تحقيق – سوزان الجمال
تفاقمت ظاهرة أطفال الشوارع مصر خلال السنوات الأخيرة، بسبب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، حيث أصبحت الأرصفة، والحدائق العامة، وسقوف الكباري وأنفاق المشاة مأوى لأطفال الشوارع، يتسترون بها بلا سلاح أو بارقة أمل سوى المزيد من التشرد والجوع.
باعتبار الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة ومشكلات التسول والمخدرات والعنف، بالإضافة إلى الاستغلال الجنسي، وفي الوقت الذي تقف الحكومة عاجزة عن احتوائهم، وإيجاد حلول إنسانية لهم، تفاقمت الظاهرة، واتسعت أعدادها بشكل أصبح يهدد أمن المجتمع وسلامته.
قالت “عبير” 15 عامًا: “هربت من منزل أبي بعد أن طلق والدتي وتزوجت هي من رجل آخر، كان يضربني ويعتدي على بشكل مبالغ فيه، فاضطررت إلى ترك المنزل والبحث عن أي عمل حتى عملت كخادمة في أحد البيوت ولكن لم أستمر طويلًا، فعدت إلى الشارع مرة أخرى، لكن دون عمل، وأقضي يومي في التنقل بين إشارات المرور في الشوارع على أمل جمع بعض النقود تساعدني على الحياة”.
وأضاف “محمد سيد” 15 عامًا: “توفي والدي منذ نحو عامين، ولم تستطع أمي تدبير نفقاتنا أنا وأخوتي الخمسة، فتركت المنزل لأبحث عن عمل، وأعمل حاليًا كصبي ميكانيكي في إحدى الورش، أتقاضى 500 جنيه شهريًا، لكن لا يوجد مأوى لي سوى أرصفة الشوارع والحدائق العامة”.
وتابعت “سماح” 17 عامًا: “نشأت في أسرة مفككة كان أبي يضرب أمي كثيرًا ودون سبب، وبعد أن توفت أمي أثناء ولادتها لأخي الصغير، قررت الهروب، وتعرفت على مجموعة من الفتيات أخذوني إلى عالم الدعارة والمخدرات، إلى أن اكتشفت أني حامل سفاحًا، وعند ولادتي للطفل قررت تركه في الشارع، حتى يعطف عليه أحدهم ولا أدري عنه شيئًا حتى الآن”.
هذه القصص وغيرها تتناسل بوجع فوق الشوارع والأرصفة، حيث يصادفك هؤلاء الأطفال، بملابسهم البالية، وأوجههم المكدودة من الفقر والمرض، يتسولون أو يبيعون أشياء بسيطة كالمناديل الورقية من أجل سد رمق الجوع.
وأفاد الدكتورة جمال فرويز أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس لـ”الأنباء المصرية الجديدة”: “أن ظاهرة أطفال الشوارع ليست بجديدة على المجتمع، فهناك عوامل عدة أدت إلى تفشي الظاهرة خلال العشر السنوات الأخيرة، مثل الأمية والفقر والبطالة، وانتشار الجهل وعمالة الأطفال في سن مبكرة”.
واستكمل أستاذ الطب النفسي: “وذلك مما يؤدي إلى انفصالهم تمامًا عن المجتمع، وعدم شعورهم بالانتماء، وهذا خطير جدًا، مما يسهل استغلالهم من قبل جهات معينة بشتى الطرق السلبية، كان آخرها الاستغلال السياسي في المظاهرات واستخدامهم كوقود ودروع بشرية”.
وتابع “فرويز”: “أن نسبة الأمية في مصر قد تصل إلى 60%، الأمر الذي ترتب عليه الزيادة السكانية بشكل مخيف، نتيجة الفهم الخاطئ لبعض الأمور الدينية، ومن منطلق اجتماعي كارثي وهو عدم قدسية الحياة الأسرية لدى البعض، الأمر الذي أدى بالتبعية لظهور وتفاقم أزمة أطفال الشوارع، من هنا تبرز أهمية القضاء على الأمية كأولوية”.
وأضاف الطبيب المتخصص، أنه للحد من انتشار هذه الظاهرة الخطيرة، وبداية حلها، لابد أن يتم تضافر جهود 3 جهات أساسية، وهي الحكومة، والقطاع الخاص، ومنظمات المجتمع المدني، من أجل خلق بيئة ملائمة لإصلاح هؤلاء الأطفال، وتوفير اختصاصيين نفسيين واجتماعيين مؤهلين للتعامل معهم في مختلف الأعمار، التي يدخلون فيها إلى الإصلاحيات التربوية.
وشدد طبيب الصحة النفسية، على ضرورة إفهام الأطفال وإشعارهم بأنهم داخل مؤسسة لإصلاحهم، وتحويلهم لأعضاء فاعلين في المجتمع، وأن تتم معاملتهم على هذا الأساس، وليس على كونهم متّهمين، ويقضون فترة عقوبتهم، مؤكدًا أنّ التعامل مع الأطفال بقسوة في مؤسسات الأحداث، من أكبر الأسباب لزيادة ظاهرة أطفال الشوارع.
ولفت “فرويز”، إلى أنّ الأطفال في دور الرعاية، لابد أن تعيّن لهم أمّ بديلة وأب، يشعر من خلالهما بعودة الأسرة من جديد، وأن باقي الأطفال إخوة له، حتى يتم إنشاؤه في جو أسري سليم، موضحًا مدى أهمية دور قطاع الأعمال في بناء مؤسسات سليمة، وتحويل طفل الشارع إلى نافع بحق، وأن يقضي وقته في التعليم، وبعدها يتعلم حرفة، تؤهله للعمل بعد الخروج من المؤسسة.
كما أشار إلى أن هناك مشكلات في الإصلاحيات ودور الرعاية ضعيفة الإمكانات، ولا تشبع الجانب الرياضي والفني للطفل، وهو في سن يكون فيها في أمس الحاجة للنشاطات الترفيهية، التي يخرج فيها طاقته، أما مؤسسات الجمعيات الأهلية، فهي تهتم بالشكل للتركيز على جمع التبرعات في المقام الأول، بينما لا تهتم بشكلٍ كافٍ بتنمية الأطفال، ما يتسبب في عدم المضي قدمًا في القضاء على هذه الظاهرة.
وتشير إحصائيات منظمة اليونيسيف إلى ارتفاع عدد أطفال الشوارع في مصر، لما يقرب من مليوني، نسبة منهم تقترب من 60% يتسمون بالعدوانية، وعدم الانتماء للمجتمع مما يجعلهم شوكة تنخر في نسيج الوطن.
ويعاني أطفال الشوارع في مصر من تفشي الأمراض، فيما بينهم والتي تظهر متجلية في وجوههم الشاحبة وأجسادهم النحيلة، وتشير إحصائيات المنظمات الحقوقية التابعة للأمم المتحدة، إلى إصابة 25% منهم بفيروس نقص المناعة المكتسبة “الإيدز”.
بالإضافة إلى الكثير من الأمراض الأخرى التي يستعصي علاجها في بعض الأحيان، خاصة عندما ترفض الكثير من المستشفيات استقبالهم لعدم وجود ضامن أو بطاقة هوية، وذلك لعدم توافر مصاريف العلاج، مما يؤدي إلى تفشي الكثير من الأمراض التي تجعلهم يتنفسون الألم على اختلاف ألوانه، وهذا يضيف مأساة جديدة إلى المآسي التي يعانون منها.
وأوضح أمير سالم رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان: “أن المجتمع ككل يعد رافضًا لهؤلاء الأطفال، فلا عجب عندما ترفضهم المستشفيات وتتركهم يموتون مرضًا، مضيفًا أن المشكلة في مصر تعد وصمة عار في جبين الدولة، المسؤولة عن توفير المأوى والمسكن والتعليم لهؤلاء الأطفال”.
وتابع رئيس الجمعية الوطنية: “أن الدولة يجب أن تضع خطة قومية تشارك فيها القوات المسلحة، لفتح مدارس داخلية تضم هؤلاء الأطفال وتوفر لهم التعليم الجيد، بجانب الاحتياجات الأساسية وأيضًا تعليمهم مهنة يعيشون منها فيما بعد”.