تحقيق – رحمه السعداوي
ماذا تفعل إذا كان كل من حولك في الحقيقة كلهم نفس الشخص، ويقومون بتغيير مظهرهم باستمرار من أجل خداعك، وهذا هو الشعور الذي يصيبك حين تذهب في رحلة إلى الجانب المظلم في عقلك، إنه ياصديقي وهم الفريجولي.
قالت سارة الذي تبلغ 28 عامًا: “كنت أعاني من وهم الفريجولي لفترة طويلة، حيث كنت أشعر دائمًا بأنني عاجزة وغير كفؤة، على الرغم من أنني حققت الكثير من النجاحات في حياتي المهنية، إلا أنني كنت دائمًا أشعر بأنني لا أستحقها وسأفشل في أي لحظة، بدأت بالتحدث مع مستشار نفسي، واكتشفت أن هذه الأفكار كانت تأتي من تجارب سلبية في طفولتي، ومن خلال العلاج تعلمت كيفية تغيير تفكيري، والتحكم في أفكاري السلبية.”
وتحدث أحمد البلغ من العمر 35 عامًا: “واجهت وهم الفريجولي عندما بدأت مشروعي الخاص، حيث كنت أشعر دائمًا بأنني لا أستحق النجاح وأن مشروعي سيفشل في النهاية، كانت هذه الأفكار تجعلني أتردد في اتخاذ القرارات الهامة وتقليل ثقتي بنفسي، بدأت بالبحث عن موارد للمساعدة وتلقيت العلاج النفسي الذي ساعدني في تحسين ثقتي بنفسي، وتطوير استراتيجيات للتعامل مع التحديات”.
وأفادت لينا البالغة من العمر 19 عامًا: “عانيت من وهم الفريجولي عندما تعرضت لحادث سيارة، حيث شعرت بالذنب والخوف المستمر من القيادة مرة أخرى، كانت هذه الأفكار تجعلني أشعر بالعجز والضعف، وكنت أتجنب السياقات التي تجعلني أواجه هذا الخوف بالعلاج النفسي، تعلمت كيفية التعامل مع هذه المشاعر والتغلب عليها، والآن أستطيع القيادة بثقة مرة أخرى”.
وتحدث حسن البالغ من العمر 30 عامًا عن تجاربتهم، فقال: “شعرت بوهم الفريجولي عندما بدأت مشروعًا جديدًا في عملي، حيث كنت أشعر بالقلق والشك المستمر بشأن قدراتي، وقدرتي على إدارة المشروع، كنت دائمًا أخشى أن يكتشف الآخرون أنني لا أعرف ماذا أفعل، وهذا جعلني أتجنب المهام الصعبة، وبدأت بالعمل مع مدرب نفسي، وتعلمت كيفية التعامل مع الضغوط والشكوك وتطوير مهاراتي القيادية”.
وفسر “استاذ حاتم استاذ علم النفس” ما هو وهم فريجولي، فقال: “ليوپولدو فريجولي من مواليد يوم 2 يوليه سنة 1867 في روما، مات في 26 نوفمبر سنة 1936 وهو ممثل وسينارست إيطالي، وسبب التسمية يعود لممثل إيطالي “Fregoli Leopoldo”، واشتهر بسرعة تغيير مظهره على المسرح”.
وأضاف “حاتم”: “والتعريف بالشخص الفريجولي هو ماذا لو كان أشقاؤك وأصدقاؤك ورئيسك في العمل، وجيرانك في الحقيقة كلهم نفس الشخص، الذي يغير مظهره باستمرار من أجل خداعك، ولكنه يستخدم مجموعة معقدة من التنكرات والأزياء لخداعك”.
وتابع “استاذ علم النفس”: “وهذا هو الشعور الذي يصيبك حين تذهب في رحلة إلى الجانب المظلم في عقلك، وقد تسمى أيضًا متلازمة فريجولي، وتم الكشف عن المرض لأول مرة عام 1927، من قبل اثنين من الأطباء النفسيين كوربون وفايل، عندما اتهمت امرأة باريسية شابة اثنين من الممثلات الباريسيات في ذلك الوقت”.
واستكمل “استاذ حاتم”: “فقامت سارة برنهاردت وروبين بمطاردتها، وأكدت أن الممثلتين كانتا تتنكران في شكل الأشخاص، الذين تعرفهم أو تقابلهم، بما في ذلك الغرباء الذين رأيتهم في الشارع والأطباء والأصدقاء وأرباب العمل السابقين، وتم الإبلاغ عن أقل من 50 حالة مصابة بهذا الاضطراب في جميع أنحاء العالم منذ ذلك الحين”.
وعن أشهر الحالات في المجتمع النفسي، تحدث “حاتم”، قائلًا: “وهى حالة بيتي وهى امرأة تبلغ من العمر 64 عامًا، عانت من سكتة دماغية تركتها مع بعض التلف في الدماغ، واعتقدت أن عشيقها السابق وصديقته يراقبوها، وكانت مقتنعة أنهم كانوا يحتلون منازل وجراجات مجاورة، ويغيرون هوياتهم بسرعة”.
وأضاف “الاستاذ”: “وكل ذلك في محاولة لمنعها من إخبار العائلة والأصدقاء عن علاقتها السابقة معه، واعتقدت بيتي أنهم يمكنهم تغيير مظهر وجوههم وملابسهم وحتى جنسهم في لحظة، وبالنسبة للأمراض عادة ما يكون المصابين بهذه المتلازمة يكون لديهم تاريخ بالإصابة بحالات معينة”.
واستطرد “استاذ علم النفس”: “وتكون تلك الحالات متعلقة بالدماغ، ومنها السكتة الدماغية ومرض الزهايمر، وإصابات الرأس ومن تلك الاعراض هى: الهلوسة والعجز في الوعي الذاتي، وصرع، وفقدان الذاكرة، وهذيان، والعجز في الرصد الذاتي، واندفاع، ونوبات، وإنكار، وعدم وجود الوعي الذات، وعدم وجود قدره التحكم الذاتية، ومشاكل الذاكرة البصرية”.
وعن أسباب هذا الاضطراب أوضح “استاذ حاتم”: “لم يُعرف المسبب الرئيسي للإصابة بمتلازمة فريجولي، حتى هذه اللحظة، ولكنه من المعتقد أن المتلازمة مرتبطة باضطرابات الدماغ، وأن التعرض للصدمات يحفز الإصابة بها، وبشكل عام من الأسباب المحتملة للإصابة بمتلازمة فريجولي هو الفصام”.
وفسر “حاتم”: “والذي يصاحبه في كثير من الأحيان أوهام، وهلوسات يعانيها المصاب، وقد تتعلق هذه الأوهام بأن شخصًا ينتحل شخصية آخر، يستمر في ملاحقته، إلى جانب صدمة إصابات الدماغ الرضية، فقد تؤدي إصابات الدماغ إلى تغير أسلوب تفكير الشخص وتصرفاته، لذلك يكون أكثر عرضة للإصابة بالأوهام، بما في ذلك أوهام فريجولي”.
وأضاف “الاستاذ”: “بالإضافة إلى الخرف وهو حالة تؤثّر سلبًا على الدماغ، وتؤدي إلى تغير في أسلوب تفكير، وتصرفات المصاب، فمن الممكن أن يعاني من أوهام بشأن وجود شخص يتتبعه، بعض الاضطرابات النفسية، فقد تؤدي بعض الاضطرابات النفسية إلى بدء الأوهام كالقلق والاكتئاب واضطراب ثنائي القطب”.
واستكمل “استاذ علم النفس”: “وعن العلامات للإصابة بمتلازمة فريجولي، فتظهر على المصاب بمتلازمة فريجولي، مجموعة من العلامات والأعراض، من أهمها: شعور المصاب بأن شخصًا ما يتظاهر بكونه شخصًا آخر بهدف إلحاق الأذى به، والشعور بملاحقة شخص ما له، والإحساس بالقلق وجنون الارتياب أو البارانويا، والشعور بأن عدة أشخاص هم في الواقع شخص واحد متنكر”.
وتابع “الاستاذ خاتم”: “اختلال الذاكرة الصورية لدى المصاب، وهو المعاناة من الهلاوس، واضطراب الوعي بالذات، واختلال في المرونة الإدراكية، واضطراب الوظائف التنفيذية، وجود تاريخ سابق لحالات النشاط المُحدث للصرع، وإلى جانب هذا تعد المتلازمة من المشكلات التي يصعب تشخيصها نظرًا لنُدرة حدوثها”.
وواصل حديثه: “لذلك غالبًا ما ينطوي التشخيص على استبعاد المشكلات التي تسبّب الأعراض ذاتها، إذ يقوم الطبيب النفسي بإجراء تقييم نفسي شامل للمصاب الذي تلازمه أوهام، تتعلق بملاحقة شخص ينتحل شخصية شخص آخر له، فإن لم تتوافق أعراض المصاب وتاريخه المرضي، مع تشخيص إحدى الاضطرابات النفسية الأخرى”.
ولفت “الاستاذ”: “فقد يقوم الطبيب النفسي بتشخيص الحالة بالمتلازمة، كما يتضمن التشخيص القيام بالتحقق من التعرض لإصابات في الدماغ، سواءً كانت قديمة أم جديدة، أو الكشف عن الإصابة باضطرابات محتملة في الدماغ، وعلى الرغم من عدم وجود علاج فعلي للمتلازمة، إلا أنَّ السيطرة على الحالة وتحسين أعراضها مُمكن”.
وقال “استاذ علم النفس”: “إذ يهدف العلاج في هذه الحالة إلى تخفيف حدة الأعراض، وتحسين جودة حياة المصاب، ومن خيارات العلاج المتاحة للمصاب: وهو العلاج الدوائي فقد يوصي الطبيب باستخدام مضادات الذهان، للمساعدة على تخفيف الأوهام، كما يصِف الطبيب في بعض الحالات مضادات للاكتئاب أو مضادات الاختلاج”.
وأفاد “استاذ حاتم”: “أنه في العموم تُعطى الأدوية في حالات الإصابة بمتلازمة فريجولي، بهدف تخفيف الأعراض المزعجة التي يعانيها المصاب، كما يساعد العلاج النفسي على التأقلم مع الضغوطات، والتوتر الناجم عن الأوهام المصاحبة للإصابة بالمتلازمة، ومن أفضل أنواع العلاج النفسي المُتبع في حالات الإصابة بمتلازمة فريجولي”.
وأوضح “الاستاذ”: “وهو ما يعرف بالعلاج المعرفي السلوكي، وفيه يساعد الطبيب النفسي المصاب على تمييز ومجابهة أوهامه واعتقاداته الخاطئة، كما تساعد مجموعات الدعم على ربط المصابين ببعضهم وتقليل شعورهم بالوحدة، كما أنها تساعد على توفير بيئة آمنة للمصابين، ليتمكنوا من مشاركة تجاربهم مع أشخاص عاشوا تجارب مشابهة”.
وأضاف “حاتم”: “ويمكنهم فهم ما يشعر به المصاب بالفعل، كما يقوم الأفراد بمشاركة وسائل التأقلم التي حققت فائدة فيما بينهم، وقد تسبب المتلازمة الكثير من القلق والخوف لدى المصاب، جراء اعتقاده أن شخصًا يقوم بملاحقته متنكرًا، لذلك يمكن القول بأن السيطرة على هذه الأوهام وزيادة قدرة المصاب على تمييزها، قد يساهم في تحسين جودة حياته وسلامته”.
وأفاد “الاستاذ”: “وقبل كل شيء، يجب الحرص على طلب المساعدة من الطبيب أو المعالج النفسي، والالتزام بالعلاج المناسب الذي يحدده وفق ما تتطلبه الحالة، كما يمكنك أخذ هذه النقاط بعين الاعتبار للتعايش مع المتلازمة: زيادة الوعي، فعليك معرفة مرضك أكثر لتتمكن من فهم حالتك وتأثيرها على حياتك”.
وتابع “استاذ حاتم”: “كما أن هذه المعرفة ستساعدك على اتخاذ القرارات المناسبة، بخصوص وسائل التأقلم والعلاج المتاحة، والاعتناء بالصحة النفسية والجسدية، إذ تؤثر الصحة الجسدية على الصحة النفسية والعكس صحيح، لذلك يجب دائمًا الأخذ بعين الاعتبار العناية بسلامة الجسد والعقل، وعدم الاهتمام بجانب واحد فقط على حساب الآخر”.
واستطرد “حاتم”: “وفي هذا السياق يوصى بتناول الغذاء الصحي والمتوازن، وممارسة الرياضة، وأخذ قسط كافٍ من الراحة، إلى جانب الاهتمام بممارسة تقنيات الاسترخاء وتقليل التوتر: كاليوغا، والتأمل، والرسم، وأية أنشطة أخرى تساعد على الاسترخاء، وتهدئة النفس والأفكار، والبقاء على تواصل مع أفراد العائلة أو الأصدقاء المقربين، فالجميع بحاجةٍ للدعم والمساندة”.
وأكمل “استاذ علم النفس”: “كما يساعدك قضاء الوقت مع أحبّتك على تقليل التوتر وإضفاء البهجة في حياتك، ولابد من طلب المساعدة من الطبيب أو المعالج النفسي، في حالات الإصابة، لما قد يكون لها من أثر سلبي على حياة المصاب، خاصةً وأن أولى خطوات العلاج ترتكز على تشخيص المشكلة بشكلٍ صحيح، ورغم عدم توفّر علاج قطعي للمتلازمة”.
واختتم “الاستاذ” حديثه: “إلا أن مجموعةً واسعة من العلاجات المتوفرة قد تساهم في تخفيف الأعراض، ومساعدة المصاب على ممارسة حياته بشكلٍ طبيعي، لذلك احرص على التحلي بالأمل وعدم اليأس، واعلم أن متلازمة فريجولي من الاضطرابات الجديدة، وهذا يعني أن الكثير من الأمور قد تُكشف مع الوقت بشأن العلاج، والقدرة على التحكم بالأعراض”.