إنفراد – نسمة هاني
تحوّلت وسائل التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة إلى ساحة مفتوحة للرسائل والمحادثات، لكنها في كثير من الأحيان أصبحت أداة يستخدمها البعض للتهديد والضغط النفسي، بعيدًا عن الأعين، وتتكرر الحالات التي تبدأ بعلاقة شخصية، ثم تنتهي بشكل مفاجئ، لتتحول بعدها تلك الوسائل إلى وسيلة للابتزاز، التهديد قد يكون بنشر صور خاصة، أو كشف محادثات قديمة، أو تلفيق وقائع غير حقيقية، ويقوم البعض بإرسال رسائل مباشرة، بينما يفضّل آخرون استخدام حسابات وهمية يصعب تتبّعها.
غالبًا ما يتم التهديد من خلال الرسائل النصية أو الصوتية، أو عبر منشورات غير مباشرة، ويشمل محتوى التهديد إشارات واضحة إلى نية الإيذاء النفسي أو الاجتماعي، وقد تتطوّر الأساليب لتصل إلى إرسال صور محرّفة أو التلاعب بمحتوى المحادثات بهدف التشهير.
التهديد عبر الإنترنت لا يقتصر على فئة معينة، بل يشمل مختلف الأعمار والطبقات، ويحدث في جميع أنواع العلاقات: خطوبة، زمالة، أو حتى تعارف عابر، وتبقى الوسيلة واحدة، استخدام ما تم تبادله سابقًا كسلاح للضغط أو الانتقام.
هذا النوع من التهديدات يخلق حالة من القلق والترقّب المستمر، حيث يعيش المتلقي في خوف دائم من أن يتم تنفيذ ما كُتب له، أو أن يصبح اسمه متداولًا على صفحات لا ترحم.
رأي المحامية إيناس السيد.. خطوات الحماية والرد القانوني
تؤكد المحامية إيناس السيد أن العلاقات عبر مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت مكشوفة أكثر من أي وقت مضى، وهو ما يفتح الباب أمام التهديد والابتزاز الإلكتروني، خاصة عند انتهاء العلاقات بشكل سلبي، وتشير إلى أن السؤال الأهم هو كيف تتعامل مع التهديد، وكيف تحمي نفسك قانونيًا ونفسيًا.
وتوضح أن أول ما يجب فعله هو التوجه لعمل محضر رسمي، مع التأكيد على أن الاحتفاظ بالأدلة يجعل الموقف القانوني أقوى بكثير، وتشير إلى أن القانون المصري يعتبر التهديد عبر السوشيال ميديا أو تطبيقات المراسلة مثل “واتساب” جريمة إلكترونية أو تهديدًا يعاقب عليه إما بموجب قانون العقوبات أو قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018.
وتُضيف أن التهديد لا يشترط أن يكون صريحًا بنسبة 100% حتى يُحاسب عليه، بل يمكن أن يكون تلميحًا واضحًا يُفهم منه نية الإيذاء أو الضغط، وتلفت النظر إلى أن الفرق بين التهديد الصريح وغير الصريح يكمن في مدى إمكانية إثباته قانونيًا.
وتشير المحامية إيناس السيد إلى أنه إذا كان التهديد باستخدام صور أو محادثات خاصة، فإن القانون يعتبره ابتزازًا إلكترونيًا أو تهديدًا بالإفشاء عن أمور شخصية، وهو يخضع لنصوص محددة، منها المواد 327 و328 من قانون العقوبات المصري، والتي تُعاقب على التهديد بالإفشاء بهدف الحصول على منفعة أو إجبار الطرف الآخر على فعل أو ترك فعل معين، وتُضيف أن العقوبة قد تصل إلى السجن المشدد إذا كان التهديد مصحوبًا بطلب مادي أو معنوي.
وقالت أن المادة 25 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات تُجرّم المساس بخصوصية الأفراد، بما في ذلك نشر الصور أو التسجيلات بدون إذن، أما المادة 27 فتنص على أن من يستخدم التهديد بنشر الصور أو المحادثات لإجبارك على تصرف معين، يعاقب بـ الحبس مدة لا تقل عن سنتين وغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه وقد تصل إلى 300 ألف جنيه أو أكثر حسب خطورة الواقعة.
وتُفرّق المحامية بين نوعين من التهديد: الأول هو التهديد العادي الذي يكون فقط بهدف التخويف، وتُقدّر عقوبته بناءً على طبيعة التهديد، أما الثاني فهو التهديد المصحوب بابتزاز، وهو أخطر لأنه يجمع بين التخويف وطلب مقابل مادي أو معنوي، وتُضاعف العقوبة إذا وقع الفعل عبر الإنترنت أو احتوى على انتهاك للخصوصية.
وتوضح أيضًا أن بعض الجمل مثل “لو ما عملتيش كذا هنشر صورك” تُعد ابتزازًا صريحًا حسب القانون، لأنها تحتوي على تهديد بالإفشاء مقابل تنفيذ طلب.
وتختم المحامية إيناس بأن العقوبة قد تصل للسجن المشدد إذا كان التهديد يمس السمعة أو الشرف أو يسبب ضررًا نفسيًا أو اجتماعيًا جسيمًا، حتى وإن كانت الصور أو الرسائل المستخدمة في التهديد مزيفة أو مفبركة، لأن القانون يركز على نية التخويف وتحقيق مصلحة غير مشروعة.
رسالة توعوية للقارئ
التهديد عبر الإنترنت ليس موقفًا عابرًا يمكن تجاهله، بل جريمة يعاقب عليها القانون وتؤثر على الصحة النفسية للضحية بشكل مباشر، لا تنتظر حتى تتفاقم الأمور، واجه الخطر منذ بدايته، واطلب المساعدة من الجهات المختصة، فالصوت العالي والوعي القانوني هما درع الأمان الأول، تذكّر دائمًا أن السكوت لا يحميك، بل يُطيل أمد المعاناة.
تقديرات تكشف حجم الظاهرة
تشير تقديرات حقوقية وتقارير اجتماعية إلى أن أكثر من 60% من ضحايا الابتزاز أو التهديد الإلكتروني لا يلجؤون إلى الإبلاغ الرسمي، إما بدافع الخوف من الفضيحة أو لعدم الإلمام بالإجراءات القانونية اللازمة، هذه النسبة تعكس مدى الحاجة إلى مزيد من التوعية والدعم القانوني والنفسي، لمواجهة ظاهرة تزداد انتشارًا وسط غياب ثقافة المواجهة.
كيف تتصرف عند التهديد الإلكتروني
عندما تتعرض لأي نوع من التهديد عبر مواقع التواصل، لا تتفاعل مع المرسل بانفعال أو خوف، بل احتفظ بكل الرسائل التي تصلك، سواء كانت نصوصًا أو تسجيلات صوتيةق أو صورًا، احرص على توثيق التهديد بتواريخ وسياق واضح، ولا تحذف أي دليل مهما بدا بسيطًا، لا تحاول التفاوض مع المبتز، ولا ترضخ لأي طلب مهما بدا مُلحًا، فكل استجابة تشجّعه على الاستمرار، توجّه فورًا إلى الجهات القانونية المختصة، واطلب المساعدة دون تردد، فالتحرك المبكر هو ما يحميك.
كيف تحمي نفسك قبل حدوث التهديد
تبدأ الحماية من الوعي الرقمي، فلا تشارك صورًا خاصة أو معلومات حساسة عبر الإنترنت، حتى مع أقرب الأشخاص إليك راجع إعدادات الخصوصية على حساباتك بشكل دوري، ولا تقبل إضافات من غرباء أو حسابات مجهولة، تجنّب الحديث عن تفاصيلك الشخصية أو مشاكل العلاقة على العلن، فذلك يُعطي فرصة لمن يريد استغلالك لاحقًا، حافظ على نسخة احتياطية من محادثاتك المهمة، وتعلّم كيف تبلغ عن الحسابات المسيئة على مختلف المنصات، الوقاية في هذا العالم الرقمي لا تقل أهمية عن رد الفعل بعد وقوع التهديد.
الإدارة العامة لمباحث الإنترنت
عند التعرض لأي نوع من التهديد الإلكتروني أو الابتزاز عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يمكن التواصل مع الإدارة العامة لمباحث الإنترنت على الخط الساخن 108، وهي الجهة الرسمية المختصة بجرائم تقنية المعلومات، يتولى هذا القسم فحص البلاغات، وتتبع الحسابات المجهولة، والبدء في اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة فورًا.
النيابة العامة، منصة “بلاغ” الإلكترونية
يمكن تقديم بلاغ رسمي إلى النيابة العامة من خلال المنصة الإلكترونية “بلاغ”، دون الحاجة إلى الذهاب لأي قسم شرطة، تتيح المنصة رفع الصور والرسائل المرفقة بالدليل، ويتم التعامل مع البلاغ بسرية تامة. للتقديم، يُرجى زيارة الموقع الرسمي: www.pp.gov.eg
المجلس القومي للمرأة.. خط دعم النساء
إذا كنتِ ضحية تهديد أو ابتزاز إلكتروني وتحتاجين إلى دعم قانوني أو نفسي، يمكنكِ التواصل مع المجلس القومي للمرأة عبر الخط الساخن 15115، والذي يعمل يوميًا من الساعة 9 صباحًا حتى 9 مساءً، يقدم المجلس المساعدة للسيدات والفتيات، ويوجههن بالخطوات القانونية السليمة لمواجهة الموقف.
التهديدات الموجهة للقُصَّر
في حال كان التهديد موجّهًا لطفل أو مراهق، يمكن اللجوء إلى خط نجدة الطفل 16000 التابع للمجلس القومي للطفولة والأمومة، يستقبل هذا الخط البلاغات المتعلقة بالعنف أو الابتزاز الرقمي ضد الأطفال، ويوفر حماية قانونية فورية بالتنسيق مع الجهات المختصة.
موقع وزارة الداخلية.. بلاغ إلكتروني مباشر
يمكن لأي مواطن تقديم بلاغ إلكتروني مباشر عن التهديدات والجرائم الإلكترونية من خلال موقع وزارة الداخلية المصرية على الرابط www.moi.gov.eg. تتيح هذه الخدمة تقديم الشكوى وإرفاق الأدلة، كما تُرسل إلى الجهة المعنية لاتخاذ الإجراء المناسب في أسرع وقت.