إنفراد – نسمة هاني
رغم الحملات المتكررة التي تُطلقها الدولة لمكافحة سرقات الكهرباء، فإن هذه الظاهرة لا تزال تُلاحَق في العديد من الأحياء الشعبية وحتى بعض المناطق الحضرية، سواء عبر التوصيلات غير القانونية من الأعمدة أو التلاعب بالعدادات أو تركيب وصلات خلف العداد، ومع تزايد انتشارها، لم تعد مجرد تصرف فردي عابر، بل جريمة صريحة نصّ عليها القانون بعقوبات واضحة وصارمة تهدف إلى الردع والحفاظ على الشبكة الكهربائية من العبث.
بيّنت المحامية إيناس عبدالمقصود، أنّ قانون الكهرباء المصري رقم 87 لسنة 2015 تضمّن عقوبات واضحة وصارمة لمواجهة جرائم سرقة الكهرباء والتعديات على الشبكة الكهربائية.
وذكرت أنّ المادة 70 من القانون تنص على معاقبة من يستولي بغير حق على التيار الكهربائي بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على سنتين، وبغرامة مالية تتراوح بين عشرة آلاف إلى مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
وأوضحَت أنّ المادة 71 غلّظت العقوبة في حالة تكرار الجريمة، حيث نصّت على الحبس لمدة لا تقل عن سنة، والغرامة التي لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تزيد على مائتي ألف جنيه، أو بإحدى العقوبتين، مبيّنة أنّ المحكمة في جميع الحالات تلزم الجاني برد مثلي قيمة استهلاك الكهرباء المسروق، كما أجاز القانون التصالح الجنائي، الأمر الذي يؤدي إلى انقضاء الدعوى إذا تم قبل إحالتها للمحاكمة.
ولفتت إلى أنّ المادتين 68 و69 عالجتا صورًا أخرى من الجرائم؛ حيث نصّت المادة 68 على معاقبة من يتعدى أو يتسبب في إتلاف المنشآت الكهربائية أو تخريب المعدات بالحبس مدة قد تصل إلى ثلاث سنوات وبغرامة تصل إلى خمسمائة ألف جنيه، مع تشديد العقوبة إذا ترتب على ذلك أضرار بالأرواح أو الممتلكات، أما المادة 69 فقد قررت عقوبة الحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات، وغرامة تصل إلى مليون جنيه، لكل من يزاول أنشطة الكهرباء بدون ترخيص، وتتضاعف العقوبة في حالة العود.
وأضافت المحامية أنّ بعض الأشخاص يقومون بتوصيل أسلاك للكهرباء من خلف العداد لتجنب تسجيل الاستهلاك، مؤكدة أنّ هذا الفعل يُعتبر سرقة صريحة ومخالفة قانونية كبيرة.
وأشارت إلى أنّ العقوبة قد تصل إلى غرامة مالية كبيرة أو الحبس، موضحة أنّ خطورتها لا تقتصر على الإضرار بشركة الكهرباء، بل تمتد إلى تهديد الشبكة الكهربائية بأحمال زائدة قد تؤدي إلى حرائق أو أعطال جسيمة.
تحركات الدولة لمواجهة سرقات الكهرباء
أدخلت الدولة تعديلات على قانون الكهرباء رقم 87 لسنة 2015 لتشديد العقوبات؛ فأصبحت السرقة أو التلاعب بالعدادات جريمة يعاقب مرتكبها بالحبس مدة لا تقل عن سنة، وغرامة من 100 ألف إلى مليون جنيه، مع مضاعفة العقوبات في حالة التكرار.
وفي حال تسببت السرقة في انقطاع التيار، يرتفع الحد الأدنى للعقوبة إلى سنتين، وتصل الغرامة إلى 2 مليون جنيه، كما تم تطبيق نظام العدادات الكودية المسبقة الدفع لتفادي التعامل بعدادات غير قانونية، واحتساب الاستهلاك على أعلى شريحة سعرية، مع حرمان المخالف من أي دعم.
إلى جانب ذلك، نُفذت حملات تفتيشية موسعة، مُنح خلالها بعض موظفي وزارة الكهرباء صفة الضبطية القضائية لكشف المخالفات وضبط المتعدّين، فضلاً عن حملات توعية إعلامية للتحذير من العقوبات القانونية والتأكيد على خطورة هذه الممارسات غير المشروعة.
أبعاد قانونية أخرى.. التصالح والفصل بين الجنحة والجناية
يُذكر أنّ قانون الكهرباء لم يقتصر على تحديد العقوبات فقط، بل منح فرصة للتصالح في بعض الحالات، حيث نصّ على أنّ التصالح يتم مع شركات توزيع الكهرباء مقابل سداد قيمة الاستهلاك غير المشروع، وهو ما يؤدي إلى انقضاء الدعوى الجنائية إذا تم قبل صدور حكم نهائي.
كما ميّز القانون بين الجنح والجنايات المرتبطة بسرقة الكهرباء؛ فإذا كان التلاعب أو السرقة مقترنًا بتهديد لحياة المواطنين أو تسبب في حرائق وانقطاع واسع للتيار، تُكيَّف القضية كجناية بعقوبة مغلظة قد تصل إلى السجن المشدد، أما في حالات التوصيلات البسيطة أو التلاعب بالعدادات، فإنها تُعامل كجنحة يعاقب مرتكبها بالحبس أو الغرامة.
في النهاية لم يعد التلاعب بالكهرباء أو سرقتها مجرد حيلة للهروب من الفواتير، بل جريمة مكتملة الأركان تواجه بعقوبات مشددة تصل إلى السجن والغرامات الضخمة، فالقانون لا يفرّق بين من يمد سلكًا خلسة ومن يعبث بعداد رسمي؛ كلاهما معتدٍ على المال العام ومهدد لأمن الشبكة الكهربائية، ومع استمرار الدولة في حملاتها التفتيشية وتشديد الردع القانوني، يبقى الطريق الآمن والوحيد هو الالتزام بالقانون وتسديد الاستهلاك بالطرق المشروعة، فالكهرباء خدمة وطنية وليست غنيمة تُسرق.