إنفراد ـ بسمة البوهي
في ظل تصاعد الأحداث في أراضي غزة، وتكرار الإعتداء على المدنيين، وهذا شجع على ظهور تصريح لافت في مؤتمر القمة العربية الذي إقيم في الدوحة، “أن عدم محاسبة إسرائيل دفعها للإستمرار في جريمتها”، وهذا لم يكن مجرد تعبير عن الغضب، بل يعكس شعوراً جماعياً بالإحباط من غياب العدالة الدولية، وعدم قياس المعايير الصحيحة في التعامل مع القضية الإنسانية والسياسية، فهل فعلاً ساهم غياب المحاسبة في إستمرار الانتهاكات، ويمكن إعتبار الصمت الدولي شكلاً من أشكال التواطؤ الغير المباشر.
الدكتور محمد خالد يوضح أن الضمان الأكبر لتفوق إسرائيل هي أمريكا والتشجيع على تهجير الفلسطينيين
يوضح الدكتور محمد خالد شعبان، محلل سياسي إيران، أنه لا يمكن إغفال حقيقة أن الدعم الأمريكي الكامل لإسرائيل هو الركيزة الأساسية لاستمرارها في سياساتها العدوانية، والولايات المتحدة ليست مجرد حليف سياسي أو عسكري، بل هي الضامن الأكبر لتفوق إسرائيل، مما يجعلها في مأمن من أي محاسبة دولية حقيقية.

الدكتور محمد خالد شعبان، محلل سياسي إيران
ويستكمل المحلل السياسي إيران، وما يجري اليوم ليس وليد اللحظة، بل هو تنفيذ لخطة أعدت منذ أكثر من عام، هدفها الأساس تهجير السكان وتفريغ غزة من أهلها، وهذا المشروع ليس عفوياً، بل يعكس سياسة ممنهجة ومقصودة.
يضيف الدكتور محمد، أن رغم انعقاد القمة العربية الإسلامية في الدوحة، إلا أن القرارات والإجراءات لم تكن بالقوة الكافية، ويرجع ذلك إلى عدة أسباب منها: الانقسام الداخلي بين الدول العربية، وجود قواعد أمريكية في أراضي بعض هذه الدول، المصالح الاقتصادية والسياسية الكبيرة المشتركة بينها وبين الولايات المتحدة، ولذلك لا يمكن القول ببساطة “إن عدم محاسبة إسرائيل في القمة هو ما دفعها للاستمرار”، بل إن عوامل أعمق وأكثر تعقيداً تقف وراء المشهد.
مصر.. القوة الوحيدة القادرة على المنع وسياسية الاعتدال
يؤكد “شعبان” أن الدولة الوحيدة القادرة على ردع إسرائيل عسكرياً هي مصر، لكن السياسة المصرية تقوم على الاعتدال، وترفض الدخول في مواجهة مباشرة أو “الحرب بالنيابة عن الآخرين”، فالموقف المصري ثابت وواضح، لأن غزة جزء من الأمن القومي المصري، ومصالح البلاد تقتضي إدارة الملف بحكمة وعقلانية، مع إدراك أن معظم الدول لن تتحرك لمساندة مصر إذا دخلت في مواجهة منفردة.
بين المحلل السياسي، أن مصالح بعض الدول العربية مع الولايات المتحدة وإسرائيل تتجاوز أي قرارات قد تصدر عن القمم، فمثلاً قطر التي تعرضت لضربة إسرائيلية بعلم الولايات المتحدة، وعادت بعد أيام لتعلن عبر وزير خارجيتها ضرورة تعزيز التعاون العسكري معها، بل وشاركت في مناورات عسكرية مع إسرائيل، وساهمت في تطوير قاعدة العديد الأمريكية، وبالتالي فإن قرارها لا يمكن أن يكون ضد إسرائيل.
أشار الدكتور محمد خالد، رغم صعوبة محاسبة إسرائيل حالياً في ظل الهيمنة الأمريكية، إلا أن هناك بوادر لتحركات دولية جديدة، فالجمعية العامة للأمم المتحدة ستشهد إعلان عدد من الدول الأوروبية اعترافها الرسمي بدولة فلسطين، من بينها فرنسا وإسبانيا، وربما بريطانيا وأستراليا أيضاً، لكن تظل هذه التحركات رمزية ما دامت الولايات المتحدة، باعتبارها القوة الأعظم في العالم، مستمرة في دعمها الكامل لإسرائيل.
وأختتم الدكتور محمد، أن الواقع يفرض علينا الاعتراف بأن العالم لم يشهد بعد القوة التي يمكنها أن توقف الولايات المتحدة، ورغم وجود محاولات لإعادة صياغة النظام الدولي، إلا أن هذا الهدف لم يتحقق حتى الآن، ومصر أعلنت موقفها هذا صراحة على لسان رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزير الخارجية، مؤكداً أن الرؤية المصرية ثابتة وواقعية، وأن النظر إلى الملف الفلسطيني ينطلق من إدراك موازين القوى الحقيقية في العالم.
وفي النهاية إستمرار إسرائيل في إرتكاب الجرائم دون الوقوف أمامها، يضع المجتمع الدولي أمام إختبار أخلاقي حقيقي، فأما أن يتحرك لوقف هذه الانتهاكات، أو يظل شريكاً خفياً يشارك في العدوان، وأن القمه في الدوحة كانت هي صرخة في وجة هذا الصمت، لكنها تحتاج إلى ترجمة عملية تتجاوز البيانات.
وإن ما يحدث ليس مجرد صراع سياسي، بل مأساة إنسانية تتكرر كل يوم، وغياب المحاسبة لا يضر فقط بالضحايا، بل يهدد مستقبل العدالة في العالم، وإذا لم تتحرك الدول الأن فسوف تكون شريكة في صناعة الألم للشعوب وخاصة شعب غزة، فلهذا يجب أن يكون هناك إجماع على ضرورة محاسبة إسرائيل.