تحقيق – روفيدا يوسف
باتت العيادات غير المرخصة خطرًا يهدد حياة المواطنين، حيث تعمل خارج إطار الرقابة الصحية، مما يعرض المرضى لمضاعفات خطيرة قد تصل إلى الوفاة، وفي ظل ارتفاع تكاليف العلاج في المستشفيات والعيادات المرخصة، يلجأ البعض إلى هذه المراكز غير القانونية، دون إدراك المخاطر التي قد يواجهونها.
شهادات من قلب المعاناة
فمن خلال الحديث مع بعض المرضى، الذين استخدموا هذه العيادات، تقول “ن.ر” سيدة في الأربعينيات، دفعت ثمنًا باهظًا مقابل عملية تجميل فاشلة، عندما قررت إجراء جلسات تجميل لبشرتي في مركز غير مرخص، لكني خرجت منها بتشوهات في وجهي، العروض والأسعار الرخيصة جذبتني، لكن بعد الجلسة بدأت أعاني من حروق وتصبغات، واكتشفت أن المواد المستخدمة غير مطابقة للمواصفات”.
ويقول “ح.ك” شاب في العشرينيات، أسناني دمرت بسبب طبيب مزيف، ذهبت لعيادة أسنان غير مرخصة بحثًا عن علاج سريع، شعرت بألم شديد بعد الحشو، وعندما ذهبت لطبيب آخر اكتشفت أن الأدوات لم تكن معقمة، وتسبب ذلك في التهاب حاد باللثة.
يروي “م.ع” شاب في الثلاثينيات، حياتي كادت تنتهي بسبب حقنة خاطئة، وكيف تسبب خطأ طبي في إصابتي بتسمم دموي حيث ذهبت لعيادة قريبة من منزلي لأخذ حقنة مضاد حيوي، بعد دقائق شعرت بضيق تنفس شديد، واضطررت للذهاب إلى المستشفى، حيث أخبرني الأطباء أن الحقنة لم تكن معقمة بشكل جيد.
تحكي”س.ع” الولادة في عيادة غير مرخصة كادت تودي بحياتي، حيث اضطررت للولادة في عيادة غير مرخصة بسبب قلة الإمكانيات المادية، لم تكن هناك أجهزة طبية مناسبة، وكدت أن أفقد حياتي بسبب النزيف الحاد بعد الولادة.
تقول “ر.م” سيدة في الثلاثينيات، أجرت عملية شفط دهون في مركز تجميل غير مرخص، لكنها خرجت بمضاعفات خطيرة، عندما تعرضت لعدوى بكتيرية بسبب الأدوات غير المعقمة، واضطررت لدخول المستشفى للعلاج.
دور الجهات الرقابية من العيادات المخالفة
تشن وزارة الصحة حملات مستمرة على العيادات غير المرخصة، لكن المشكلة لا تزال قائمة، بحسب تصريحات بوزارة الصحة، “نحن نعمل على إغلاق هذه العيادات فور اكتشافها، لكن البعض يعيد فتحها بأسماء مختلفة في أماكن أخرى”، ومن جانبه، يؤكد مسؤول في نقابة الأطباء، “لابد من تفعيل آليات رقابية أقوى، ومعاقبة كل من يسمح بعمل هذه العيادات”.

العيادات الغير مرخصة
هل تكفي العقوبات لردع المخالفين
يجرّم القانون المصري فتح أي منشأة طبية دون ترخيص، حيث نصت المادة 6 من قانون تنظيم المنشأت الطبية، رقم 51 لسنة 1981م، على أنه إذا زاولت المنشأة الطبية نشاطها قبل الحصول على الترخيص يتم غلقها بقرار من السلطة الصحية المختصة مباشرة، ويجوز للقاضي أن يحكم بناء على طلبها بتوقيع غرامة لا تقل عن 1000 جينه ولا تزيد عن 50 ألف جنيه على هذه المنشأة، والحبس لمدة تصل إلى سنة في حال تكرار المخالفة.
بالرغم هذه العقوبات، يستمر بعض المخالفين في العمل تحت مسميات جديدة، مما يطرح تساؤلات حول كفاية هذه الإجراءات في التصدي لهذه الظاهرة.
جرائم خلف الأبواب المغلقة
رصدت الجهات الرقابية عدة وقائع خلال الستة أشهر الماضية أهمها، إغلاق مركز تجميل غير مرخص في القاهرة يديره شخص بدون شهادة طبية، وضبط عيادة أسنان غير مرخصة في الجيزة تسببت في إصابات خطيرة للمرضى.
في نفس السياق إغلاق مركز لعلاج السمنة استخدم مواد غير مصرح بها، مما أدى إلى حالات تسمم، ضبط عيادة توليد غير مرخصة في المنوفية بعد وفاة سيدة بسبب الإهمال الطبي، وإغلاق مركز للعلاج الطبيعي يعمل بأجهزة غير مطابقة للمواصفات.
لم تتوقف كوارث العيادات غير المرخصة عند الإهمال الطبي أو الأخطاء القاتلة، بل امتدت إلى جرائم أخلاقية تهدد سلامة المرضى، كان آخرها الحكم الصادر من محكمة جنايات مستأنف القاهرة بتأييد الإعدام شنقًا، لطبيب في منطقة روض الفرج، بعد إدانته بهتك عرض 93 سيدة وقاصر داخل عيادته.
بدأت القضية عندما تقدمت إحدى الضحايا ببلاغ ضد الطبيب، مؤكدة أنه استغل وجودها تحت تأثير المخدر للاعتداء عليها، ثم حاول ابتزازها بعد أن اكتشفت حملها، لم تكتفِ الجهات المختصة بإلقاء القبض عليه، بل تم تفتيش عيادته، ليتم العثور على أدلة تدينه، من بينها كاميرات مراقبة ووثائق تثبت تورطه في جرائم مماثلة.
هذه الواقعة تعكس الوجه الأخطر للعيادات التي تعمل في الخفاء، بعيدًا عن الرقابة، حيث تتحول بعض تلك الأماكن إلى بؤر للجرائم، مستغلين ضعف الوعي القانوني، وثقة المرضى العمياء في من يُفترض بهم أن يكونوا ملاذًا آمنًا للعلاج، فهل تكفي العقوبات الحالية لردع مثل هذه الجرائم، أم أن الظاهرة تحتاج إلى تشديد رقابي أكثر صرامة.
رغم الحملات المتكررة والقبض على المخالفين، لا تزال العيادات غير المرخصة تنتشر، مستغلة ثغرات في القانون وضعف الوعي المجتمعي، البعض يعيد فتح العيادات المغلقة بأسماء جديدة، بينما يلجأ آخرون إلى استغلال مواقع التواصل الاجتماعي للإعلان عن خدمات طبية غير قانونية.
في النهاية، يظل السؤال الأهم إلى متى يستمر هذا العبث بحياة المرضى، وهل نحتاج إلى عقوبات قانونية أقوى، أم أن الحل يكمن في زيادة الوعي المجتمعي.