تحقيق – إيمان أشرف
يشهد البحر الأبيض المتوسط تصاعد التوتر، وذلك بعد اعتراض البحرية الإسرائيلية لأسطول «الصمود»، الذي يتكون من حوالي 44 قاربًا، حيث انطلق من عدة دول حاملًا نشطاء دوليين، ومساعدات للشعب الفلسطيني في فك الحصار المفروض على قطاع غزة.
تحت أعين الإعلام العالمي، ووسط متابعة دبلوماسية مشحونة، تحول أسطول «الصمود» إلى عنوان جديد للأزمة في البحر الأبيض المتوسط، وفي ظل رفع شعار «المساعدات الإنسانية» على متن سفنه، إلا أن تعامل الكيان الإسرائيلي مع القافلة باعتبارها تهديدًا مباشرًا لأمنها، وحصارها المفروض على غزة، لتتخذ قرارًا باعتراضها، وإحباط وصولها.
فتح قرار الكيان الإسرائيلي جدلًا واسعًا، حول شرعية ما قامت به إسرائيل في البحر، وحول التداعيات التي قد تنعكس على علاقاتها مع دول شارك مواطنوها في الأسطول من دول عربية وأوروبية.
أعلن منظمو أسطول «الصمود»، أن بحرية الاحتلال الإسرائيلي اعتراضت 40 قاربًا من أصل 44، على متنهم نحو 500 مشارك، كانت في طريقها إلى قطاع غزة، ضمن مهمة دولية تهدف إلى كسر الحصار المفروض على القطاع، وإيصال المساعدات، في ظل استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية منذ نحو عامين.
نشر منظمو الأسطول فيديوهات، تظهر اقتحام الاحتلال مدججة بالسلاح سفنًا في المياه الدولية، واعتقال الناشطين المتواجدين على متنها، وبدورها قالت وزارة الخارجية الاحتلال إنه سيتم ترحيل المعتقلين إلى أوروبا، دون الكشف عن مصير السفن والمساعدات الإنسانية التي تم الاستيلاء، واقتيادها إلى ميناء أسدود.
برغم ذلك، صرح أسطول «الصمود» في بيان له وصول أول سفينة، والتي تدعى «ميكينو» إلى قطاع المياه الساحلية لقطاع غزة بنجاح، بالإضافة لوجود 10 سفن على الأقل من أسطول الصمود ما زالت تواصل الإبحار، وباتت على مسافة 40 ميلًا بحريًا عن غزة.
تعلم إسرائيل أن وصول الأسطول إلى السواحل القطاع يعني إحياء القضية الفلسطينية في الإعلام العالمي، لذلك تحاول دومًا إخماد الاهتمام العالمي بالقضية، وبناء ونشر سيناريوهات تثبت احقيتها بامتلاك الأراضي الفلسطينية، ولكن يسلط الأسطول الأضواء على حرب الإبادة والإرهاب التي تمارسه إسرائيل ضد الشعب.
يظهر نجاح وصول أول سفينة من الأسطول، فشل إسرائيل في فرض الحصار، وتقييد إرسال المساعدات إلى القطاع، وبذلك يظل السؤال الذي يتردد في أذهان الكثير “لماذا تخشى إسرائيل وصول أسطول «الصمود»الى سواحل القطاع، وما المنتظر أن يشاهده المشاركون في الأسطول، عند وصولهم إلى السواحل الفلسطينية”.
يمنع نص القانون الدولي، لقانون الإبحار، اعتراض سفن مدنية في المياه، إلا في حالات خاصة كـ القرصنة، وتجارة المخدرات، او السلاح، وفي ضوء ذلك، يعتبر اعتراض سفن الاحتلال للسفن الإنسانية في مياه البحر، ما هو سوى انتهاك للقانون الدولي.
أدانت عدة دول الهجوم الإسرائيلي على الأسطول في المياه الدولية، حيث وصفت وزارة الخارجية التركية، في بيان لها، أن الاعتداء الإسرائيلي ما هو سوى «عمل إرهابي»، يعرض حياة المدنيين الارر ل للخطر، وأنه يشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، لا سيما وأنه يستهدف مدنيين يتحركون لغايات سليمة دون استخدام العنف.
قال رئيس وزراء إيرلندا، وزير الخارجية والدفاع “سيمون هاريس”، إن مهمة الأسطول سلمية، تهدف إلى تسليط الضوء على كارثة إنسانية مروعة، مشددًا على ضرورة الالتزام بالقانون الدولي، وضمان معاملة المشاركين في الأسطول على هذا الأساس، وغيرهم من الدول التي أدانت تلك التصرف بـ “العمل الإرهابي الوحشي”، و”عنف غير مقبول وانتهاك صارخ للقانون الدولي”.
أكد الدكتور “أحمد سيد أحمد” خبير العلاقات الدولية، أن ما قامت به قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد ما يُعرف بـ “قافلة الصمود”، يُعد انتهاكًا واضحًا للقانون الدولي، ويُعتبر «إرهاب دولة»، موضحًا أن اعتراض السفن، والاستيلاء عليها، واعتقال عدد من المتواجدين بها، وقع في المياه الإقليمية الدولية، وهو ما لا يجوز قانونيًا، خاصة أن السفن غير مسلحة، ولا تمثل تهديدًا عسكريًا.
أوضح “أحمد سيد أحمد” أن ما جرى يعكس إصرار الإحتلال على استمرار حصار غزة، وسياسة التجويع بحق الشعب الفلسطيني، مشيرًا إلى أن الموقف الأوروبي الآن أمام اختبار حقيقي لمدى مصداقيته تجاه حقوق الإنسان والقانون الدولي، خاصةً وأن عددًا من مواطنيه كانوا ضمن القافلة.
قال خبير العلاقات الدولية أن بعض الدول الأوروبية مثل «إيطاليا وإسبانيا» عبرت عن رفضها للانتهاكات الإسرائيلية، لكن الأهم أن تُترجم هذه المواقف إلى خطوات ضاغطة حقيقية، مثل العقوبات الاقتصادية، أو التحرك أمام المحاكم الوطنية والدولية؛ لمحاكمة المسؤولين الإسرائيليين.
أشار “أحمد” إلى أن الرأي العام الأوروبي متعاطف بشكل واضح مع القضية الفلسطينية ومع غزة، ورافض لسياسات الحصار، وهو ما دفع بعض الحكومات الغربية لتغيير مواقفها، والاعتراف بالدولة الفلسطينية، وإن كان رد الفعل الرسمي لا يزال أقل من مستوى الجرائم المرتكبة.
أضاف أن المتوقع من أوروبا هو الاكتفاء بمواقف سياسية، وخطابات انتقاد لإسرائيل، مستبعدًا اتخاذ خطوات فعلية مثل فرض العقوبات أو المقاطعة، معتبرًا أن ضغوط الولايات المتحدة تشكل مظلة حماية لإسرائيل، وتمنع أي تحرك أوروبي جاد.
نوه عن وجود سفن حماية لقوافل الصمود، موضحًا أنها ليست مخصصة لمواجهة الاحتلال، وإنما مجرد إجراءات إنقاذ في حالات طارئة، وهو ما يعكس غياب أي إرادة حقيقية من هذه الدول للحماية الفعلية.
علاوة على ذلك، أسقط خبير العلاقات الدولية الضوء على أن ما يجري يكرس صورة إسرائيل كدولة فوق القانون لا تحترم المواثيق الدولية، وهو ما يضاعف من عزلتها دوليًا، ويزيد من الغضب والتعاطف الدولي مع الشعب الفلسطيني، مشددًا على أن ما تقوم به إسرائيل جريمة جديدة تُضاف إلى سجلها من انتهاكات القانون الدوليؤ وممارسة إرهاب الدولة.
يظل أسطول الصمود أكثر من مجرد سفن تحمل مساعدات، فهو يحمل رسالة واضحة بأن إرادة الشعوب أقوى من الحصار، وأن الحق في الحرية والعيش الكريم لا يمكن أن يُقمع إلى الأبد.
في ضوء ذلك، يستمر الجدل حول شرعية الاعتراض الإسرائيلي، وتأثيره على العلاقات الدولية، ويبقى السؤال الأبرز “هل يتحرك المجتمع الدولي لحماية المبادرات الإنسانية، أم يظل صامتًا أمام انتهاكات متكررة تمس القانون والضمير الإنساني معًا؟”.