تحقيق – روفيدا يوسف
تشهد المجتمعات ارتفاعًا ملحوظًا في معدلات الطلاق، مما يشكل تحديًا اجتماعيًا له آثار نفسية واقتصادية على الأسر والمجتمع ككل، تشير الإحصائيات إلى أرقام صادمة، حيث تسجل محاكم الأسرة يوميًا آلاف القضايا التي تكشف عن أزمات حقيقية في العلاقات الزوجية.
أسباب ارتفاع معدلات الطلاق
يعود تزايد حالات الطلاق إلى مجموعة من الأسباب أهمها، الأوضاع المعيشية، حيث إن تزايد الضغوط المادية يؤدي إلى تفاقم الخلافات الزوجية، وأيضا ضعف التواصل والتفاهم، وغياب لغة الحوار بين الأزواج يساهم في انهيار العلاقات.
وتعد وسائل التواصل الاجتماعي من أهم هذه الاسباب حيث تصاعد الشكوك والخلافات بسبب الانفتاح غير المحدود، والزواج المبكر وعدم نضج الطرفين يؤدي إلى اتخاذ قرارات سريعة بالانفصال.
آراء المسؤولين حول الظاهرة ودورهم في مكافحتها
أكد الدكتور “سعد الدين الهلالي” عضو المجلس القومي للمرأة، على أهمية توثيق عقود الزواج والطلاق بشكل قانوني، لضمان حقوق الطرفين، مع ضرورة تعزيز الوعي الثقافي بأهمية الحياة الزوجية.

الدكتور “سعد الدين الهلالي” عضو المجلس القومي للمرأة
وأشار “إبراهيم سليم” رئيس صندوق المأذونين الشرعيين، إلى أن وسائل التواصل الإجتماعي أصبحت من الأسباب الرئيسية للطلاق، داعيًا إلى تعزيز الوعي بالاستخدام الصحيح لها.
وأطلقت وزارة التضامن الإجتماعي عدة مبادرات للتأهيل قبل الزواج، مثل برنامج “مودة”، الذي يهدف إلى تدريب المقبلين على الزواج على مهارات حل المشكلات الأسرية.
رأي رجال الدين في كثرة الطلاق
يؤكد رجال الدين أن ارتفاع معدلات الطلاق يشكل خطرًا على استقرار الأسرة والمجتمع، ويرجعون ذلك إلى ضعف الوازع الديني، والتسرع في الزواج دون وعي كافٍ، وعدم إدراك مفهوم المودة والرحمة في العلاقة الزوجية.
غياب الوعي بالحقوق والواجبات الزوجية، يوضح الشيوخ أن الجهل بأحكام الزواج يؤدي إلى خلافات حادة قد تنتهي بالطلاق، مؤكدين أن الزواج ميثاق غليظ وليس مجرد عقد، كما قال تعالى: “وجعل بينكم مودة ورحمة” (الروم: 21).
يعد التسرع في اتخاذ قرار الطلاق، الإسلام جعله حلاً أخيرًا وليس خيارًا سريعًا، ووصفه النبي ﷺ بأنه “أبغض الحلال إلى الله”، وينصح رجال الدين بالصبر واللجوء إلى جلسات الصلح قبل اتخاذ القرار النهائي.
أغرب قضايا الطلاق في مصر
رصدت محاكم الأسرة العديد من القضايا التي تعكس هشاشة بعض العلاقات الزوجية، تقول “س.م” رفعت دعوى طلاق للضرر ضد زوجي بعد 7 سنوات زواج، بسبب غيرته من نجاحي المهني، بدأت الخلافات بعدما حصلت على ترقية لرئاسة القسم في عملنا المشترك، حيث رفض دعمي وطلب مني الاستقالة، تفاقمت المشاكل حتى وصلت للإعتداءات اللفظية والجسدية، وتهديده بحرماني من طفلتنا وإعطائها لوالدته.
تروي “م. ي” طلبت الطلاق بعد ثلاثة أشهر لأن أصدقاء زوجي على علم بأدق تفاصيل حياتنا اليومية، حتي تفاصيل العلاقة الشخصية يعرفونها، وقالت لا أستطيع الإستمرار مع زوج لا يحترم خصوصية الحياة الزوجية، ولا يعرف قيمة الثقة والحدود بين الشريكين.
وتقص “أ. ع” غيرته الشديدة جعلت العلاقة بيننا مستحيلة،حيث فرض قيودًا على ملابسي وعلاقاتي الإجتماعية، حتى وصل الأمر لمنعها من المرور بجوار كلب جارهم بحجة الغيرة.
يحكي “أحمد رأفت” مأذون شرعي أن أغرب حالة طلاق حضرها هي خيانة الزوج لزوجته، حيث قالت شكيت أن زوجي بيخوني لعدة أسباب، فالصبح وانا بلبسه الفانلة لبستهالو بالعكس، ولما رجع البيت وبيغير لقيتو لبسها بالمعدول، فاتأكدت إنو بيخوني.
وفي سابقة غير مألوفة توجه “م.م”، صاحب أعمال حرة، إلى محكمة الأسرة لرفع دعوى طلاق ضد زوجته”م.س”، التي تعمل ممرضة، مؤكدًا في دعواه أنه يتعرض للضرب والإهانة، على يد زوجته بشكل متكرر، وأشار الزوج إلى أنه حاول كثيرًا إصلاح الأمور وتجنب الخلافات، لكنه لم يعد يحتمل العنف الجسدي والنفسي الذي يتعرض له داخل منزله، ما دفعه إلى اللجوء للمحكمة طلبًا للطلاق، في مشهد معاكس لما هو شائع في مثل هذه القضايا.
تقول “ن. م” رفعت دعوى طلاق على زوجي بعدما أخدت والدته جهاز الميكروويف الخاص بي، دون إذن مني.
تقول “نورهان.م” سعيت لفرض سيطرتي على إدارة شؤون المنزل، لكني واجهت رفضًا من زوجي الذي أصر على أن يكون له الدور الأكبر في اتخاذ القرارات، وهو ما لم أتقبله، تقول أيضاً: “ما بحبش حد يتحكم فيا، وما كنتش متخيلة إن الجواز فيه كل التحكمات دي، فما قدرتش أستحمل وطلبت الطلاق”.
وتتحدث منى عن سبب طلاقها قائلة: “رفعت دعوى طلاق لأن زوجي كان يترك أنوار البيت مضاءة طوال الوقت، حتى في النهار، ما تسبب في ارتفاع فاتورة الكهرباء بشكل كبير. شعرت أنه يستغلني ولا يقدّر تعبي، فلم أستطع الإستمرار وقررت طلب الطلاق بعد ستة أشهر فقط من الزواج.”
التأثير النفسي للطلاق على الزوجين والأطفال
يؤثر الطلاق سلبيًا على جميع الأطراف، ويترك آثارًا طويلة المدى، على الزوجين قد يسبب الطلاق الإكتئاب، والشعور بالفشل، والعزلة الإجتماعية.
وعلى الأطفال يؤثر على استقرارهم النفسي والتحصيلي، وقد يؤدي إلى سلوكيات عدوانية أو انعزالية، وأيضًا على المجتمع حيث إن تزايد حالات الطلاق يهدد الإستقرار الإجتماعي ويؤدي إلى زيادة عدد الأسر غير المستقرة.
إحصائيات الطلاق في مصر خلال الأشهر الماضية
أشار الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء،إلى أن إجمالي حالات الطلاق في مصر، بلغت 265 ألفا و606 حالات في 2023، مضيفًا أن حالات الطلاق في الحضر بلغت 150 ألفا و488 عام 2023 مقابل 115 ألفا و118 حالة طلاق في الريف.
هل يحمي القانون المصري حقوق المطلقين
يسعى القانون المصري إلى حماية حقوق الطرفين بعد الطلاق من خلال، النفقة وإلزام الزوج بتوفير مصاريف المعيشة للأطفال والمطلقة، وأيضًا حضانة الأطفال، وتحديد الطرف الذي يحصل على الحضانة وفقًا لمصلحة الطفل.
والطلاق الإلكتروني حيث تجري الدولة مناقشات، حول ضرورة الحد من حالات الطلاق غير الموثقة، وذلك للحفاظ علي حقوقهم.
إن تزايد معدلات الطلاق يستدعي حلولًا جذرية تتضمن إعادة تأهيل المقبلين على الزواج، تعزيز ثقافة الحوار الأسري، وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي للأسر المتضررة، وبينما تبقى بعض حالات الطلاق ضرورية للهروب من علاقات غير صحية، فإن إيجاد حلول وقائية يظل السبيل الوحيد للحفاظ على كيان الأسرة واستقرار المجتمع.