تقرير – رحمه السعداوي
تمكَّنا من معرفة الإمتيازات الأجنبية على أنها تسهيلات تقدمها الدول للدول الأجنبية، ولكن ذلك ما أمكن الأجانب من خداعهم لمصر باختلاف العهود، ونتيجتها كانت لا غير مرضية تمامًا بالنسبة للمصريين، التي أدت بهم لشبه دمار شامل.
وبدأ الحديث مع الأستاذ محمد إبراهيم القديم أستاذ التاريخ عن الإمتيازات الأجنبية، الذي قصَّ علينا بدايتها منذ الإمتيازات الأجنبية في العصر الحديث والمعاصر، حيث أفاد أنه: “بدأت الإمتيازات في هذا الوقت كتسهيلات تقدمها الدول للدول الأجنبية بهدف تشجيعهم على الإقامة فيها واستثمار أموالهم وخبراتهم”.
وتابع “محمد إبراهيم”: “وكان مثال عليها الإمتيازات الفرنسية في الدولة العثمانية، وفي السياق العثماني، يُشار إليها أحيانًا في المصادر العربية والتركية العثمانية بلفظ العهود العتيقة أو عهدنامه، ونتيجة غياب المساواة بين المواطنين، أبرمت تفاهمات بين الدول الأوروبية والدولة العثمانية”.
وأضاف “محمد”: “وأبرمت هذه التفاهمات منذ القرن السابع عشر، تقوم من خلاله الدول الأوروبية برعاية مصالح وحماية مسيحيي الدولة العثمانية، قد باتت أوروبا تعتبر هذه الامتيازات “حقوقًا لها”، فحمت فرنسا والنمسا الكاثوليك والإمبراطورية الروسية الأرثوذكس، وبريطانيا الجماعات البروتستانتية الصغيرة”.
واستطرد حديثه: “وكانت الإمتيازات تشمل تسهيلات في السفر، والتقاضي أمام محاكم خاصة، والتعليم، والإعفاء من الضرائب في قطاعات بعينها، وتعيين قناصل أو تراجم أو موظفين قنصليين في البلاد، وعند الحديث عن فترة الدولة العثمانية تأتي من أشهر الإمتيازات الأجنبية حينما قامت فرنسا بإنشاء قناصلها داخل الدولة العثمانية”.
وأكمل “القديم”: “وكان لهذه القنصليات قانونها الخاص الذي كان ينفصل عن قانون الدولة العثمانية، طالبت من الباب العالي أن يساعد القناصل الفرنسية داخل الدولة العثمانية، قد وقعها السلطان سليمان القانوني مع ملك فرنسا فرانسوا الأول، بعد مرور الوقت انتشرت تلك القنصليات داخل الدولة العثمانية”.
وقال “إبراهيم القديم”: “وانتشر اختصاصاتها وتفرعت حتى أصبحت دولًا داخل الدولة العثمانية، وكان يبرر الأجانب امتيازاتهم في البلاد العثمانية بأن الدولة العثمانية كانت بأمس الحاجة للعلاقات التجارية الأوربية، التجار الأوربيين لتنشيط حركة التجارة داخل الدولة العثمانية”.
وتابع “محمد إبراهيم”: “قد تمتع الأجانب بإعفاءات كبيرة من الضرائب، مما دفع لتغلغل سلطات الإمتيازات داخل الدولة العثمانية الإمتيازات الدينية، وعندما تولى محمد علي عام 1805 بدأ يعتمد على التقليل من الإمتيازات الأجنبية، ذلك ظهر عن طريق القضاء على التجار الأجانب، تقوية المنتج المحلي وتثبيته”.
وأضاف “القديم”: “وعندها لغى عادت الاستثمارات وفرض معاهدة «بلطة ليمان»، وبناءًا عليها سادت حرية المناخ الإقتصادية لصالح الأجانب أكثر لصالح المصريين، استطاع محمد علي خلال فترة حكمه أن ينهض بمصر اقتصاديًا وزراعيًا وصناعيًا وتجاريًا، كان يرى أن الاستقلال السياسي لا يتحقق إلا بإنماء ثروة البلاد”.
واستكمل حديثه: “وتقوية مركزها المالي، من ثم بنى قاعدة اقتصادية لمصر، اهتم بالزراعة فاعتنى بالري، شيَّد العديد من الترع والجسور والقناطر، وسع نطاق التجارة الخارجية في مصر، أصلح الموانئ وارتفعت الصادرات، وعمل عن طريق الضرائب إلى توفير فائض مالي لدعم الإصلاحات في الدولة، وبذلك حققت مصر ازدهار اقتصاديًا ملحوظًا في عهده”.
وكان إضافةً لكل هذا: “وتناقلت العهود إلا أن بدأنا في عهد محمد سعيد باشا، الابن الرابع لمحمد علي، الذى تلقى تعاليمه في باريس، الذي قرر بإنشاء مجلس تجار مختلط من المصريين والأجانب، وقد تسرب من هذا المجلس القانون الأجنبي ليحل محل المعاملات في الشريعة الإسلامية، في مثل هذا اليوم 18 أبريل من عام 1855م”.
وقال: “وجاء هذا القرار ضمن الإمتيازات الأجنبية التي أعطاها سعيد باشا ومن بعده ابنه الخديوى إسماعيل، من أجل حفر مجرى قناة السويس العالمي، كان “سعيد” الذى تولى الحكم من 24 يوليو 1854 إلى 18 يناير 1863 تحت حكم الدولة العثمانية، يثق ثقة عمياء فى نزاهة ملوك أوروبا وفرنسا بالذات”.
وأفاد: “ذلك على عكس مؤسس الأسرة العلوية محمد علي الذي كان شديد الحذر من ناحية الأطماع الأوروبية، لم يكن يحسن الظن بهم، لا يسمح لهم بالتغلغل في شئون البلاد تحت ستار المشروعات والمصالح المشتركة، عمل على حماية الاستقلال الوطنى من الوقوع فى براثن النفوذ الأوروبي”.
واستطرد: “وبعدها رفض محمد علي بشدة مشروع شق قناة السويس حين عرضه عليه “فرديناند دليسيبس”، لم تتوقف الإمتيازات هنا بل زادت أيضًا في عهد الخديوي توفيق، الذي كان يعطي الضوء الأخضر للأجانب في الإمتيازات السياسية، ذلك في عزل وتعيين وزارات، امتيازات أجنبية لـ”تركي الشركس” في الجيش”.
ووصل حديثه إلى أن: “نتيجتها كانت الإحتلال الإنجليزي، هذا جاء بعد ثورة عرابي الفاشلة التي طالبت بإلغاء هذه الإمتيازات، حتى حدث التطور السياسي وأصبحت مصر ملكية وقبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية كانت أهم قضية وطنية تواجه الدبلوماسية المصرية هى قضية استكمال الاستقلال الوطني، تحرير مصر من الاحتلال البريطانى والقيود المفروضة على سيادتها”.
وتابع الأحداث قائلًا: “وعاصر عبد الخالق حسونة المفاوضات التي عُقدت مع بريطانيا في ظل تصاعد مخاطر الحرب العالمية الثانية، التي نتج عنها توقيع معاهدة التحالف والصداقة عام 1936، بموجبها اعترفت بريطانيا باستقلال مصر مقابل تمتعها بمركز قانوني وسياسى متميز، فمهدت المعاهدة إلى دخول مصر عصبة الأمم”.
وأضاف: “ذلك لتخلصها من الإمتيازات الأجنبية، إلا أنها تقيدت في نفس الوقت بتحالف أبدى مع بريطانيا وسمحت ببقاء قواتها فى القناة، مما دفع مصر إلى أن تطلب فيما بعد إعادة النظر في المعاهدة على أثر تغير الظروف التي عقدت في ظلها”.
ولفت قائلًا: “وحاولت ذلك بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عن طريق المفاوضات المباشرة مع بريطانيا، عرض الأمر على مجلس الأمن عام 1947، إلا أن مصر اضطرت أخيرًا إلى إلغاء المعاهدة من جانبها عام 1951 إثر فشل المفاوضات المباشرة وعجز مجلس الأمن عن إصدار قرار في شكوى مصر العادلة”.
وأقرب انتهائه للحديث: “وانتهى الأمر عند 23 من شهر سبتمبر 1945، طالبت الحكومة المصرية بتعديل المعاهدة لإنتهاء الإحتلال البريطاني بالكامل، كذلك السماح بضم السودان، في أعقاب الحرب العالمية الثانية، انتصر حزب الوفد في الإنتخابات البرلمانية 1950، وألغت حكومة الوفد المعاهدة من جانب واحد في أكتوبر 1951، بعد ثلاث سنوات”.
وانتهى إفادته بأن: “وفي ظل الحكومة الجديدة برئاسة جمال عبد الناصر وافقت المملكة المتحدة على سحب قواتها، حسب المعاهدة البريطانية المصرية 1954، واكتمل الإنسحاب البريطاني في يوليو 1956، في هذا التاريخ تعتبر مصر قد نالت استقلالها الكامل، لكن عبد الناصر كان بالفعل قد أسس سياسة مستقلة أدت لتصاعد التوترات مع مختلف القوى الغربية”.