إنفراد ـ بسمة البوهي
في زمن تتسارع فيه العلاقات وتتشابك فيه المشاعر، أصبحت فترة الخطوبة أكثر من مجرد مرحلة تعارف تقليدية، لأنها تعد فترة من أهم المراحل التمهيدية في بناء علاقة زوجية ناجحة، وأيضًا هي إختبار حقيقي لمدى التفاهم والتوازن النفسي بين الطرفين، وتعد فرصة ذهبية لاكتشاف الشريك، وفهم الطباع وتحديد مدى التوافق النفسي والعاطفي بينهم، وليست مجرد وقت للفرح والتجهيز لحفل الزفاف.
ومن هنا تبرز أهمية الاستعانة برؤية الدكتور النفسي الذي يسلط الضوء على الجوانب النفسية الدقيقة التي قد يغفل عنها الطرفين، ويوجههم نحو تواصل صحيح واتخاذ قرارات مبنية على وعي ونضج بعيدًا عن الانجراف وراء العاطفة فقط، وأنه ليس كطرف ثالث يتدخل، بل كمرشد يساعد على فهم الذات والشريك وتجاوز العقبات النفسية التي قد تظهر في هذه المرحلة الحساسة، فالنصائح النفسية ليست رفاهية بل ضرورة لبناء علاقة صحية ومستقرة من البداية.
الدكتور النفسي يوضح تكوين الشخصية.. مزيج من الوراثة والتربية والثقافة
يقول الدكتور عاطف الشوبكي: أود التنويه إلى أن المؤثرات التي تشكل شخصية الإنسان تتنوع ما بين الوراثية والنفسية والاجتماعية، وأضيف أيضًا الثقافية، وبالتالي فالإنسان في حاجة إلى تعزيز تلك العناصر المختلفة بالمعلومات والمهارات اللازمة لتكوين الشخصية السليمة وليست المرضية.

الدكتور عاطف الشوبكي طبيب نفسي
ويتابع الدكتور النفسي، أن ربما يساعد الطبيب أو الأخصائي النفسي الشخص في التعرف على سمات شخصيته من خلال المقابلة أو المقاييس مثل مقياس SCID1 أو مقياس الشخصية متعددة الأوجه MMPI، لكن الشق الاجتماعي وتفاعله، والثقافي وتطوره، لهما دور مهم في بناء الشخصية من خلال التفاعل والتعلم واكتساب الخبرات، وقد يعالج ذلك أوجه قصور ليست مكانها العيادة النفسية.
القبول والمظهر الاجتماعي.. أول مفاتيح الارتباط الناجح
أشار الدكتور عاطف، أن فترة الخطوبة، هي فترة مهمة جدًا، تبدأ من الجزء الشكلي من القبول وربما الجاذبية من الطرفين، كما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أحد الصحابة حين خطب امرأة فقال: أنظرت إليها؟ قال: لا، فقال صلى الله عليه وسلم: “انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما”، وهو شق مهم للأهل خصوصًا أهل الفتاة، وهو مهم لإحساس الطرفين بأن لديهم ما يقبل عليهم الآخرون، بالإضافة إلى القدرات المادية والتوافق الاجتماعي.
ويستكمل “الشوبكي” أما الشق الموضوعي فهو تقديري مهم، يحتاج إلى بصيرة، لأن أحد الطرفين قد يكون مناسبًا الآن، لكن تغير الظروف المستقبلية قد يجعل الحياة صعبة وتتغير عندها الشخصية مثل التدهور المالي أو الاجتماعي أو العكس، ولذلك كان العرف العام في المجتمع استخدام مصطلح “النصيب” عند الحديث عن الزواج والإقدام عليه، رغم ما قد يواجه المرء من صعوبات، وأميل إلى الشخصية السليمة الناضجة لأنها تمكن من تفريغ الطاقات الجسدية والنفسية والروحية والاجتماعية لتكوين أسرة.
يؤكد الدكتور أن من المعروف لدى المجتمع النصيحة عند الزواج بصلاة الاستخارة، لذلك السبب أنه لا يعلم المستقبل وتغيراته وصموده إلا الله، وعمومًا لا ننسى أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملًا، فربما كان العوض عند الصعوبات من استمرار نجاح الأسرة أو قيامها بعد تعثرها.
ويتابع الطبيب النفسي، فطالما أننا نأخذ بالأسباب ونحاول علاج مظاهر القصور لدينا باستمرار، فإن الإيجابية تظل هي سر الصحة النفسية، وهي ما يمنح الإنسان القدرة على التكيف والصمود أمام التحديات المختلفة في الحياة الزوجية.
وفي النهاية فإن الإستماع إلى نصائح الدكتور النفسي خلال فترة الخطوبة ليس دليلًا على وجود خلل، بل هي خطوة واعية نحو بناء علاقة متينة ومستقرة، وأن الإستفادة من خبرة الدكتور النفسي خلال هذه الفترة يمكن أن تكون فارق بين علاقة تنمو وتظهر، وأخرى تنهار تحت ضغط التوقعات وسوء الفهم.
فالفهم العميق للذات وللشريك والتعامل مع التحديات بعقلانية يساهمان في تاسيس حياة زوجية قائمة على الإحترام والتفاهم، فكلما كان الطرفين أكثر وعيًا بذاتهم وباحتياجاتهم النفسية زادت فرصة نجاح العلاقة واستمرارها، فلذلك فلنجعل هذه المرحلة فرصة للنمو لا مجرد محطة عابرة ولنعطي أنفسنا الحق في طلب المساعدة التي تقودنا إلى قرارات أكثر اتزانا وسعادة، ولا نخجل من طلب المساعدة في العلاقة القوية تبنى على أسس من الصراحة، والنصح والدعم النفسي المتبادل.






