إنفراد – نسمة هاني
في الفترة الأخيرة تصاعدت بلاغات انتهاك الأطفال والتحرش الجنسي بالقُصّر، سواء من بالغين أو من أطفال تجاه أطفال آخرين، وهي وقائع تهز الرأي العام وتكشف هشاشة بيئة الحماية داخل الأسرة والمدرسة والشارع، وعلى الرغم من توسّع التوعية المجتمعية، ما زالت كثير من الأسر تتردّد في الإبلاغ خوفًا من “الفضيحة” أو من وصم طفلها، الأمر الذي يسمح للجناة بالإفلات ويترك الضحايا في دائرة صمت مدمّرة.
وتكشف هذه الوقائع واقعًا أكثر تعقيدًا مما يبدو، إذ أصبحت منصات التواصل الاجتماعي واحدة من مصادر كشف الجرائم، بينما يبقى كثير من الحالات بعيدًا عن العلن لغياب الوعي القانوني لدى الأسر، القانون المصري تعامل بشكل حازم مع هذا النوع من الجرائم، وخصوصًا حين يكون الضحية طفلًا، إذ اعتبر أن أي “موافقة” من طفل على فعل جنسي غير ذات قيمة قانونية، لأن الطفل لا يملك الأهلية لفهم الفعل أو تبعاته.
القانون بين الحماية والعقاب: ماذا تقول المحامية إيناس
قالت المحامية إيناس عبد المقصود: إن القانون المصري يتعامل بصرامة شديدة مع جرائم التحرش أو الاعتداء الجنسي على الأطفال، موضحة أن أي فعل ذي طابع جنسي يقع على طفل، سواء بالإيحاء، اللمس أو التعرض المباشر، يُعد جريمة مكتملة الأركان، لأن الطفل لا يملك الأهلية القانونية للموافقة أو فهم طبيعة الفعل.
وأوضحت المحامية إيناس أن التعديلات الأخيرة على قانون العقوبات شددت العقوبات المتعلقة بالتحرش بالأطفال، حيث يعاقب المتهم بالحبس مدة لا تقل عن سنتين، إضافة إلى غرامة مالية كبيرة قد تصل إلى 200 ألف جنيه، وذلك في حالات الإيحاءات الجنسية أو السلوك غير اللائق أو اللمس ذي الطابع الجنسي.
وأضافت أن العقوبة تصبح أكثر قسوة في حال كان الجاني ممن لهم سلطة أو ولاية على الطفل، مثل المعلمين أو الأقارب أو المدربين، حيث تصل مدة السجن إلى سنوات طويلة، باعتبار أن استغلال السلطة ظرف مشدد يغلّظ العقوبة ويمنع تخفيفها.
وأشارت المحامية إلى أن جرائم هتك العرض أو الاعتداء الجنسي الكامل على طفل تُصنف كجنايات خطيرة، قد تصل عقوبتها إلى السجن المشدد، وتتضاعف العقوبة إذا تضمن الفعل تهديدًا أو تصويرًا أو استخدام أدوات أو أي نوع من أنواع الإكراه.
كما لفتت إلى أن الاستغلال الجنسي أو التجاري للأطفال، مثل تصويرهم أو استخدامهم في محتوى غير لائق، يدخل ضمن نطاق جرائم الاتجار بالبشر، ويواجه مرتكبها أحكامًا مشددة قد تصل إلى السجن لسنوات طويلة مع فرض غرامات مالية كبيرة، خاصة عندما يكون هناك عائد مادي أو شبكة منظمة تستغل الطفل.
واختتمت المحامية تصريحاتها بالتأكيد على أن القانون لا يعاقب الأطفال جنائيًا في حال وقوع فعل بين طفلين، بل يتعامل مع الأمر كإشارة خطر تستوجب تدخلًا عاجلًا من جهات حماية الطفل، مع التشديد على ضرورة الإبلاغ وعدم التستر تحت أي ظرف، حفاظًا على سلامة الأطفال وحمايتهم من أي تكرار أو تصعيد.
الوقاية والتوعية.. الدرع الحقيقي لحماية الأطفال
وأكدت المحامية إيناس عبد المقصود أن العقوبات القانونية وحدها لا تكفي لحماية الأطفال، مشددة على أهمية التوعية الأسرية والمجتمعية، وأوضحت أن تعليم الأطفال حدود أجسادهم وكيفية التعبير عن أي مضايقة، بالإضافة إلى تدريب الأهل على ملاحظة أي سلوك غريب أو إشارات خطر، يشكل خط الدفاع الأول ضد الانتهاكات.
وأضافت أن المدارس والمؤسسات التعليمية تلعب دورًا مهمًا من خلال برامج التثقيف الجنسي الآمن، وتدريب المعلمين على اكتشاف السلوكيات المثيرة للقلق والتعامل معها بالشكل القانوني الصحيح، وأكدت أن المجتمعات التي تتمتع بوعي قانوني ومجتمعي حول حماية الطفل، جنبًا إلى جنب مع تطبيق صارم للقانون، تكون أقل تعرضًا لجرائم التحرش أو الاستغلال الجنسي.
كيف تحمي طفلك من الانتهاكات وتكسر دائرة الصمت
أكدت المحامية إيناس عبد المقصود أن دور الأهل لا يقتصر على الإبلاغ فقط، بل يشمل مراقبة الطفل والتواصل معه بطريقة تحميه من الانتهاكات، من أهم الخطوات التي يجب على كل أسرة اتباعها، التحدث بصراحة مع الطفل عن جسده وحقوقه وحدود الآخرين، مع التأكيد على أنه يجب عليه الإبلاغ فورًا عن أي مضايقة أو سلوك غير لائق.
كما شددت على أهمية مراقبة النشاط الرقمي للطفل على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، والتأكد من عدم تعرضه لأي محتوى ضار أو تواصل مريب قد يشكل تهديدًا له إضافة لذلك، ينبغي على الأهل ملاحظة أي تغيرات في سلوك الطفل أو حالته النفسية، مثل الانطواء المفاجئ، الخجل، أو كوابيس النوم، إذ قد تكون مؤشرات على تعرضه لمضايقة أو اعتداء.
وأوضحت “عبد المقصود” أن التستر على أي إشارة تحرش، مهما بدت بسيطة، قد يسمح للجاني بالاستمرار، لذلك يجب على الأهل التعامل مع كل إشارة بجدية، كما أكدت أن الإبلاغ الفوري للجهات المختصة عند الشك أو وقوع أي حادث يعد خطوة أساسية لضمان حماية الطفل ومعاقبة المتسبب، مشيرة إلى أن التفاعل السريع والوعي الأسري يشكلان خط الدفاع الأول لحماية الأطفال ويحدّان من أي أثر سلبي طويل المدى للانتهاك.
في النهاية، تكشف هذه المعالجة القانونية الصارمة أن العقوبات وحدها لا تكفي لحماية الأطفال ما لم يصاحبها وعي مجتمعي حقيقي، وكشف مبكر لأي محاولة انتهاك أو اعتداء، فالصمت هو الشريك الأول للجناة، بينما الإبلاغ المبكر واليقظة الأسرية هما الحصن الذي يمكن أن ينقذ طفلًا ويمنع مأساة أكبر.
حماية الأطفال ليست مسؤولية القانون وحده، بل تقع على عاتق كل أسرة ومؤسسة تعليمية أو مجتمعية، قادرة على التدخل قبل أن يتحول الخطأ إلى جريمة، والجرح إلى أثر لا يُمحى، إذ يشكل التعاون بين الأسرة، المدرسة، الجهات القانونية، والمجتمع المدني شبكة حماية متكاملة، تمنع استغلال الأطفال أو تعرضهم لأي أذى جسدي أو نفسي.
كما أن التوعية المستمرة للأطفال والأهل، بما يشمل تعليم الطفل حدود جسده وحقه في رفض أي سلوك غير لائق، بالإضافة إلى مراقبة البيئة الرقمية التي يتفاعل فيها، تعتبر خط الدفاع الأول ضد أي محاولة استغلال، وإلى جانب الإجراءات القانونية، فإن الدعم النفسي الفوري للطفل بعد أي تجربة مؤذية يخفف آثارها النفسية ويمنحه القدرة على استعادة شعوره بالأمان والثقة.
في المحصلة، يكشف الواقع أن حماية الأطفال مسؤولية جماعية؛ القانون يشكل الإطار الصارم للعقاب، لكن المجتمع الواعي والأسرة اليقظة هما الدرع الحقيقي الذي يمنع الانتهاكات قبل وقوعها، ويحول دون أن تتحول لحياة مدمّرة، كل خطوة وقائية، كل كلمة توعية، وكل إبلاغ في الوقت المناسب، تُعد خطوة نحو مجتمع أكثر أمانًا للأطفال، وأكثر قدرة على كسر دائرة الصمت التي يستغلها الجناة.





