تحقيق – نانسي هشام
“أهم شيء أن تكون القطعة من ماركة أصلية، لا أرتدي غير المنتجات المعروفة، وإن لم تكن ماركة فلست بحاجة إليها”، بهذه الكلمات عبر عدد من الشباب عن رؤيتهم للموضة في وقتنا الحالي، لم يعد الإهتمام بالملابس أو المقتنيات مقتصرًا على الشكل أو الجودة فقط، بل أصبح الإسم التجاري هو العامل الأهم.
لقد تحولت الماركة إلى رمز إجتماعي، وأحيانًا إلى معيار للحكم على الشخص نفسه، وليس فقط على ما يرتديه أو يستخدمه.
ففي السنوات الأخيرة، إجتاحت الماركات العالمية الأسواق المصرية، وتزايدت الإعلانات على مواقع التواصل الإجتماعي التي تروج للمنتجات، من خلال مشاهير “السوشيال ميديا”، الأمر الذي ساهم في ترسيخ فكرة أن الماركة هي الوسيلة الأساسية للظهور والإنتماء إلى طبقة إجتماعية أعلى.
تشير دراسات في جامعات مصرية وعربية إلى أن نحو 65% من الشباب في الفئة العمرية بين 16 و30 عامًا، يربطون بين إرتداء الماركات ومكانتهم في المجتمع، وأن أكثر من نصف المواطنين يعتقدون أن المظهر الخارجي، وبشكل خاص العلامة التجارية، يؤثر في طريقة تعامل الآخرين معهم.
أراء المواطنين بين القناعة والضغط الإجتماعي
وعند سؤال بعض المواطنين قالت “شيماء سيف” إذا لم يكن المنتج من ماركة معروفة، لا أشتريه، لأنني أشعر أن الآخرين قد يعتقدون أنني أرتدي شيئًا مقلدًا”.
وأوضح “محمود علوان” أنه قام بشراء سويت شيرت 1200 جنيه لأنه يحمل شعار “نايكي”، رغم أنه تلف بعد أول غسيل، ولم يستطع أن يعبر عن إستيائه، حتى لا يشعر بأنه أقل من أصدقائه.
أما “منه طلعت” تقول “المتابعون لا يسألونني عن جودة الملابس، بل يهتمون فقط باسم المحل والسعر، كأن الماركة أصبحت هى الأهم”.
وأكد “عبد السلام لطفي” أن ضغط المجتمع هو السبب الرئيسي وراء هذه الظاهرة، قائلاً “حتى إذا كان المنتج المحلي جيدًا، كثيرون ينظرون إليك نظرة دونية إذا لم ترتدي ماركة معروفة”.
وأضافت “دعاء مهند” أنا أشتري المنتج حسب جودته، سواء كان محليًّا أو من ماركة، لكن المجتمع أصبح يربط الماركة بالمكانة الإجتماعية، حتى وإن لم يكن هناك فرق كبير في الجودة”.
وأوضحت “هالة شوقي” أنها تبيع منتجات مقلدة بجودة عالية، لأن أغلب الزبائن يبحثون عن الشعار لا عن جودة الخامة، وتقول “الزبون يأتي ويسألني هل هذه القطعة تشبه الأصلية هل الشعار واضح لا يسألني عن نوع القماش ولا عن طريقة التصنيع”.
العوامل النفسية والإجتماعية وراء ظاهرة هوس الماركات
يرى المتخصصون أن هوس الماركات لا يعود فقط إلى الرغبة في مواكبة الموضة، بل يرتبط بمجموعة من العوامل النفسية والإجتماعية.
أوضح ضح الدكتور “أحمد فؤاد” أستاذ علم النفس الإجتماعي بجامعة عين شمس، أن “الإنتماء” هو الدافع الأساسي خلف تلك الظاهرة، إذ يشعر الكثير من الشباب أنهم بحاجة إلى التأكيد على هويتهم، من خلال إرتداء ما يرتديه الآخرون، خاصةً من ينتمون إلى الطبقة التي يتمنون الظهور فيها.
وأضاف الدكتور أن مواقع التواصل الإجتماعي عززت هذا الإتجاه، حيث يتعرض الفرد يوميًا لعشرات الصور والمقاطع، التي تظهر حياة مترفة ومثالية لأشخاص يرتدون ماركات عالمية، ما يدفع البعض إلى تقليدهم، حتى دون التفكير في الضرر المالي أو النفسي الذي قد ينتج عن ذلك.
كما قالت الدكتورة مريم دكتورة علم النفس الاجتماعي أن “هوس الماركات” ليه جذور نفسية واجتماعية عميقة، من الناحية النفسية، بعض الأفراد يربطوا اقتناء الماركات بالإحساس بالقيمة الذاتية أو بالانتماء لفئة اجتماعية أعلى، ده بنسميه أحياناً “التعويض النفسي” لما الشخص يحاول يعوض نقص داخلي عن طريق أشياء مادية.
كمان أوضحت ” دكتورة علم النفس الاجتماعي” أن المجتمع والإعلام لهم دور كبير في ترسيخ فكرة إن الماركات تساوي النجاح أو الجاذبية، بينما الناحية الاجتماعية، اقتناء ماركات ممكن يُعتبر وسيلة لإثبات الذات أو للحصول على قبول اجتماعي، خصوصاً وسط الضغوط اللي بيفرضها المجتمع الحديث.
وأكدت الدكتورة “مريم” ورغم وجود منتجات محلية عالية الجودة، إلا إن جزء من الناس يكون عنده تصور إن القيمة الإجتماعية تأتي من اسم البراند وليس من جودة المنتج نفسه، وهذا يرجع لثقافة الإستهلاك والعولمة التي تدعم الأسماء العالمية.
هل الماركة دليل على الجودة
أكدت نهى خبيرة تسويق وعلامات تجارية، أن ليس كل منتج يحمل علامة مشهورة يعد أفضل من غيره، وتقول “بعض المنتجات المحلية تقدم جودة مرتفعة بأسعار مناسبة، ولكن بعض المستهلكين يفضلون دفع أضعاف السعر مقابل شعار معروف فقط”، وترى أن الحل يكمن في التوعية الإستهلاكية، وتعزيز الثقة في المنتجات المحلية، خاصة تلك التي أثبتت كفاءتها في السنوات الأخيرة.
يبدو أن هوس الماركات ظاهرة معقدة، تتداخل فيها عوامل إقتصادية وإجتماعية ونفسية، بينما يسعى البعض إلى إقتناء الماركات بدافع الشخصية أو الذوق، ويشعر آخرون أنهم مجبرون على ذلك لمجاراة المجتمع.
بعض فوائد شراء الماركات الشهيرة
قد يُعد هوس شراء الماركات سلبي، ولكن لا يمكن إنكار أن شراء الماركات الشهيرة بشكل معتدل له فوائد، فمثلًا إعادة البيع، فبعض الماركات تزيد قيمتها بمرور الوقت، فيقتنيها الناس بإطمئنان لأنه عند الملل يمكن بيعها بأكثر من السعر الذي تم الشراء به.
بالإضافة إلى جودة المنتج فإعتدنا أن نقول المثل المصري “الغالي تمنه فيه”، فيمكنك شراء شيئ باهظ الثمن، ولكن تقوم بإستخدامة مدة أطول من عند شرائها من ماركة غير معروفة.
وأيضًا تكون ذات تصميم متميز، فالماركات الشهيرة تهتم بالتصاميم الملفته، فتقوم بتعيين مصممين محترفين ليصنعوا الموضة وليس فقط مواكبتها.
وبالطبع ثقة العميل بالمنتج، فعند شراء منتج من شركة ذات إسم كبير يمكن شراء المنتج منها بثقة مهما كان باهظ الثمن، فيضمن العميل أن المنتج لن يتلف سريعًا، أو في بعض الأحيان يكون عليه ضمان.