تحقيق – ريهام محمد
تُعد عمالة الأطفال من الظواهر الاجتماعية الخطيرة التي تؤثر سلبًا على حياة العشرات من الأطفال، تعني هذه الظاهرة تشغيل الأطفال في أعمال تحرمهم من حقوقهم الأساسية، مثل التعليم والصحة والنمو السليم، وتعرّضهم لأشكال مختلفة من الاستغلال البدني والنفسي.
كما تنتشر عمالة الأطفال بشكل خاص في الدول النامية بسبب الفقر والبطالة، حيث تُجبر العائلات الفقيرة أطفالها على العمل للمساهمة في تأمين لقمة العيش، كما تلعب عوامل أخرى مثل نقص القوانين الصارمة وضعف تطبيقها دورًا في تفاقم المشكلة.
كشف أسباب الظاهرة وتفاصيلها
في هذا الموضوع، نرصد لكم القوانين الدولية والمحلية تحظر تشغيل الأطفال دون سن معين، إلا أن الفقر، والتفكك الأسري، واستغلال بعض أصحاب العمل لهم، تظل عوامل رئيسية تؤدي إلى انتشار هذه الظاهرة.
ومع استمرار هذه المشكلة، يصبح من الضروري البحث عن حلول فعالة لحماية الأطفال وضمان حصولهم على حقوقهم في التعلم والنمو في بيئة آمنة تضمن لهم مستقبلًا أفضل.
الآثار السلبية على الأطفال
تترك عمالة الأطفال آثارًا سلبية خطيرة على صحتهم ونموهم الجسدي، حيث يعملون في بيئات غير آمنة تعرضهم للإصابات والأمراض المزمنة مثل مشكلات الجهاز التنفسي نتيجة التعرض للغبار والمواد الكيميائية، فضلًا عن الإرهاق الشديد بسبب ساعات العمل الطويلة.
كما يؤدي العمل المبكر إلى حرمانهم من حقهم في التعليم، مما يقلل من فرصهم في تحسين أوضاعهم المستقبلية ويبقيهم عالقين في دائرة الفقر، حيث يجدون أنفسهم غير مؤهلين للحصول على وظائف جيدة في المستقبل.
قصص من الواقع لتجسيد روح عمالة الأطفال
يقص علينا “أحمد محمود” يعمل في ورشة حدادة، “بدأت العمل منذ عامين، عندما توفي والدي وأصبحت والدتي المسؤولة الوحيدة عني وعن إخوتي الصغار، كانت تعمل في تنظيف البيوت، لكن دخلها لم يكن كافيًا، فقررت أن أترك المدرسة وأبحث عن عمل لمساعدتها، في البداية كنت أعمل ساعات قليلة، لكن بعد فترة أصبحت أعمل طوال اليوم، من الثامنة صباحًا حتى السابعة مساءً، كنت أحب المدرسة، وكنت أتمنى أن أصبح مهندسًا، لكن لم يكن هناك خيار آخر”.

عمل الأطفال
وعلى جانب آخر من العالم حكت “نور أحمد” تعمل في مقهى، “أستيقظ في السادسة صباحًا، وأساعد أمي قليلًا قبل أن أذهب إلى المقهى في السابعة أبدأ بتنظيف الطاولات، ثم أساعد في تقديم المشروبات أحيانًا أتعرض لمضايقات من الزبائن، وأحيانًا يصرخ صاحب المقهى في وجهي إذا أخطأت في الطلبات، عمل حتى منتصف الليل وعندما أعود إلى البيت أكون متعبة جدًا، فأخلد إلى النوم فورًا”.
وحكاية أخرى يقولها “كريم محمد” «بدأت العمل منذ سنة تقريبًا، والدي مريض ولا يستطيع العمل، وأمي ربة منزل، وليس لدينا مصدر دخل آخر، فاضطررت للبحث عن عمل في المصنع، أساعد في نقل الطوب وتجفيفه أعمل من السابعة صباحًا حتى الخامسة مساءً، وأحيانًا لا أتناول سوى وجبة واحدة طوال اليوم، الجو حار جدًا داخل المصنع، والهواء مليء بالغبار، مما يجعلني أشعر بضيق في التنفس أحيانًا».
التأثير النفسي والإجتماعي على عمالة الأطفال
بالحديث مع الدكتورة “سامية خضر” أستاذ على الإجتماع جامعة عين شمس، عن مدى التأثير النفسي الناتج عن عمالة الأطفال في سن مبكر أكدت أن ذلك له تداعيات نفسية خطيرة على الطفل لأنه في تلك الحالة يكون دائم المقارنة مع الأطفال في نفس عمره.
كما حثت دكتورة علم الإجتماع على ضرورة التأكيد من دور الزوجة فى الاختيار السليم، وكذلك بعد من الزوج والزوجة عن فكرة الطلاق، ومحاولة البحث عن الانسجام والتراضي والتسامح، حفاظاً على عدم سقوط الأطفال في هاوية الضياع.

عمالة الأطفال
تأثير العمل على نفسية الأطفال
وأشارت أستاذة علم الإجتماع، إلى أن عمالة الأطفال تؤثر بشكل سلبي على نفسيتهم وتطورهم الاجتماعي، حيث يتعرضون لضغوط نفسية كبيرة نتيجة بيئات العمل القاسية، مما يؤدي إلى مشاعر التوتر والقلق المستمر، وقد يتطور الأمر إلى الاكتئاب والعزلة بسبب الإرهاق وسوء المعاملة.
وأوضحت “خضر” أن الأطفال العاملون يعانون من ضعف الثقة بالنفس نتيجة شعورهم بالدونية مقارنة بأقرانهم الذين يواصلون تعليمهم، وقد يصابون باضطرابات النوم والكوابيس بسبب الضغوط النفسية.
تأثير عمل الأطفال على الصعيد الإجتماعي
على الصعيد الاجتماعي، تؤدي عمالة الأطفال إلى حرمانهم من التعليم، مما يقلل من فرصهم المستقبلية، كما تضعف مهاراتهم الاجتماعية نتيجة انعزالهم عن أقرانهم في بيئات العمل غير الصحية، مما قد يدفع بعضهم إلى الانحراف والجنوح.
بالإضافة إلى ذلك، تؤثر هذه الظاهرة على العلاقات الأسرية، حيث يصبح الطفل مصدر دخل للأسرة، مما يؤدي إلى استغلاله بدلاً من توفير بيئة مناسبة لنموه، كما أن استمرار الأطفال في العمل يساهم في تعزيز دائرة الفقر، حيث يبقون غير متعلمين ويواجهون مستقبلاً محدود الفرص للحد من هذه المشكلة.
وسائل حماية ورعاية الطفل من الإستغلال
أكدت قائلة: “يجب تفعيل القوانين التي تحظر عمالة الأطفال ودعم الأسر الفقيرة اقتصاديًا، وتعزيز التعليم الإلزامي، إلى جانب توعية المجتمع بمخاطر هذه الظاهرة من خلال وسائل الإعلام والبرامج التوعوية، فالقضاء على عمالة الأطفال لا يحميهم فحسب، بل يسهم في بناء مجتمع أكثر استقرارًا وتطورًا”.
في قرى الريف، حيث يُفترض أن تكون الطفولة بريئة ومليئة بالأحلام، نجد أطفالًا يحملون فوق أكتافهم الصغيرة همومًا أكبر منهم، بين العمل في الحقول، والمزارع، والورش، يكبرون قبل أوانهم، وتُسرق منهم لحظات اللعب والتعليم، في ظل واقع اقتصادي لا يرحم.
ورغم وجود قوانين تمنع تشغيل الأطفال، إلا أن الحاجة أقوى، والفقر لا يترك لهم خيارًا، فهل ستظل هذه الظاهرة مستمرة، أم سيأتي اليوم الذي يحصل فيه كل طفل على حقه في التعليم والحياة الكريمة، الإجابة في يد المجتمع، وكل من يستطيع أن يغير هذا الواقع المؤلم.