تقرير – شهد الشرقاوي
من الطبيعي حب الناس للنهار والنور وخوفهم من الظلام، وعدم الرغبة بالبقاء في مكان معتم لفترة طويلة، ذلك باستثناء وقت النوم، حيث يطلب الجسم الهدوء والسكينة وانعدام الإضاءة للراحة، قبل استعادة نشاطه مع صباح اليوم التالي، ولكن عكس الشائع، هناك أناس يحبون المكوث في الظلام ويعشقون الليل ويكرهون النهار.
يشعر البعض بالراحة والاطمئنان بالجلوس في الظلام، وخاصة عند حلول المساء، والانزعاج من إضاءة الأنوار، الأمر الذي يسبب له مشاكل صحية، بسبب الأرق وعدم حصوله على ساعات نوم كافية، فاذًا هل تحب قضاء معظم وقتك خلال الليل، وتفضل الجلوس في أماكن مظلمة خلال النهار؟ إذا كان الجواب نعم.
فهذا دليل واحد مؤشرات إصابتك بمرض نيكتوفيليا، والذي يسمى كذلك بحب الليل، وتسمى هذه الحالة النفسية بمتلازمة “النيكتوفيليا” وهي كلمة من أصل يوناني تعني “صديق الليل” أو الشخص العاشق لليل، وكما تسمى بمتلازمة حب الظلام، الذي نتعرف على أسبابه وأعراضه وعلاجه.
ما هي متلازمة النيكتوفيليا
متلازمة عشق الليل “النيكتوفيليا” هي إضطراب نفسي نادر يجعل صاحبه يفضل أكثر ساعات الليل والبقاء وحيدا في الظلام في غير ساعات النوم، والتي تجعل الإنسان يقضي الليل بطوله مع حضرة ذاته وكفى، ويفضل الليل على النهار، ويعشق الظلام الشديد حيث أن الظلام يجعله يشعر بالراحة والهدوء والاستجمام.
فهو يُفضّل قضاء أغلب أنشطته وأعماله اليومية ليلا وفي الظلام الدامس، وكلمة نيكتوفيليا هي كلمة لاتينية تنقسم إلى شقين “نيكنو” وتعني صديق و “فيليا” وتعني الليل، أي أن النيكتوفيليا يعني صديق الليل، وقد تم تشخيص هذا المرض في البداية على أنه أرق ما يجعل الشخص غير قادر على النوم خلال الليل.
ويقول الطبيب أنيل أكراور في أحد كتبه الصادرة عام 2009 عن المساء وأوقات الظلام، قائلك لا يفقد الشخص الذي يعاني من متلازمة نيكتوفيليا القدرة على النوم ليلا بسبب مواعيد عمل غير منتظمة أو بسبب الأرق، بل لأنه يحب أوقات الليل بصورة أحيانا ما تحمل معان نفسية.
وهذه العادة غالباً ما تجعله أكثر هدوءاً وتركيزاً، وهي تعتبر المجال المثالي للابداع والتفكير، بينما يشعر بتوتر شديد من أشعة ضوء الشمس أو أي ضوء قوي، ويشعر بحزن وكابة شديدين، وعدم الرغبة في الكلام أو مجالسة الناس، ولكنه يسعى للتأقلم مع حالته تلك التي قد تسبب له المشاكل في حياته الاجتماعية.
فالمصابون بـ “النيكتوفيليا” لا يتأثرون بها، وحتى عند تناول حبوب منومة، تساعده فقط على النوم لمدة ساعتين ويستيقظ كما لو كان نام لمدة 8 ساعات متواصلة ومهما بذل من مجهود فهو لا يستطيع النوم، فهو بمثابة جحيم بالنسبة إليه، وحتى إن أجبر نفسه على النوم.
فإنه يصاب بالكوابيس والأحلام المزعجة، ولكنه يسعى للتأقلم مع حالته تلك التي قد تسبب له المشاكل في حياته الاجتماعية، حتى أثناء العمل يفضل الجلوس في الظلام لأنه يجعله أكثر تركيزاً وإبداع، وعند البعض الآخر يعتبر الظلام مصدرا للراحة والسعادة.
وتختلف متلازمة “النيكتوفيليا” عن الأرق، الذي يصاب به الإنسان تبعاً لحالات نفسية أو مرضية معينة، ويسعى جاهداً للنوم، ويقوم بشرب المنومات وتشغيل التلفاز وعمل أي شيء بغية مساعدته على النوم، بينما المصابون بـ “انيكتوفيليا” يجدون متعة كبيرة في البقاء لتسع ساعات في الظلام، وعدم القيام بأي شيء سوى التأمل وسط ظلمة حالكة.
أسباب متلازمة عشق الليل
أحد أكثر الأشياء التي يجب تقييمها هي أسباب النيكتوفيليا، يمكن أن يكون لهذا السلوك أصول متنوعة للغاية، والتي يجب تقييمها لمعرفة ما إذا كانت مشكلة يجب حلها، أو طريقة حياة يتم إختيارها، و لعل من أهم أسباب النيكتوفيليا، نذكر التالي:
حالة النفور
من الممكن أن يكون هناك شيء ما خلال النهار يولد الرفض لدى الشخص، لذلك يضل مستيقظا في الليل لتجنب هذا التحفيز السلبي، وبالمثل قد تولد صدمة وقعت لشخص في غمر الطفولة حالة تأهب في ذلك الوقت كل ليل و يسمى “إجهاد ما بعد الصدمة”.
الصفات النفسية
لقد وجد أن الأشخاص ذوي معدل الذكاء المرتفع (IQ) يميلون إلى المزيد من النشاط في الليل سبب حدوث ذلك غير معروف، وبالمثل يجد الانطوائيون أن الليل أكثر جاذبية، حيث تكون الحياة الاجتماعية أقل كثافة في هذا الوقت.
إضطراب في إيقاع الساعة البيولوجيه
إيقاع الساعة البيولوجية أو الساعة الحيوية هو دورة بيولوجية يتم من خلالها تنظيم أوقات النوم والاستيقاظ كقاعدة عامة، يصبح الناس أكثر نشاطا في الصباح و يتم تعطيل نشاطهم في الليل بالتزامن مع وجود الشمس، ومع ذلك، لأسباب غير معروفة للعلم، لدى بعض الناس نمط مختلف، هذا يؤدي إلى النيكتوفيليا.
تغيير العادات
غالبا ما يطور الأشخاص الذين ليس لديهم روتين منظم، عادات نوم و أكل مرنة جدا من حيث المبدأ ، هناك ميل فطري للذهاب إلى الفراش متأخرا و الاستيقاظ متأخرًا أيضًا. إذا تمت إضافة عدم وجود التزامات في الصباح إلى هذا، فغالبا ما يؤدي ذلك إلى النيكتوفيليا.
أسباب أخرى لحدوث النيكتوفيليا
يحدث النيكتوفوبيا نتيجة التغييرات الدماغية المعروفة التي تحدث في غياب منبه ضوئي وتزيد من القلق، كما قد يكون للخوف من الظلام صلة بالخوف من العنف أو الإيذاء فقد أثبتت الأبحاث أن الناس غالباً ما يبلغون عن مشاعر خوف أقوى عندما يواجهون مساحات مظلمة أو غامضة.
وعندما لا يستطيع الشخص الرؤية بسبب الظلام، فإنه عادة ما يبدأ في التخيل أو الخوف من التهديدات التي تنتظره، يعتقد الخبراء أن الظلام يزيد أيضاً من حواس الشخص الأخرى، فعندما لا يتمكن الشخص من رؤية مصدر الضجيج أو الحركة، فمن المرجح أن يشعر بالخوف الشديد عندما يسمع أو يشعر بشيء ما.
وفي بعض الأحيان، قد لا يعرف الإنسان سبب تأثير الظلام عليه، فبالنسبة للبعض يكون رهاب الخوف هو سلوك مكتسب أو يزداد سوءاً، بينما بالنسبة للآخرين هو سلوك موجود منذ فترة طويلة يمكنهم تذكرها.
أختلف الأطباء في تحديد أسباب متلازمة حب الظلام، وذلك نظرًا لقلة المصابين بهذه الحالة النفسية النادرة، فلم يتم التعرف بشكل ملموس على الأسباب الكامنة وراء الإصابه بها، حيث أرجع البعض السبب إلى إدمان الجنس وذلك لشعور المريض بالمتعة والإثارة ليلاً.
وأغلب الأطباء يصنفونها على أن تفضيل الجلوس في الظلام هو أحد أعراض الإصابة بالاكتئاب، ويصفون لعلاجها أدوية مضادة له، بينما تتعارض بعض أعرض الاكتئاب والنيكتوفيليا، ما يؤكد أنها حالة نفسية خاصة وقائمة بذاتها.
ومن الأعراض التي تدل على أن الإنسان مصاب بمتلازمة حب الظلام، حب العزلة والمكوث وحيداً في الظلام الحالك، خاصة في فترة الليل، والحلم بأحلام مزعجة، وهو الأمر الذي يؤثر على العقل الباطن الذي يرسل كوابيس تساهم في استيقاظ المريض سريعاً.
ويشعر المصاب بـ “النيكتوفيليا” بحزن وكآبة شديدين، وعدم الرغبة في الكلام أو مجالسة الناس، ويفضل المكوث وحيداً متأملاً في الظلام، بينما يشعر بتوتر شديد من أشعة ضوء الشمس أو أي ضوء قوي.
وحتى الآن، عجز الأطباء النفسيون عن إيجاد عقاقير أو أدوية خاصة لعلاج هذه الحالة النفسية النادرة، بينما يكتفي معظمهم بمعالجة المرضى المصابين بها بأدوية وعقاقير خاصة بمرض الاكتئاب الشديد.
هل حب الظلام نوع من أنواع الاكتئاب
وأغلب الأطباء النفسيين يصنفون متلازمة “النيكتوفيليا” على أنها حالة اكتئاب يجب أن يكون علاجها نفسيا من الأساس، بحيث يتضمن جلسات سلوكية وإدراكية، للوقوف على الأسباب الرئيسية وراء عشق الليل بشكل مرضي.
يؤدي بالمصاب إلى الرغبة في القيام بنشاطات اليوم كافة، بما تشمل من العمل أو الدراسة في ساعات الليل المتأخرة، ويصفون لعلاجها أدوية مضادة للاكتئاب بشكل عام، وجلسات علاج نفسي ومتابعة الحالة ورصد تطوراتها لإبقائها تحت السيطرة.
بينما تتعارض بعض أعراض الاكتئاب و”النيكتوفيليا”، ما يؤكد أنها حالة نفسية خاصة وقائمة بذاتها، بينما يميل البعض لاعتقاد أنه ليس مرض بقدر ما هو مجرد ميول وتفضيلات مزاجية، مع الوضع في الاعتبار أن وصف العلاجات الدوائية للمصاب بتلك الأزمة، لا يحدث إلا في حال تسببها له في مشكلة كبرى.
ما هي أعراض النيكتوفيليا
على الرغم من قلة المعلومات المتوفرة عن مرض نيكتوفيليا، فلا يمكن التحدث عن الأعراض العامة بالمعنى الدقيق للكلمة ما يمكن فعله هو وصف الأعراض التي تشير إلى أن هذه الحالة تمثل مشكلة بالنسبة للشخص،من وجهة النظر هذه، فإن الأعراض التي يجب مراعاتها هي التالية:
يشعر المريض ببعض الأعراض منها الحزن والكآبة، وعدم الرغبة في الكلام، وتفضيل الإنعزال، خاصة في الظلام، والشعور بالتوتر والإنزعاج من التعرض لأشعة الشمس أو الضوء، ورؤية كوابيس أثناء النوم ويعود سبب ذلك إلى إجبار أنفسهم على النوم.
ونقص فيتامين (د): فإن التعرض لأشعة الشمس ضروري لاستيعاب فيتامين د. و يؤثر نقص فيتامين د على الحالة المزاجية ، وكذلك العظام و الجهاز المناعي. إذا تسببت النيكتوفيليا في هذا النقص، فيمكن القول إنها مشكلة.
والصعوبات الاجتماعية: عندما يكون لدى الشخص اتصال اجتماعي ضئيل أو معدوم، بسبب عادة البقاء مستيقظا في الليل، فهذا وضع يجب تقييمه من قبل طبيب مختص.
والحرمان من الراحة: إذا كانت ممارسة العلاقة الزوجية في الليل تؤدي إلى ساعات أقل من الراحة أو نوم أقل راحة، فهذه مشكلة أيضًا.
وتفضيل ساعات الليل والجلوس في الظلام مع الشعور بالضيق والتوتر من ضوء الشمس أو المصابيح، وتفضيل أيضًا الوحدة والعزلة وعدم الاختلاط بالآخرين، مع الانزعاج من الأصوات حتى لو لم تصنف كضوضاء.
بالإضافة إلى الميل إلى الحزن والكآبة، واضطرابات النوم والنوم لساعات قليلة تحت تأثير المهدئات، وغالبا ما تسيطر على نومهم الكوابيس، زيادة التركيز والقدرة على الإبداع خلال ساعات الليل والظلام مقارنة بساعات النهار والضوء.
إذًا ما هو علاج هوس الليل “النيكتوفيليا”
يعتمد علاج “نيكتوفيليا” على تناول أدوية مضادة للاكتئاب وجلسات علاج نفسي، وقد لا تحتاج لعلاج النيكتوفيليا إذا لم تسبب مشاكل في الأداء الاجتماعي أو المهني، أو تأثير بشكل كبير على الصحة البدنية خلاف ذلك.
من الضروري استشارة طبيب نفساني سيقوم هذا المختص بتقييم كل حالة معينة ويكون قادرًا على اكتشاف المشاكل، إن وجدت، التي تؤدي إلى النيكتوفيليا و تمنع حياة أكثر متعة.
إذا كانت هذه الحالة مرتبطة باضطرابات النوم أو إضطراب كبير في إيقاع الساعة البيولوجية، فقد يصف الطبيب بعض الأدوية لتطبيع كل شيء.
على العكس أثبتت دراسات أخرى عدة فوائد للمكوث لفترات أطول في الظلام مثل: التخفيف من حدة الصداع النصفي وأوجاع الرأس علاج فعال لكسل العين إذ يقوي المكوث في الظلام العين الضعيفة.
وتنمية معدلات الذكاء والتفكير الإبداعي، الوقاية من السمنة المؤدية للإصابة بأمراض القلب من خلال التحكم في هرمون الميلاتونين المؤثر في عمليات الأيض وتركيز الكوليسترول بالجسم.
تفضيل الليل
لم تقدم الدراسات النفسية أسبابا وتفسيرات واضحة للإصابة بحالة أو مرض نيكتوفيليا لكونه مرض نادر لا يصيب الكثيرين أو لكون الإصابات به غير معلنة نظرا لأن المصابين به غير مدركين أو معترفين بكونهم مرضى نفسيين في حاجة إلى علاج.
ولكن أشارت قلة من الأوراق البحثية إلى ارتباط مرض نيكتوفيليا بالاكتئاب مما يجعله عرضا وسببا قويا مفسرا له، لذا تعد الأدوية المضادة للاكتئاب علاجا فعالا لهذا المرض النفسي النادر مع الجلسات السلوكية التي يحاول الطبيب من خلالها التغلب على عرض العزلة والانطواء والبعد عن الناس لدى المريض.
الشخصية التي تهوى الظلام
يتمتع الشخص المريض بالنيكتوفيليا أو حب الظلام بمجموعة من الصفات التي تجعله أكثر الأشخاص غرابة وتميزا في الوقت نفسه، فالشخصية التي تهوى الظلام واحدة من أكثر الشخصيات التي حيرت العلماء بل حيرت أنفسها أيضًا.
فبقدر ما يتفوقون في الأعمال الليلية ويُبدعون فيها خاصة وإن ارتبطت بأماكن مظلمة مقابل ساعات نوم نهارية وتجنب للأصوات والإضاءة لا حد له بقدر ما يعذبون أنفسهم بالوحدة والتفكير في كل ما هو محزن والبعد عن الناس.
والآن عزيزي القارئ بعد أن علمت كل ما توصل إليه العلم حتى الآن بشأن مرض نيكتوفيليا هل ترى نفسك أو حد معارفك ضمن قائمة مرضاه التي يجب بعد قراءتك لهذا الموضوع أن تنقص فردا.