تحقيق – إيمان أشرف
أصبح الـ “تيك توك” مخدر لعقول الشباب في الوقت الحالي، وبرغم من استياء البعض من المحتوى المقدم إلا أن وجد مجموعة أخرى من الشباب اعتبره مصدر ربح غير مجهد، فمن خلال فيديو يحتوي على بعض من الثوانٍ يربح صاحبه الكثير من الأموال.
وعلى نقيض ذلك، يجد ويجهد البعض الآخر ولا يحصل على جزء بسيط من قيمة أموال الفيديوهات، ولسهولة الحصول على الأموال، باع الكثير قيمه وعاداته مقابل العيش في مستوى مرتفع يرضى عنه.
وهذا ما أشعل غضب الكثير، فقط أصبح المجتمع يحتوي على العديد من الأفعال غير المرغوبة بها سواء بالمجتمع، أو ترضى عنها الأديان السماوية، ولسرعة انتشار تلك الاعتراضات وتأثيرها على استقرار المجتمع داخليًا؛ شنت الأجهزة الأمنية بوزارة الداخلية حملات لوقف تلك الأشخاص، ووقف بث الفيديوهات ذو محتوى سيء، ووضع قوانين صارمة تحد من انتشار تلك التصرفات.
التيك توك أكثر من تطبيق للترفيه.. فما السبب
يمكث رواد التواصل الاجتماعي الكثير من الوقت على السوشيال ميديا، ولعل أخطرهم هو تطبيق الـ “تيك توك”، فهو تطبيق يعتمد على مشاركة مقاطع الفيديوهات القصيرة، تكون مدتها في الأغلب من 15 ثانية إلى 3 دقائق، وفكرته الأساسية هي استخدام الصور والفيديوهات، وإضافة مؤثر صوتي والفلاتر عليها، ويتم عرض تلك الفيديوهات حسب اهتمامات الباحث، تبعًا لخوارزميات التوصية.
ويتم جذب الأشخاص إلى المحتوى بعدة طرق منها استخدام التطبيق لخوارزميات ذكية تَعرف ماذا يُهم المستخدم وما يود أن يراه، “وذلك يعني وجود برنامج ذكي صغير بداخل التطبيق، وتكمن وظيفته في البحث عن الفيديوهات، التي تثير إعجاب المستخدم لبقاءه مدة أكبر في استخدام التطبيق”.
وفي وقتنا الحالي، أصبح من السهل الوصول إلى تطبيق الـ “تيك توك” وما يشبه من التطبيقات الأخرى، وذلك لحصول كل طفل على هاتف ذكي، حيث نجد أن منشئو الترندات هم أطفال العقد الثاني، فهم يقومون بمشاركة الفيديوهات القصيرة بسهولة ويسر، مما يزيد من نسب المشاهدة والأرباح.
إن غاب القانون انصرفت العقول.. مدى وعي الشباب باستخدام التيك توك
يعتبر محور وعي الشباب باستخدام تطبيق التيك توك خطير للغاية، وذلك لأنه يكشف الفجوة بين الاستخدام والإدراك، ولن ينحصر الوعي باستخدام “التيك توك” من جانب واحد، بل فهو يشمل عدة جوانب تتدرج من الأقل لأكتر خطورة، حتى تصبح من مجرد خطورة لمسألة قانونية، ومن الممكن أن تصل العقوبات إلى الحبس.
وعلى سبيل المثال، يأتي أولى صور الوعي، هو الوعي بالمخاطر، وذلك في شكل معرفة إلى أي مدى قد تصل خطورة المحتوى، هل يبث العنف بين فئات المجتمع أم التضليل، بالإضافة إلى إدراك المستخدمين لخطر ضياع الوقت وإدمان تلك التطبيقات، كما يجب وعي المستخدمين بإمكانية سرقة البيانات، أو استغلالهم ماديًا، أو نفسيًا.
فضلًا عن ذلك، الوعي بخوارزميات التوصية، فيجب معرفة أن لا يظهر أمام المستخدم فيديو من الفراغ، بل كل فيديو له المغزى الخاص به يريد التطبيق الوصول إليه، فإذا ظهر أمام المشاهد محتوى واستكمل مشاهدته، يقوم التطبيق فيما بعد بتجهيز تلك الفيديوهات وعرضها على المستخدم؛ حتى لا يمل ويخرج من التطبيق.
وبالرغم من كثرة المحتويات الضارة إلا أن الحكومة تعمل على سن القوانين الصارمة، التي تحد من انتشار تلك الفيديوهات، وتعرض أصحابها للمساءلة القانونية، وذلك للحفاظ على قيم ومعايير المجتمع من الضياع أو الإندثار.
من قضاء وقت فراغ للتعرض لمساءلة قانونية.. الجانب المظلم للتيك توك
يوجد علاقة مرتبطة بالـ “تيك توك” وانتشار الفسق، والفجور، والدعارة، وما يشبه ذلك، حيث يقدم التطبيق رقصات، ومشاهد خارجة عن الأعراف المحلية، أفعال خادشة للحياء؛ مقابل هدايا إفتراضية بمبالغ ضخمة، التي أصبحت وسيلة سريعة لزيادة المشاهدات.
وبالإضافة إلى تحديات الرقص، والحركات الجريئة التي تنتشر بين الشباب، حتى لو كانت صادمة وغير مقبولة في المجتمع، وأيضًا ظهور الأطفال، والمراهقين بطريقة غير لائقة، مما يعتبر بيئة خصبة لجذب المتحرشين، وأصحاب النوايا السيئة.
وعلاوة على ذلك، إمكانية نشر العنف عبر تلك المنصات، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، عن طريق نشر مشاهد عنف تتمثل في مشاجرات، وضرب، وأعمال تخريب، وخطابات كراهية، وانتقام من أفراد أو جماعات، حيث تنتشر بسرعة فائقة بسبب حب الفضول عند المتابعين؛ وبتكرار تلك المشاهدات يطبع السلوك في ذهن الشباب، ويقلل حساسيتهم تجاهه.
ولإبراز تلك المشاهد، يعرضها التطبيق بصورة “بطولية ممتعه” خاصةً مع مؤثر صوتي، فمن الممكن وجود محاكاة لأفلام، أو مشاهد قتال، ويقلدها الشباب تقليد أعمى في الواقع، فيقوم المتفرجين باستعراض أسلحتهم أو أفعالهم؛ بهدف الترهيب أو جذب الإنتباه.
وعلى الرغم من حديث المواطنين عن وجود علاقة بين “التيك توك” وتجارة الأعضاء البشرية والمخدرات، إلا أنه لا يوجد ظاهرة واضحة وعلنية، ولكن أشارت بعد التحقيقات الأمنية أن تلك المنصة يمكن أن تستغل كوسيط غير مباشر في نشاطات مرتبطة بتجنيد أو استدراج الضحايا.
وذلك يتم بعدة طرق منها إنشاء بعض العصابات حسابات وهمية للتعامل مع الضحايا، عن طريق رسائل خاصة أو فيديوهات مغلفة بوظائف أو عروض مغرية لاستغلال ضعف وفقر العميل، وينقل بعدها الضحية إلى تطبيقات أخرى أكثر خصوصية مثل “الواتساب”، أو “التليجرام” لاستكمال الإتفاق.
فتنة طائفية وانقلاب.. التيك توك يهدد استقرار الدولة
تعتبر منصة “التيك توك” مفتوحة وسريعة الانتشار، ولذلك يمكن استغلالها كأداة للحشد والتأثير على الرأي العام، وهذا ما يجعلها جزء من أي موقف تحريضي ضد النظام القائم، لا سيما في أوقات الأزمات السياسية أو الاجتماعية.
حيث يتيح التطبيق نشر مقاطع قصيرة تدعو إلى الخروج للشارع أو القيام بأعمال عصيان مدني، مما يساعد على سهولة حدوث انقلاب داخل الدولة من اللا شيء، أو استخدام خاصية “اللايفات”، لعرض فيديوهات تحتوي على رسائل مشفرة، أو رموز، أو أفعال لا يفهمها إلا أفراد الشبكة، وتظهر بهيئة بريئة، لا تجعل أحد يشك بها.
بالإضافة لنشر فيديوهات بها إساءة، أو سخرية لدين، أو طائفة معينة؛ بهدف جمع مشاهدات وزيادة الربح، وأحيانًا يتم نشر مقاطع مفبركة أو قديمة لتأجيج الصراع، دون الاكتراث لنتيجتها التي تثير الغضب، ولقصر تلك المحتوى يسهل نشره بسرعة قبل ما يتم حذفه بشكل كامل.
وأيضًا سهولة نشر الشائعات والمعلومات المضللة، وإضافة عليها مؤثر صوتي؛ يحفز العاطفة لدي المواطنين في أوقات التوتر السياسي، ما يثير غضب المواطنين، ويؤدي لتصعيد الموقف بسرعة.
بمثابة الدارك ويب.. مخاطر استخدام منصة التيك توك
تكمن مخاطر استخدام “التيك توك” في عدة أنواع، منها التأثير على قيم المجتمع، من خلال نشر محتوى غير لائق يحث على الفسق والفجور، والاستخدام المفرط الذي يؤثر على التركيز والنوم، وبالتالي يؤدي إلى الإدمان الرقمي، والشعور بالنقص أو الإحباط، بسبب مقارنة النفس بمظاهر حياة الآخرين.
وكما يتم الاشتراك في التحديات الخطيرة؛ لزيادة نسب المشاهدة التي تؤدي إلى إصابات خطيرة وأحيانًا الوفاة، حيث يتم إغراء المستخدمين عن طريق الهدايا وعروض النقود، فهو بمثابة عملية غسيل دماغ؛ لتنفيذ ما يتم طلبه دون الاهتمام بمدى خطورته.
ومن الناحية الأمنية، تتمثل في سرقة البيانات الشخصية، والاختراقات الإلكترونية، والتتبع والاستهداف الإعلاني، والتعرض للمساءلة القانونية عند نشر محتوى مخالف للقانون، أو انتهاك حقوق الملكية، بالإضافة لتحريض على العنف، أو التلاعب بالرأي العام، من خلال نشر الشائعات، والمعلومات المضللة.
وهذا ما يجعل تطبيق “التيك توك” لا يختلف كثيرًا عن “الدارك ويب”، حيث يتم من خلال الاثنين بث فيديوهات تضر المجتمع واستقراره، فأصبح “التيك توك” بمثابة حالة مصغرة من تلك المواقع العنيفة.
الدكتورة أسماء أبو زيد توضح كيف تحول “التيك توك” من تطبيق إلى وقر للعصابات
قالت “أسماء أبو زيد” الدكتور المساعد بكلية الإعلام جامعة القاهرة، إن من الممكن لتطبيق الـ “تيك توك” أن يكون بيئة لبث محتوى يتعارض مع تعاليم الدين، والقيم، والمعتقدات السائدة، والعادات والتقاليد، والتربية الأسرية العربية بشكل عام، كالتحرش الجنسي، والمشاهد شبه الإباحية، والإلحاد، والسخرية، مما يشكل خطرًا حقيقيًا على التنشئة الاجتماعية السليمة.

الدكتورة أسماء أبو زيد الدكتور المساعد بكلية الإعلام جامعة القاهرة
وأشارت الدكتورة “أسماء أبو زيد” إلى أن حسب البيانات الرسمية لم تنشأ منصة تيك توك لتجارة المخدرات والأعضاء البشرية، لكنها بنيت على نموذج عمل يمنح الأولوية للمحتوى الأكثر جذبًا وإثارة، بغض النظر عن قيمته أو خطورته، وذلك لأن بيئة السوشيال ميديا مفتوحة وأشبه بسوق عالمي بلا حراس، تسمح بمرور الرموز والإشارات والصفقات المموهة، بينما الجمهور غارق في مقاطع ترفيهية لا تنتهي.
وأكدت الدكتورة أنه إذا تم التفكير فيما وراء خوارزميات منصة “التيك توك” التي تستحوذ على المستخدم لساعات، سوف نجد عالم موازٍ تتحرك فيه شبكات تستغل هذا الانشغال لتمرير رسائل خفية، والترويج لأنشطة غير مشروعة من المخدرات إلى الإتجار بالبشر والأعضاء، وهكذا يصبح التيك توك أداة مثالية لصرف الأنظار، وربما غطاء مثالي لأكثر الجرائم تنظيمًا في عصرنا.
وأوضحت “أسماء أبو زيد” مدى تأثير “التيك توك” على جودة الحياة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وقد يصل في بعض الأحيان إلى العنف نتيجة السلوك الاجتماعي، وكما رصد العديد من الدراسات سلوكيات عدوانية ضمن مقاطع الفيديو المعروضة على التطبيق، والتي تصنف ضمن القيم السلبية والسلوكيات غير الأخلاقية.
وعلقت “أسماء” على وجود قلق كبير بشأن “الغزو الثقافي الفكري”، الذي قد لا يتناسب مع عادات وتقاليد، وأديان الدول العربية بشكل خاص، حيث لم يعد “التيك توك” مجرد تطبيق لمقاطع مسلية؛ بل أصبح ساحة مواجهة ثقافية مكشوفة.
ونوهت على المستخدمين الذين انقسموا بين مؤيدي ومعارضي لمحتوى “التيك توك”، حيث يعتبر في جوهره انقسام حول هوية المجتمع، وقيمه، وشكل مستقبله، ويأتي الخطر أن هذه المنصة لا تقف على الحياد، بل تغذي الانقسام عبر خوارزميات تصنع من الجدل وقودًا لمزيد من المشاهدات.
وتابعت الدكتورة حديثها قائلة: «هنا تبدأ الديناميكية الأخطر، كل طرف يجد نفسه محاصرًا في “فقاعة فكرية” تعكس له ما يريد أن يسمعه ويراه، وتزرع داخله قناعة أن الطرف الآخر هو العدو، وهذا الانغلاق الفكري، الممزوج بسرعة انتشار الفيديوهات وقدرتها على إثارة الانفعال اللحظي، يصنع بيئة مشبعة بالتوتر وسريعة الاشتعال».
واستكملت: «عندما تلتقي هذه البيئة الرقمية المشحونة مع أرض واقع مليئة بالأزمات الاقتصادية أو السياسية، يتحول في ظل ظروف معينة، إلى تعبئة جماهيرية وفوضى في الشارع، وربما إنهيار أنظمة إذا تزامن مع ضعف مؤسسات الدولة».
واختتمت الدكتورة حديثها بأن الخطر الحقيقي ليس في الفيديو ذاته، بل في التراكم النفسي، والاجتماعي، والسياسي، الذي تصنعه هذه المنصة ببطء، حتى تصبح قادرة على إعادة تشكيل المزاج العام، وربما قلب موازين القوى في أي بلد هش.
وزارة الداخلية تشن حملات أمنية لضبط التيك توكرز المسيئين للمجتمع
ويجب تسليط الضوء على دور وزارة الداخلية في ردع هؤلاء الأشخاص عن أفعالهم المخلة بالمجتمع، حيث شنت الأجهزة الأمنية بكافة مديريات الأمن حملات لضبط صانعي تلك المحتويات، والبحث ورائهم لمعرفة ما الذي جعلهم يقدمون تلك الفيديوهات، ومن أين يحصلون على الأموال الباهظة.
وعلى الرغم من حذف “التيك توك” المحتوى المخالف إذا تم الإبلاغ عنه، لكن سرعة النشر والكم الكبير من الفيديوهات القصيرة يجعل جزء منه يظل متاح لفترة طويلة، فـ قلة وعي بعض المستخدمين تجعل العصابات تستغل فقر وضعف تلك الفئة، لعمل أفعال سيئة تضر بهم وبالمجتمع.
ولذلك يعد “التيك توك” سلاح ذو حدين، حيث يمكن استخدامه للإبداع، والتعبير، والتعليم، أو يستخدم لهدم مجتمع بأكمله، فهو مرآة لما يدور في عقول وأفكار مستخدميه، وتقع المسؤولية على عاتق الفرد والمجتمع والدولة، وهذا لضمان أن تظل التكنولوجيا أداة للبناء، وليس وسيلة للهدم.