تحقيق ـ بسمة البوهي
تصبح المرأة المعيلة هي السند الوحيد لأطفالها وعائلتها وتقضي قصار جهدها لتلبية إحتياجاتهم وتأمين مستقبلهم، في بداية الأمر تصبح مهزوزة وخائفة من مصاعب الحياة ولكن تستعيد قوتها وشجاعتها لتتحول كل هذه المشاعر والحزن والآلام إلى حافز ودوافع لتحقيق النجاح والإستقرار، وجعل أسرتها تعيش في مستوى إجتماع مناسب حتى لا يصبحوا أقل من الناس، وأيضاً تصبح عمود الأسرة وتتحمل هذه المرأة مصاعب كثيرة مثل تربية الأطفال وتوفير الرعاية المناسبة، وأيضاً توفير مطالبهم اليومية في هذه الحالة تصبح الأم هي الأب والسند لنفسها ولأولادها.
تجمعت أراء الناس في أن الأم المعيلة لأولادها تكون بطله بمعنى الكلمة، لأنها رمز للقوة و الشجاعة وتحظى بأحترام وتقدير الناس لتضحياتها والجهود التي تبذلها، لأنها تضع إحتياجات أولادها ومستقبلهم في المقام الأول حتى لو كان على حساب راحتها، ويجب على الناس أن يدركوا مدى الصعوبات التي تواجهها في غياب الزوج فيشجعونها ويقدمون لها الدعم النفسي والمادي حتى يساعدها في مواصلة دورها البطولي.
نماذج للأمهات المعيلة
تقول (ن.م) تبدأ قصتي عندما توفى زوجي بشكل مفاجئ، كان يجب أن أواجة وأتخطى بسرعة لأنني لدي أطفال يحتاجون إلى إهتمام ورعاية، فكان يجب علي أن أتحمل المسؤولية لتأمين مستقبلهم.
وكان الموقف في البداية صعب جداً ولكني أعتمدت على إيماني بالله وعلى نفسي وكانت عائلتي دائما معي ولا تتركني أبداً، وبعد ذلك وجدت عمل الذي هو مساعدة سيده عجوزه في أمور المنزل وكنت أذهب من الصباح حتى المساء، وجاء اليوم المشؤوم والتي توفيت فية هذه السيدة وفي هذه اللحظة زُرع بداخلي الخوف والقلق من المستقبل، والتساؤلات التي كنت اسألها هل سأجد عمل آخر وكل تفكيري هو أطفالي، فطلبت المساعدة من أهلي وعندما تيسرت الأمور معي فتحت محل بسيط وكنت أبيع فيه ألعاب أطفال وشيبسي وغيرها.
وأضافت أن التحديات التي كانت تواجهني كثيرة بدءاً من الأمور المادية إلى التحديات النفسية وفقدان الأمل، وضفت إلي المحل بعض المنتجات التجميلية وحتى اشياء المطبخ كل هذا لأتمكن من توفير إحتياجات أولادي، وكذلك كنت أحاول أن اتعامل مع شعور فقدان الشغف والحزن والخوف من العالم الخارجي، فكان يجب علي أن أكون قوية أمام اطفالي وأظهر لهم التفاؤل والشجاعة.
كنت أحاول دائماً تخصيص وقت لنفسي حتى لو وقت قليل، ويجعلني هذا الوقت أستمر في مواجهة الحياة وأقضي الوقت في قراءه القرآن أو الاستماع إلى التلفزيون، وأجلس مع عائلتي وأصدقائي عندما أشعر بالحزن أو العجز.
وتتابع أن هناك الكثير من المواقف والأوقات التي أشعر فيها بالفخر، وهي عندما أرى أطفالي يتفوقون في دراستهم أو حياتهم وأشعر بالسعادة الكبيرة عندما أرى أبنائي وصلوا وتفوقوا، ومنهم الذي في كليه طب و علوم والآخر في كليه زراعة هذه هي الإنجازات الحقيقية والسعادة بمعنى الكلمة، وأفتخر بنفسي أيضاً لأنني أستطعت تجاوز هذه التحديات والوقوف على أرض ثابتة وصلبة أمام أي موقف.
أشارت (ه.م) أنا كنت أعيش حياة وردية بالمعنى الحرفي لأن زوجي كان يحبني جداً، وكان بيننا لغة حوار خاصة ولكن فجأة أختفى كل شيء مع رحيله، بسبب حادثة مروعة بالسيارة عندما كان عائد من عمله مثل كل يوم وفي هذا اليوم شعرت بالتوهان وعدم التصديق، وكل التساؤلات التي كانت تدور في داخلي كيف سأعيش بدونه لأنه كان مثل أطفالي أخاف عليه وأحافظ عليه جداً لدرجه إنني شعرت أني أحبه أكثر من أولادي.
ظليت فترة كبيرة حتى أتخطى الموقف و أتكيف على الوضع الجديد، وكنت أحصل على الدعم النفسي والمادي من عائلتي وأصدقائي، وحتى الجيراني لا أحد كان يتركني وحدي لأن فعلاً حالتي كانت صعبة للغاية بعد رحيله.
في البدايه كانوا أهلي وأصدقائي بجانبي ولكن مع ضغوط الحياة كل فرد منهم أنشغل بحياتة وأهتماماتة، فوجدت نفسي بمفردي ويجب الإعتماد على نفسي فعزمت أنني سوف أفتتح مشروعي الخاص، وهو محل للحلويات بما أنني ماهره فيها، وأصبحت متمكنة أكثر وزادت شهرتي وأصبحت أعمل على التوصيل للمنازل، وفي فترة قصيرة أصبحت مشهورة جداً.
أصعب اللحظات التي مرت عندما مرضت أبنتي وكنت في الشهور الأولى من الوفاه، وكنت لا أدري ماذا أفعل ومن سأستعين به وأطلب منه المساعدة، ولكن بفضل الله ودعم الأشخاص التي كانت بجانبي تمكنت من الوقوف، وأن كل لحظة صعبة كانت بمثابة درساً لتقويتي والإعتماد على نفسي.
والذي كان يمنحني القوة للإستمرار في التطور والتقدم هم اطفالي، لأنني عندما أرى ضحكتهم وتفوقهم في دراستهم، في هذه اللحظة أشعر أنني أستطيع أن أفعل كل شيء، وأن أعمل ما في وسعي حتى أراهم سعداء ويحققون أحلامهم، وكذلك يجعلني لا أنشغل بالتفكير كثيراً وقلبي يشعر بالراحة لإيماني بالله فأعلم أنني لست وحدي.
أكدت (أسماء) عندما توفي زوجي من خمس سنوات وجدت نفسي فجأة أواجة عالماً مليئاً بالتحديات والصعوبات، وكنت أماً لثلاث أطفال وأكبرهم لدية 10 سنوات وأصغرهم 5 سنوات، ولم يكن لدي مصدر دخل ثابت كان علي أن أتحمل المسؤولية بأكملها لرعايهدة أسرتي الصغيرة.
بدأت بالبحث على عمل لتوفير إحتياجات أطفالي، على الرغم من أنني لم أكن أمتلك سوى مهارات بسيطة الا أنني كنت مصممة على النجاح، ووجدت عمل في مصنع وكنت أعمل لساعات طويلة مقابل أجر بسيط للغاية، ولم أتردد في البحث عن عمل آخر لزياده الدخل.
بالإضافه إلى العمل كنت أجتهد في تربية أطفالي، وتوفير بيئه دافئة مليئة بالحب وكنت أحرص على مساعدتهم في واجباتهم المدرسية، وأخصص وقت للعب معهم وكنت أسعى لتوفير ما يحتاجونه من ملابس وغذاء، ورغم الظروف الصعبة كنت دائماً أبتسم أمام أطفالي وأمنحهم القوة والأمل.
كنت أرفض المساعدة من أحد حتى عائلتي لأنني دائماً أقول “اليد العليا أفضل من يد السفلى” ولا أريد أن ينظر أحد لأطفالي نظرات إستحقار أو أنهم أقل منهم، ولكن دائماً أسعى لجعلهم فخورين بأنفسهم وعدم السماح لأحد للأستهانة بهم.

المرأة المعيلة
الأم إنسانة مكافحة حقاً
أوضحت (أمينة) توفي زوجي لأنه كان يعاني من مرض مزمن، وكنت منهارة تماماً على فقدانه ولكن حمدت ربي كثيراً، لأنه كان يتألم طوال الوقت وكل يوم نذهب لدكتور مختلف، وبعد وفاته كنت أتحمل مسؤوليه أطفالي وأيضاً مصاريفهم لأن زوجي كان يعمل في الفلاحة.
وأضافت أن الفلاحة عمل شاق لكنه كان العمل المتاح لي، وكنت أستيقظ قبل الفجر لإبدأ عملي في الارض، وأيضاً أحرص على الإنتهاء من العمل قبل عودة أطفالي من المدرسة وكان علي أن أتعلم الكثير عن الزراعة والعناية بالمحاصيل، وكنت أستعين بجيراني أو فرد من عائلتي الذين لديهم خبرة في هذا المجال.
والتحديات التي كنت أواجهها هي الظروف المناخية التي تؤثر على المحاصيل، بالإضافة إلى قلة الأموال لتوفير مستلزمات الزراعة، وكان هذا العمل شاق للغاية لأنني كنت أعمل وحدي، لأن أطفالي صغار والتحدي الأكبر هو تلبية أحتياجات أطفالي وتوفير الرعاية لهم.
ولاحظات التي تجعلني سعيدة للغاية هي عندما أرى أولادي يكبرون ويحققون نجاحات في دراستهم، وأن أحد أبنائي أصبح معيد في الكلية وأبنتي تخرجت من الكليه بتفوق، وأشعر بأن كل جهد بذلته كان يستحق العناء عندما أرى نجاحهم.
أعتقادات ليس لها معنى
في مجتمعنا إذا مات الزوج يجب على المرأة ملازمة البيت ولا تخرج كثيراً، وإذا فعلت تخرج مع أحد من أفراد عائلتها، وهذا المجتمع يحسسها أنها بصمه عار إذا صدر منها أي تصرف بسيط ويقول “ما هي مش معاها راجل يلمها” ومن الممكن أن تكون محترمة وليس لها إختلاط بالناس وبعض الناس ينظرون لها نظرة شفقه على حالها والبعض ينظرون نظرات شك، والبعض الآخر ينظرون النظرات ليس لها معنى من الحقد أو أشياء هكذا.
المرأة المعيلة لأبنائها تحظى بإعجاب وتقدير الكثيرين، وهي تعتبر مصدر إلهام وقدوة للكثيرين لأنها تتحمل مسؤوليات كثيرة، وتسعى جاهدة لتحقيق مستقبل أفضل لأبنائها وتثبت يوماً بعد يوم أن قوة الإرادة وحب الأمومة قادرة على تجاوز العقبات، ودورها لا يقتصر فقط على توفير الإحتياجات المادية بل يصل إلى بناء جيل متميز وتسعى دائما الوصول إلى التقدم والرقي.