تقرير – حسناء منصور
كان الفانوس في الأصل مصباحًا، استخدمه الناس كوسيلة للإنارة خاصة عند الذهاب إلى المساجد ليلًا”بيكسابي” وبمرور الوقت تحول إلى تقليد رمضاني، وبدأت صناعة الفوانيس في العصر الفاطمي بمصر، حيث كان هناك مجموعة من الحرفيين يصنعون الفوانيس ويخزنونها حتى حلول شهر رمضان.
وارتبط شهر رمضان المبارك، بعدد من الطقوس التي تضيف البهجة للمنازل والشوارع خاصًة مع استمرارها منذ زمن بعيد، ويعد فانوس رمضان من أشهر هذه الطقوس، فما زالت العائلات تحرص على اقتنائه لتزيين المنازل والشوارع والمتاجر، كما أنه يمنح الأطفال بهجة خاصة للشهر الكريم.
وبدأت قصة الفانوس منذ ما يزيد قليلًا على ألف عام، عندما كان القاهريون يتوقعون وصول الخليفة الفاطمي المعز لدين الله ليلًا في الخامس من رمضان عام 358 هجرية.
حيث أمر القائد العسكري جوهر الصقلي، ونائب الملك في ذلك الوقت، سكان المدينة بإضاءة الطريق بالشموع، فوضع سكان القاهرة الشموع على قواعد خشبية وغطوها بالجلود، لتجنب انطفائها، ومن هنا كانت بداية ظهور الفانوس كطقس رمضاني.
وليست تلك هى الحكاية الوحيدة المدونة في التاريخ، حيث يحكى أيضًا أن أسر وعائلات القاهرة اعتادت مرافقة الخليفة الفاطمي في رحلته عبر المدينة، مرورًا ببوابات القاهرة القديمة، باب الفتوح وباب النصر في طريقه إلى المقطم لاستطلاع هلال رمضان.
وكان الجميع أثناء تلك الرحلة، كبارًا وصغارًا يحملون فانوسًا لإضاءة الطريق، وهم يغنون احتفالًا بقدوم الشهر الكريم، وتقول رواية أخرى إن الخليفة الفاطمي المعز لدين الله أراد إضاءة المساجد طوال شهر رمضان بالفوانيس والشموع، فأمر بتعليق فانوس على باب كل مسجد.
وبالإضافة إلى أن من الحكايات الغريبة المدونة، عن تاريخ ظهور الفانوس تبقى حكاية الخليفة الحاكم بأمر الله هى الأغرب، تقول القصة إنه في القرن العاشر الميلادي، حرم الحاكم بأمر الله خروج النساء من منازلهن طوال العام، باستثناء شهر رمضان.
واستعملت الفوانيس من قبل غلام يقود النساء في طريقهن إلى المساجد، حتى يلاحظ المارة وجودهن في الطريق فيفسحوا لهن المجال للمرور، بالإضافة إلى ذلك، أصدر الخليفة الحاكم بأمر الله أمرًا بتركيب فوانيس في كل زقاق وأمام كل منزل، وتغريم كل من يعصي الأمر، لذلك ازدهرت صناعة الفوانيس في القاهرة بشكل ملحوظ.
ويذكر المقريزي في كتابه”المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار” أن الفانوس كان يوجد في مصر من قبل دخول الإسلام، وذلك منذ احتفالات أقباط مصر بعيد الميلاد، ويقول”وأدركنا الميلاد بالقاهرة ومصر وكان موسمًا جليلًا، تباع فيه الشموع المزهرة بالأصباغ المليحة والتماثيل البديعة بأموال لا تنحصر، فلا يبقى أحد من الناس أعلاهم وأدناهم حتى يشتري منهم لأولاده وأهله، وكانوا يسمونها الفوانيس، ويعلقونها في الأسواق والحوانيت، ويتنافس الناس في المغالاة في أسعارها”.
وفي بداية الأمر صنعت الفوانيس من الصفيح الرخيص، ثم تطورت وأصبحت فنًا حرفيًا، وأصبح الفانوس يزين بالنقوش والزخارف اليدوية، وصنع من النحاس والزجاج الملون، مع قاعدة خشبية توضع فيها الشمعة.
ومع الوقت تطور شكل الفانوس واستخدم الزجاج المصقول مع فتحات مختلفة تغير شكل الإضاءة، وتغيرت بعد ذلك أحجام الفوانيس، وأصبحت تضاء بالفتيل والزيت بدلًا من الشموع.
وحدث ذلك التطور في صناعة الفانوس، بسبب أهمية الاحتفالات والأعياد في العصر الفاطمي، والتي كانت ذات أهمية ملحوظة بالنسبة للمصريين، وتحول الفانوس من أداة إنارة للمنازل والمساجد والمتاجر، إلى عنصر زخرفي واحتفالي ارتبط بشهر رمضان الكريم، خاصًة عندما استخدمه المسحراتي ليلًا أثناء مناداته للسحور.
وتسرب الفانوس المصري، رويدًا رويدًا إلى دول الجوار مثل دمشق وحلب والقدس وغزة وغيرها، وبعد ذلك أصبح هناك اسم لكل فانوس، منها فانوس تاج الملك، وفانوس الملك فاروق، وفانوس البرلمان، الذي يشبه القبة الشهيرة للبرلمان المصري.
وصناعة الفوانيس، ليست صناعة موسمية، ولكنها مستمرة طوال العام، حيث يتفنن صناعها في إبتكار أشكال ونماذج مختلفة، وتخزينها ليتم عرضها للبيع في رمضان الذي يعد موسم رواج هذه الصناعة، وتعد مدينة القاهرة المصرية من أهم المدن الإسلامية التي تزدهر فيها هذه الصناعة.
وهناك مناطق معينة مثل، منطقة تحت الربع القريبة من حي الأزهر، والغورية، ومنطقة بركة الفيل بالسيدة زينب من أهم المناطق التي تخصصت في صناعة الفوانيس، وخلال جولة في منطقة تحت الربع، تجد أشهـر ورش الصناعة، وكذلك أشهر العائلات التي تتوارثها جيلًا بعد جيل.
وتعتبر الفوانيس المصرية عمرها طويل، وقد شهدت هذه الصناعة تطورًا كبيرًا في الآونة الأخيرة، فبعد أن كان الفانوس عبارة عن علبة من الصفيح توضع بداخلها شمعة، تم تركيب الزجاج مع الصفيح مع عمل بعض الفتحات التي تجعل الشمعة تستمر في الاشتعال.
بدأت مرحلة أخرى تم فيها تشكيل الصفيح وتلوين الزجاج ووضع بعض النقوش والأشكال، وكان ذلك يتم يدويًا، وتستخدم فيه المخلفات الزجاجية والمعدنية، وكان الأمر يحتاج إلى مهارة خاصة ويستغرق وقتًا طويلًا.
ويشير الدكتور عبدالرحيم ريحان، الخبير الأثري المصري، إلى أصل كلمة”وحوي يا وحوي”، إلى المصري القديم فكلمة”أيوح”، معناها القمر، وكانت الأغنية تحية للقمر، وأصبحت منذ العصر الفاطمي تحية خاصة بهلال رمضان.
وهناك رأي آخر يقول إن وحوي يا وحوي أغنية فرعونية، والنص الأصلي للأغنية هو”قاح وي واح وي، إحع” وترجمتها باللغة العربية، أشرقت أشرقت يا قمر، وتكرار الكلمة في اللغة المصرية القديمة يعني التعجب، ويمكن ترجمتها ما أجمل طلعتك يا قمر وأغنية”وحوي يا حوي إيوحه” هى من أغاني الاحتفال بالقمر والليالي القمرية، وكان القمر عند الفراعنة يطلق عليه اسم”إحع”.
والجدير بالذكر أن رغم تعدد الحكايات التاريخية، يبقى من الواضح أن صناعة الفوانيس بدأت في العصر الفاطمي بمصر، حيث كان هناك مجموعة من الحرفيين يصنعون الفوانيس ويخزنونها حتى حلول شهر رمضان، ويقول المقريزي: إن الخليفة جمع 500 حرفي في أحياء القاهرة الفاطمية قبل شهر رمضان لصنع الفوانيس.