن للأجهزة المستخدمة التمييز بنسبة 100% بين المواد المخدرة مثل الحشيش والهيروين، وبين الأدوية المدرجة في جداول المخدرات، ما يضمن عدم وجود خلط أو نتائج خاطئة.
بين الخل والمياه.. وهم خداع تحاليل المخدرات
تنتشر بين الناس شائعات كثيرة حول طرق يُعتقد أنها تساعد على تخطي تحاليل المخدرات، مثل شرب كميات كبيرة من المياه، أو تناول الخل، أو استخدام أدوية مدرة للبول، إلا أن هذه الأساليب لا تستند إلى أي أساس طبي، ولا تُسهم فعليًا في تسريع خروج المخدرات من الجسم أو إخفاء آثارها.
بل إن بعضها قد يسبب مضاعفات صحية خطيرة مثل التأثير على وظائف الكلى، والأخطر أن تلك الحيل يسهل كشفها من خلال إعادة التحليل أو استخدام وسائل أكثر دقة، مما قد يوقع الشخص تحت طائلة المساءلة القانونية أو يفقده فرصته في اثبات برائته من تعاطي المخدرات.
يقف مصير آلاف الموظفين والمواطنين على المحك بسبب هذه الأدوية فغياب التوعية والتشريع المتطور يُحول الأدوية إلى شُبهات، ويجعل من البراءة تهمة في مجتمع يُسرع في إصدار الأحكام.