تحقيق – نسمة هاني
تعد أزمة الأدوية واحدة من أكبر التحديات التي تواجه القطاع الصحي في العديد من البلدان، حيث يعاني المرضى من اختفاء بعض الأدوية الأساسية من الأسواق في وقتٍ يتزايد فيه الطلب عليها.
هذه الأزمة لا تقتصر فقط على نقص الأدوية، بل تمتد لتشمل ارتفاع الأسعار وتأثيرها على قدرة المرضى على تحمّل التكاليف، مما يعمق معاناتهم.
ويعود جزء كبير من هذه الأزمة إلى جشع الشركات المنتجة التي تسعى لتحقيق أرباح ضخمة على حساب صحة المواطنين، بالإضافة إلى السياسات غير المستقرة التي تحد من توفر الأدوية أو تؤدي إلى تأخيرات في تسعيرها.
نقص الأدوية بين وعود المسؤولين ومعاناة المرضى
تتصاعد أزمة نقص الأدوية في مصر يومًا بعد يوم، مع شكاوى متزايدة من المرضى بسبب اختفاء أصناف حيوية من الأسواق وارتفاع أسعار البدائل إن وجدت، وبينما تنتظر الأسر تسوية هذه القضايا، يصبح المرضى في دوامة من القلق والتوتر، دون أمل في حل سريع يخفف عنهم معاناتهم، ورغم تأكيدات الجهات المسؤولة بأن الأزمة تحت السيطرة، إلا أن الواقع يقول غير ذلك.
آراء المواطنين ومعاناتهم في أزمة الأدوية
“دوخت على العلاج ومش لاقياه” تقول”أم أحمد”مريضة بالضغط والسكر: “دوخت على علاج الضغط بتاعي ومش لاقياه، والصيدلية بتقولي البديل أغلى بكتير، هنعمل إيه”.
ويوضح”محمد سعيد” والد طفل يعاني من الحمى الروماتيزمية “ابني محتاج حقنة بنسلين طويل المفعول، دورت عليها في كل الصيدليات ومش لاقيها، ولو لقيتها سعرها تضاعف، إحنا بنموت بالبطيء”.
واضافت “نورا علاء” مريضة أنيميا “كنت باخد حقن الحديد بانتظام، دلوقتي مش موجودة، ولو لقيت بتكون بضعف السعر”.
أشار “أحمد السيد” الأنسولين مش موجود في الصيدليات، ولما بيظهر، الصيدليات بتستغلنا وبتزيد الأسعار بشكل مبالغ فيه وغير مبرر تحت مسمى نقص الدواء.
اخبرنا دكتور “ص. ع” “نقص الأدوية يكون بسبب الشركات نفسها، حيث تمتنع عن توفير الأدوية في الأسواق حتى يتم الموافقة على زيادة أسعارها، فبمجرد ارتفاع السعر، يتوفر لديهم المخزون من المواد الخام التي كانوا يحتفظون بها، بالإضافة إلى ذلك، تحتفظ بعض الصيدليات بالأدوية لديها دون بيعها انتظارًا للتسعيرة الجديدة، وفي النهاية، يبقى المريض في حيرة، لا يعلم ماذا يفعل”.
تحكي “أم السيد” عن معاناتها بسبب نقص الأدوية، وتتساءل: ما السبب، هل لأن كل اعتمادنا على شركة مصرية فقط، فتوقف الإنتاج، أم لأننا لم نعد نستورد من الخارج، وما الحل، هل سنظل نعاني هكذا، إذا كنتُ أنا قادرة على التحمل، فهل سيتمكن باقي المرضى من الصمود.

أزمة نقص الأدوية
معاناة المواطنين بسبب نقص الدواء
تروي “إيمان محمد” عن معاناتها بسبب قلة دواء الضغط وعدم وجود بديل مناسب له، تقول “إن المشكلة تكمن في ندرة توفر هذا الدواء في الأسواق، مما يسبب صعوبة كبيرة في الحصول عليه بانتظام، المشكلة تصبح أكثر تعقيدًا مع عدم وجود أدوية بديلة أو علاجات تفي بالغرض نفسه، مما يهدد صحة المرضى الذين يعتمدون على هذا الدواء”.
أما بالنسبة للحل، فالأمر يتطلب تدخل سريع من الجهات المختصة لتنظيم سوق الأدوية، والتأكد من توفر الأدوية الضرورية مثل دواء الضغط بشكل دائم، يمكن أيضًا البحث عن بدائل أو علاجات جديدة وفعالة لضمان استمرارية العلاج للمرضى.
أما عن معاناة الناس في التعايش مع هذه الظروف، تقول مروة “إنهم يضطرون للاستمرار في المعاناة لأنهم ليس لديهم خيار آخر، حيث أن حياتهم تعتمد على تناول الأدوية، ولكن في النهاية، لا بد من التحرك قبل أن نصل إلى مرحلة يصعب فيها العلاج أو التفادي”.
وتشهد مصر حالياً نقصا أدوية حيوية، مثل الأنسولين لمرضى السكر، والبنسيلين للحمى الروماتيزمية، ومخدر “البنج” الذي يستخدمه أطباء الأسنان.
مطالب بالنظر في سعر الدواء
وأوضح النائب”سيد حنفي طه” خلال الشهر الجاري، طلب إحاطة تناول فيه أزمة نقص الأدوية وارتفاع أسعارها، لا سيما الأدوية الضرورية لمرضى الحالات المزمنة، وأوضح أن بعض التقارير أشارت إلى زيادات تتراوح بين 70% و200% في أسعار العديد من الأصناف الدوائية، ورغم ذلك، يجد المرضى صعوبة في الحصول عليها.
وضرب مثالًا بدواء الكولشيسين، الذي كان يُباع قبل عشر سنوات بسعر خمسة جنيهات، لكنه شهد زيادات متكررة حتى وصل إلى 120 جنيهًا حاليًا، ومع ذلك فهو غير متوفر تمامًا حتى في السوق السوداء.
عوامل أزمة الأدوية
لمعرفة الأسباب الحقيقية وراء الأزمة، تحدثنا مع دكتور “أحمد السيد” خبير في صناعة الأدوية، الذي أوضح أن هناك عدة عوامل وراء الأزمة، منها، “نقص المواد الخام” معظم المواد الفعالة مستوردة، وأي اضطرابات في سلاسل التوريد تؤثر على الإنتاج.
“تسعير الأدوية”بعض الشركات تتوقف عن إنتاج بعض الأدوية لأن تسعيرها غير عادل مقارنة بتكلفة الإنتاج، وكذلك “التهريب والتخزين”هناك أدوية تُهرب للخارج أو يتم تخزينها لبيعها لاحقًا بأسعار أعلى.
وأضاف”دكتور أحمد” الحل يكمن في دعم الصناعة المحلية، وإعادة تسعير الأدوية بطريقة عادلة تضمن توفيرها في السوق دون تحميل المواطن أعباء إضافية.

أزمة أسعار الأدوية
دور الحكومة في حل تلك الأزمة
رغم تصريحات وزارة الصحة بأن الأزمة في طريقها للحل، إلا أن المواطنين لا يزالون يعانون، منتظرين إجراءات حقيقية تعيد لهم حقهم في العلاج.
تظل أزمة الأدوية في مصر واحدة من أبرز القضايا الصحية التي تتطلب تدخلاً عاجلاً وفعّالاً، بينما تتزايد معاناة المرضى بسبب نقص الأدوية وارتفاع أسعار البدائل، يبقى الأمل في إيجاد حلول جذرية لهذه المشكلة.
لذلك يجب أن يتعاون القطاع الحكومي والخاص لضمان توفير الأدوية بأسعار عادلة، ودعم الإنتاج المحلي، وتنظيم سلاسل التوريد لضمان استمرارية الحصول على العلاج بشكل سهل وميسر، في النهاية، تبقى صحة المواطن هي الأولوية، ولا بد من بذل المزيد من الجهود لتحقيق ذلك بأسرع وقت ممكن.