تحقيق – ريهام محمد
في السنوات الأخيرة، تصاعدت حالات التعدي اللفظي والجسدي من بعض أولياء الأمور على المعلمين، مما أثار تساؤلات جدية حول أسباب هذه الظاهرة وانعكاساتها على العملية التعليمية، في الوقت الذي يُنتظر فيه أن يكون هناك تعاون وثيق بين الأسرة والمدرسة لضمان تعليم جيد للطلاب.
نجد أن بعض الحوادث تعكس واقعًا مغايرًا، حيث يتعرض المعلمون للإهانة أو حتى الاعتداء بسبب قرارات تربوية أو تقييمات دراسية لا ترضي بعض الأهالي.
كشف أسباب الظاهرة وتفاصيلها
في هذا الموضوع، نرصد شهادات معلمين تعرضوا لمثل هذه المواقف، ونتحدث إلى خبراء في التربية والقانون لفهم العوامل التي أدت إلى تزايد هذه السلوكيات، إضافة إلى البحث عن الحلول الممكنة لحماية المعلمين وتعزيز بيئة تعليمية يسودها الاحترام والتفاهم المتبادل.
هذه السلوكيات لا تؤثر فقط على المعلمين نفسيًا ومهنيًا، بل تلقي بظلالها على جودة التعليم واستقرار المدارس، فما الذي يدفع بعض أولياء الأمور إلى هذا التصرف، وهل هناك فجوة في التواصل بين المدرسة والأسرة تؤدي إلى مثل هذه التوترات، في هذا التحقيق، نستعرض شهادات حية من معلمين، ونناقش وجهات نظر المختصين حول الأسباب والحلول الممكنة لضمان بيئة تعليمية قائمة على الاحترام والتعاون.
أراء الأهالي حول هذا الموضوع
اختلفت ردود فعل الأهالي حول ظاهرة سوء معاملة أولياء الأمور للمعلمين، حيث أبدى البعض استياءهم ورفضهم التام لهذه التصرفات، معتبرين أن احترام المعلم ضرورة لبناء جيل واعٍ وقادر على التعلم.
كما أكد كثيرون أن التواصل الهادئ والحوار مع المدرسة هو الحل الأمثل لأي خلافات، وليس اللجوء إلى التعدي اللفظي أو الجسدي.
في المقابل، يرى بعض الأهالي أن هناك حالات تستدعي التدخل الحازم، خاصة إذا شعروا بأن أبناءهم يتعرضون للظلم أو الإهمال داخل المدرسة، ومع ذلك، شدد معظمهم على ضرورة أن يكون هذا التدخل في إطار الاحترام والنقاش البناء، وليس بأسلوب يؤدي إلى تصعيد الموقف أو انتهاك حقوق المعلمين.
المسار الصحيح لتعامل أولياء الأمور مع الطلاب
صرح “اسلام محمد ” المعلمون قد يخطئون، ولكن لا يمكن أن نحل المشكلة بالعنف، من حق أي ولي أمر أن يناقش الإدارة إذا شعر بظلم وقع على ابنه، لكن الاعتداء على المعلم أمام الطلاب يدمر هيبته ويجعل الأطفال يفقدون احترامهم له.”
تروى “هناء يوسف ” ابني تعرض للضرب من قبل معلمه، وعندما ذهبت للشكوى، لم أجد أي استجابة للأسف، بعض المدرسين لا يقدرون ذلك.
أضاف ” أحمد عبدالله ” يجب أن يكون هناك تواصل أفضل بين المعلمين وأولياء الأمور، حتى لا تصل الأمور إلى الإعتداء لا أبرر العنف، لكن على بعض المعلمين تحسين طريقة تعاملهم مع الطلاب.
قالت ” رانيا حسام” المعلم هو قدوة، وإذا فقد احترامه، فكيف سيتعلم الطلاب القيم الصحيحة، لا بد من فرض عقوبات رادعة على من يعتدي على المدرسين.
وأوضح “محمد حسن” بعض المعلمين لا يتفهمون الأطفال، ويلجؤون للعقاب العنيف، وهذا ما يثير غضب الأهالي لذلك هناك قوانين تحمي حقوق الطرفين.
على الصعيد الآخر أراء المدرسين من قلب الحدث
عبّر العديد من المعلمين عن استيائهم وقلقهم المتزايد من ظاهرة سوء معاملة بعض أولياء الأمور لهم، مؤكدين أن هذه التصرفات تؤثر سلبًا على بيئة العمل وتضعف الحافز لديهم لمواصلة رسالتهم التعليمية.
وأشار بعضهم إلى أن الشعور بعدم الأمان والخوف من التعرض للإهانة أو الاعتداء يجعلهم أقل قدرة على التركيز على دورهم التربوي، مما ينعكس سلبًا على مستوى التعليم.
وأكد الأستاذ “علاء مرسي” أن هذا تصرف غير أخلاقي ويعكس العادات والتقاليد المجتمعية ويؤثر سلبًا على مهنة التدريس، ويضعف مكانة المعلم في المجتمع.
وأشار الأستاذ “يوسف أحمد” أنه في أحد الأيام منعت طالبًا من الخروج من الفصل لأنه لم يكن يحمل إذنًا من الإدارة، تفاجأت بوالده يقتحم الفصل بعد الحصة مباشرة، ويصرخ في وجهي قبل أن يدفعني أمام التلاميذ شعرت بالإهانة، وعندما ذهبت إلى الإدارة، لم أجد دعمًا كافيًا.
وترى “نورا محمد” أنه للأسف أصبح بعض أولياء الأمور يعتقدون أن لهم الحق في التعدي على المعلمين لمجرد أنهم غير راضين عن مستوى أبنائهم، نحن نحاول أداء واجبنا، لكننا بحاجة إلى الحماية والدعم.
وأعلن “إبراهيم محمد” أشعر أن هيبة المعلم تتلاشى وإذا استمر هذا الوضع، فلن يكون هناك احترام للمهنة، وسيتأثر الطلاب بالسلب.”
وأكدت “يارا محمد” في الماضي كان ولي الأمر يذهب إلى المدرسة باحترام ليتفاهم مع المعلم حول مشكلات ابنه، أما الآن، فالبعض يأتي ليهدد ويتعدى وكأنه في مشاجرة، لابد من وضع حد لهذه الظاهرة.
وأشار “محمد أحمد” المشكلة أن بعض الإدارات المدرسية تتجنب التصعيد خوفًا من المشاكل، وهذا يشجع أولياء الأمور على التمادي، نحن بحاجة إلى قوانين صارمة تحمي حقوق المعلمين داخل المدارس.
عقوبة تعدي الطلاب وأولياء الأمور على المدرسين بالضرب محامي يُجيب
قال “خالد عبدالناصر” إذا تعدى الإعتداء على المعلم إلى الضرب والتسبب في إصابة، فإن ذلك يُعتبر جريمة جنائية تستوجب عقوبات مشددة وفقًا لقانون العقوبات المصري.
التعدي على موظف عام أثناء تأدية وظيفته
وفقًا للمادة 133 من قانون العقوبات المصري، فإن الاعتداء على موظف عام أثناء أداء عمله يُعاقب عليه القانون بالحبس أو الغرامة، ويُعتبر المعلم في هذه الحالة موظفًا عامًا بحكم وظيفته.
التعدي بالضرب وإحداث إصابة
إذا أدى الاعتداء إلى إصابة تستدعي علاجًا أقل من 21 يومًا، فقد يُعاقب الجاني بالحبس مدة تصل إلى 3 سنوات وفقًا للمادة 242 من قانون العقوبات.
أما إذا كانت الإصابة جسيمة وتستدعي علاجًا لأكثر من 21 يومًا، فقد تصل العقوبة إلى السجن المشدد حسب درجة الإصابة.
الاعتداء المؤدي إلى عاهة مستديمة
إذا تسبب الضرب في عاهة مستديمة مثل فقدان حاسة أو كسر خطير، فإن العقوبة قد تصل إلى السجن من 3 إلى 10 سنوات وفقًا للمادة 240 من قانون العقوبات.
رد فعل الموسسة التعليمية
لا شك أن هذه التصرفات تؤثر سلبًا على بيئة العمل التربوي وتعرقل عملية التعليم في بعض الحالات، قامت المدارس بإصدار بيانات رسمية تُؤكد التزامها بحماية المعلمين من أي اعتداءات أو إساءات، مشددة على أهمية احترام حقوق المعلم في أداء مهمته دون تهديدات أو ضغوطات غير مبررة.
وفي هذا السياق، بادرت بعض المؤسسات التعليمية إلى إنشاء آليات داخلية للتعامل مع الشكاوى المتعلقة بسوء المعاملة، مثل تخصيص لجان لتلقي الشكاوى، وتقديم الدعم النفسي والقانوني للمعلمين الذين يتعرضون للإهانة أو الاعتداء.
كما نظمت ورش عمل ودورات تدريبية تهدف إلى تعزيز التواصل الفعّال بين المعلمين وأولياء الأمور، وتعريف الأسر بحقوق المعلم وواجباتهم تجاهه.
رد فعل وزارة التربية والتعليم إتجاه تلك الظاهرة
أردفت “وزارة التربية والتعليم” نحن نرفض تمامًا أي اعتداء على المعلمين داخل المدارس، ونعمل على تطبيق لائحة الانضباط المدرسي التي تضمن حقوق جميع الأطراف، بما في ذلك المعلمين وأولياء الأمور والطلاب.
وأضحت “نقابة المعلمين” طالب بتشريع قانوني يغلظ عقوبة الإعتداء على المعلم أثناء تأدية عمله، كما نوفر الدعم القانوني الكامل لأي معلم يتعرض للإهانة أو الاعتداء.
قال “محمد علي” موظف حكومي سيتم اتخاذ الإجراءات القانونية لكل من يحاول يعرقل العملية التعليمية أو إيذاء المدرسين بشكل عام.
من خلال هذا التحقيق، أصبح من الواضح أن سوء معاملة أولياء الأمور للمعلمين لم يعد مجرد حوادث فردية، بل ظاهرة تحتاج إلى معالجة جدية فالمعلم، الذي يُفترض أن يحظى بالتقدير والاحترام، يجد نفسه في مواجهة ضغوط غير مبررة قد تؤثر على أدائه ومستقبله المهني.
الحل لا يكمن فقط في فرض قوانين أكثر صرامة لحماية المعلمين، بل أيضًا في تعزيز الحوار بين المدرسة والأسرة، وبناء وعي مجتمعي بأهمية احترام دور المعلم في تربية الأجيال، إن تحسين هذه العلاقة سيعود بالنفع على الجميع، خاصة الطلاب الذين يحتاجون إلى بيئة تعليمية يسودها الاحترام والتفاهم، وليس الصراع والتوتر.