تحقيق – روفيدا يوسف
لم تعد الجرائم تحتاج إلى سلاح أو شاهد عيان، في العصر الذي أصبحت فيه التكنولوجيا جزأ لا يتجرأ من حياتنا، حيث تحول الإنترنت إلساحة مفتوحة تجمع بين الفوائد الغير محدودة والمخاطر المتزايدة.
ففي السنوات الأخيرة تسللت الجرائم الإلكترونية إلى كل بيت، مستغلة ثغرات تقنية وضعف رقابة، لتتحول بعض المنصات الرقمية إلى ساحات مفتوحة للابتزاز، وترويج محتوى خادش للحياء يهدد الهوية الأخلاقية للمجتمع، ويزرع مفاهيم غريبة في عقول الصغار والكبار.
جرائم الإنترنت.. وجه آخر للتكنولوجيا يهدد الأفراد والمؤسسات
تعد الجرائم الإلكترونية من الأفعال غير القانونية التي تُرتكب باستخدام الإنترنت أو الوسائل التكنولوجية الحديثة، وتتعدد صورها بين اختراق الخصوصية، والاحتيال الرقمي، والتسلل إلى الأنظمة المعلوماتية، والقرصنة، والابتزاز الإلكتروني.
وتشترك جميع هذه الأشكال في هدف واحد، وهو إلحاق الضرر بالأفراد، أو المؤسسات، أو حتى الحكومات، من خلال استغلال التطور التكنولوجي.
المحتوى الخادش وتأثيره على القيم المجتمعية
أصبح المحتوى الخادش للحياء سواء كان مرئيًا أو نصيًا ينتشر بسرعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والمنصات الرقمية المختلفة، تؤثر هذه الانواع من المحتوى على تشويه القيم الأخلاقية، فتكرار التعرض لمحتويات منحرفة أخلاقيًا أو سلوكيات غير لائقة، يؤدي إلى تطبيع هذه التصرفات في أذهان المستخدمين، لاسيما المراهقين والأطفال.
وأيضًا هذه المحتويات تساهم في التحريض على العنف والانحراف، فكثير منها يحمل مشاهد عنف جنسي أو تجاوزات أخلاقية، تجعل المستخدمين وخاصة صغار السن على تقليد هذه التصرفات.
القانون المصري يواجه المحتوى الخادش للحياء بعقوبات صارمة
يقول المحامي “مصطفى علاء” أن القانون المصري شدد في السنوات الأخيرة من إجراءاته لمواجهة الجرائم الإلكترونية، خاصة تلك التي تمس الآداب العامة أو تتسبب في الإضرار بالأمن المجتمعي، مشيرًا إلى أن النيابة العامة باتت أكثر حزمًا في تتبع مثل هذه الجرائم، والتعامل معها بسرعة.
وأضاف أن بعض التعديلات القانونية الأخيرة، مثل قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، أتاحت للجهات المختصة مراقبة المحتوى الإلكتروني وتتبع الجناة، موضحًا أن العقوبات لا تقتصر فقط على النشر؛ بل تمتد إلى التحريض، والحيازة، والمشاركة، مما يعكس توجه الدولة لحماية المجتمع من الانفلات الرقمي.
ويؤكد المستشار “أحمد الفقي” أن النية أو القصد من النشر لها دورًا مهمًا في تحديد العقوبة، حيث ينظر القضاء إلى ما إذا كان المتهم قد نشر المحتوى بغرض التوعية أو الفن أو بقصد الإضرار، ومع ذلك فإن صحة التحريات تمثل العامل الحاسم في هذا السياق.
وأشار “الفقي” أنه تُحمِّل المادة 178 مكررًا 1 من القانون مسؤولية النشر مباشرة لرئيس التحرير والناشر، ويُعاقب الآخرون كالطابعين والموزعين والمستوردين كفاعلين أصليين إذا ثبتت مساهمتهم المتعمدة في ارتكاب المخالفة.
وأنه قد اتجهت المؤسسات الحكومية مؤخرًا لوضع نظام قانوني منظم للمحتوى المنشور إلكترونيًا، في ظل فوضى المحتوى المنتشر على مواقع التواصل، عبر تعاون مشترك بين القانونيين، وحقوقيين، وديوان الفتوى، والمؤسسات الاجتماعية، ويُنتظر إقرار هذا النظام من المجلس التشريعي قريبًا لتفعيله ومتابعة تطبيقه.
ويستكمل حديثه قائلًا: سلط النص الضوء على أن وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت في انتشار سلوكيات لا تتماشى مع الدين أو العادات، ما استدعى جهودًا حكومية توعوية وثقافية لمواجهة هذه الظواهر، إلا أن هذه الجهود لم تكن كافية، مما دفع نحو اعتماد الردع القانوني كخطوة مكملة وضرورية.
ويتابع، تقوم النيابة العامة بمتابعة المخالفات على مستويين؛ الأول يتعلق بالحق الشخصي، حيث يحق للمتضررين تقديم شكاوى قانونية ضد الإساءة أو الابتزاز الإلكتروني، والثاني يتعلق بالحق العام حيث تتحرك النيابة دون الحاجة لشكوى في حال الإساءة للمجتمع وقيمه.
وفي المجمل، تعتمد الجهات الرسمية على القوانين لحفظ السلم المجتمعي والهوية الوطنية، مؤكدة على أهمية الوعي المجتمعي في رفض السلوكيات السلبية، جنبًا إلى جنب مع الإجراءات القانونية لضمان بيئة إلكترونية أكثر انضباطًا.
“القانون لا يرحم.. عقوبات صارمة لنشر المحتوى الخادش للحياء
فرض القانون المصري عقوبات رادعة لنشر أي محتوى خادش للحياء سواء كان عن طريق الصور أو الفيديوهات، والتي تتضمن تحريض على الفسق والفجور، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو غيرها.
حيث نصت المادة 178 من قانون العقوبات على أن يعاقب بالسجن مدة لا تزيد عن سنتين وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيهًا ولا تزيد عن عشرة آلاف، أو بإحدى العقوباتين هاتين، كل من صنع أو حاز بقصد الإتجار أو التوزيع لأي مطبوعات أو مخططات أو إعلانات،منافية للآداب العامة.
نماذج واقعية تكشف خطورة جرائم الإنترنت على المجتمع
ففي إطار جهود الدولة المصرية المبذولة للتصدي للإنفلات الرقمي وحماية القيم الأسرية والمجتمعية، اتخذت خطوة قضائية جديدة تهدف إلى مواجهة المحتوى الإلكتروني، الذي ينظر إليه على أنه تهديد مباشر للقيم الأخلاقية للمجتمع.
أحالت النيابة العامة البلوجر “ه.ع” إلى المحكمة بتهمة نشر مقاطع فيديو خادشة للحياء، وتحريض على الفسق والفجور، وذلك عبر منصات التواصل الإجتماعي، وكشفت التحقيقات أن الفيديوهات تتضمن محتوى يعرض ملابس نسائية تظهر فيها مفاتن جسدها.
فأصدرت المحكمة حكمًا ضدها بالسجن لمدة عام وغرامة قدرها 100 ألف جنيهًا، مع كفالة قدرها 5000آلاف في قضية تتعلق بنشر فيديوهات خادشة للحياء العام، وتعمد نشر المحتوى المخل واستخدام الإيحاءات والحركات المثيرة الجنسية، لجذب المتابعين، وتحقيق مزيد من الربح.
وأيضًا قامت محكمة النقض بإصدار حكمها على شخص يدعى “أ.م” بالسجن المشدد لمدة 15 عام، بتهمة إبتزاز وتشوية سمعة ثلاث فتيات من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، حيث قام بإنشاء حسابات وهمية، استخدمها للحصول على صور لهؤلاء الفتيات، وقام بتهديدهم وابتزازهم للحصول على الأموال.
وكانت محكمة جنايات القاهرة قد أصدرت حكمًا على البلوجر “ح.ح” و”م.أ”، بالسجن المشدد 6سنوات وغرامة قدرها 200 ألف جنيه، بتهمة “الإتجار بالبشر” واستغلال الفتيات القاصرات من خلال بث فيديوهات منافيه للآداب، وتحتوي على إيحاءات غير لائقة، مقابل وعود بتحقيق أرباح خيالية من خلال هذه التطبيقات.
لا تقتصر خطورة هذه القضايا على من تورط فيها فقط، بل تمتد آثارها إلى المجتمع بأكمله، إذ تخلق حالة من التشتت الأخلاقي والخوف من الفضاء الرقمي، ما يدفع البعض للعزوف عن استخدام المنصات الإلكترونية أو التعامل معها بحذر مبالغ فيه.
في ظل ما يشهده العالم من تطور تكنولوجي متسارع، تصبح الحاجة إلى وعي رقمي وقانوني أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى، فالتكنولوجيا أداة ذات حدين، إما أن تُستخدم لبناء مجتمع معرفي متطور، أو تتحول إلى منصة لنشر الفوضى والانحراف.
وتقع المسؤولية على عاتق الجميع من مؤسسات الدولة، والمجتمع مرورًا بالأسر والمؤسسات التعليمية، لتكثيف التوعية وتعزيز الرقابة، بما يضمن استخدامًا آمنًا وأخلاقيًا للفضاء الرقمي، يحمي الأفراد ويحافظ على القيم الأخلاقية والمجتمعية الأصيلة.