تقرير – وفاء العسكري
من قلب الدولة صاحبة احتياطي كبير من الغاز الطبيعي، وتغطي التلال والجبال خمس مساحتها، من بلاد ما بين النهرين دولة العراق، تبدأ قصة جديدة للصراع العربي الإسرائيلي.
إذ شنت دولة العراق هجومًا صاروخيًا على إسرائيل، في 17 كانون الثاني “يناير” عام 1991، وخلال الشهر التالي أطلق حوالي 42 صاروخ سكود على الأراضي الإسرائيلية، معظمها على مدينتي تل أبيب وحيفا، وتزامنت هذه الضربات الصاروخية مع بدء حملة القصف الجوي في حرب الخليج.
وكانت تهدف إلى تفكيك البنية التحتية العسكرية في الكويت، التي كانت آنذاك تحت الاحتلال العراقي، وكانت العديد من الدول ذات الأغلبية المسلمة تشارك بنشاط في التحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة، وتوقعت الحكومة العراقية أن تسحب هذه الدول دعمها إذا ردت إسرائيل على الهجمات الصاروخية بشن هجوم على العراق.
ولكن أقنعت الولايات المتحدة إسرائيل بعدم الرد، وبدأ التحالف هجومًا بريًا على العراق في 23 فبراير 1991، وشهد جيشا العراق وإسرائيل خلال حرب 1948 وحرب 1967 وحرب تشرين، تحركًا ضد بعضهما البعض كجزء من الصراع العربي الإسرائيلي الأوسع.
وطوال الحرب الإيرانية العراقية بأكملها من 1980 حتى 1988، دعمت إسرائيل إيران في حربها ضد العراق من خلال توريد معدات عسكرية، بما في ذلك قطع غيار الطائرات المقاتلة وأنظمة الصواريخ، الذخيرة ومحركات الدبابات، وبعد بداية النزاع كان ما يقرب من 80% من جميع الأسلحة التي استوردتها إيران منشأها من إسرائيل.
ولم يكن دعم إسرائيل لإيران فقط بمساعدة عسكرية بل في 7 حزيران “يونيو” عام 1981 أصبحت إسرائيل محاربًا نشطًا في الحرب الإيرانية العراقية، بعد أن قصفت مفاعل تموز “أوزيراك” النووي العراقي، وكانت دوافع إسرائيل لدعم إيران نابعة من الخوف مما كان سيصبح لو خرج العراق منتصرًا وكفرصة لخلق أعمال لصناعة الأسلحة الإسرائيلية.
وعلى مدار الحملة الجوية لحرب الخليج أو ما يطلق عليها حرب أم المعارك بأكملها، أطلقت القوات العراقية 39 صاروخ سكود على إسرائيل، في الفترة من 17 كانون الثاني “يناير” إلى 23 شباط “فبراير” 1991، وكان الهدف الاستراتيجي والسياسي للحملة العراقية هو إثارة رد عسكري إسرائيلي، وربما إحداث شرخ في التحالف بقيادة الولايات المتحدة ضد العراق.
ويعتبر كان له دعم كامل ومساهمات واسعة النطاق من الغالبية العظمى من دول العالم الإسلامي، وكانت ستعاني من خسائر دبلوماسية ومادية هائلة، إذا ألغت الدول ذات الأغلبية المسلمة دعمها بسبب الوضع السياسي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني المستمر.
وبالرغم من إلحاق خسائر بالمدنيين الإسرائيليين وإلحاق الضرر بالبنية التحتية الإسرائيلية، ولم يحدث انتقام إسرائيلي بسبب الضغط الذي مارسته الولايات المتحدة على إسرائيل، لعدم الرد على “الاستفزازات العراقية” وتجنب أي تصعيد ثنائي.
حيث تستهدف الصواريخ العراقية في الغالب المدن الإسرائيلية تل أبيب وحيفا، على الرغم من إطلاق العديد من الصواريخ، ساهم عدد من العوامل في تقليل عدد الضحايا في إسرائيل.
وطوال أواخر الثمانينيات، قام العراق بتعديل ترسانة صواريخ سكود، وذلك لإنشاء صاروخ باليستي قصير المدى يعرف باسم الحسين، الذكي كان السبب الرئيسي للترقيات وهو زيادة نطاق هذه الصواريخ، فصاروخ الحسين هو صاروخ باليستي أنتج في العراق خلال الأعوام ما بين 1987 و1991.
ويمكن للصاروخ حمل رؤوس كيميائية أو بيولوجية أو نووية، ويبلغ مدى الصاروخ 400 ميل “650 كيلومتر”، واستخدمه العراق في قصف مدن طهران وأصفهان خلال الحرب العراقية الإيرانية، كما قصف الرياض والدمام والظهران وتل أبيب “39 صاروخًا” خلال حرب الخليج.
ولقى مدنيان إسرائيليان مصرعهما كنتيجة مباشرة للهجمات الصاروخية، وقُتل ما بين 11 و74 شخصًا من الاستخدام غير الصحيح لأقنعة الغاز، والنوبات القلبية، والتعاطي غير الصحيح لعقار الأتروبين المضاد للمواد الكيميائية.
إلى جانب تضرر ما يقارب من مجموعه 4,100 مبنى، ودُمر بسبب الصواريخ 28 مبنى على الأقل، وفي المنطقة التي لحقت بها أكبر قدر من الضرر هى مدينة رمات غان.
وليس لدى العراق وإسرائيل أي علاقات دبلوماسية رسمية حيث أن السابق لا يعترف بهذه الأخيرة، وقد أعلن العراق الحرب على الدولة اليهودية التي تأسست حديثًا في عام 1948، ومنذ ذلك الحين ظلت العلاقات بين الدولتين عدائية في أحسن الأحوال.
كما شاركت القوات العراقية في الحروب اللاحقة ضد إسرائيل في عامي 1967 و1973، وفي عام 1981 قصفت إسرائيل مفاعلًا نوويًا عراقيًا تحت الإنشاء في التويثة بجنوب شرق بغداد، زاعمة تهديدًا للأمن القومي، ولم ينتقم العراق.
ولكن خلال حرب الخليج العربي، أطلق العراق على إسرائيل 43 أو 39 صاروخ سكود باليستي معدل، فقُتلَ 14 إسرائيليًا ولم تنتقم إسرائيل بسبب ضغط من الولايات المتحدة.
وقد بنى البريطانيون خطًا نفطيًا في الأربعينات، كان يعبر من غرب العراق عبر إمارة شرق الأردن الخاضعة للحكم البريطاني إلى فلسطين الخاضعة للحكم البريطاني. وبعد ولادة إسرائيل عام 1948 اندلعت الحرب فورًا مع العراق وشرق الأردن والدول العربية الأخرى.
وقد أجبر ذلك على إغلاق خط النفط وأدى إلى تسريب النفط العراقي عبر خط فرعي إلى سوريا، ومنذ عام 1948 كانت إسرائيل والعراق عدوين لدودين، ومن الناحية الفنية ظلت بغداد في حالة حرب مستمرة مع إسرائيل منذ عام 1948.
وقد أرسلت جيوشًا لمحاربة إسرائيل في عامي 1948 و1967، كما أرسل العراق قوات لتقديم الدعم للقوات المسلحة السورية في حرب أكتوبر في عام 1973، وكانت إسرائيل قد اتخذت إجراء عسكريًا عندما قصفت المفاعل النووي العراقي “تموز” في عام 1981، مستشهدة بأن صدام قد يستخدمه لتطوير أسلحة نووية ولم يرد العراق.
وخلال حرب الخليج العربي في 1991 أطلق العراق 39 صاروخ سكود على إسرائيل، وأما في عام 1995 ووفقًا لما ذكره المؤلف البريطاني نايجل أشتون، بعث رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين رسالة إلى صدام حسين عبر العاهل الأردني الملك حسين، طالبًا عقد اجتماع بينه وبين صدام حسين.
وأعرب رابين عن أمله في أن يشجع سلام مع العراق إيران وسوريا على القيام بنفس الشيء، وقد اغتيل رابين في نوفمبر منهيًا بذلك الاتصال بين الحكومات، وكان رابين قد أشرف في السابق على عملية شجرة العوسج، وهى خطة فاشلة في عام 1992 لاغتيال صدام بمغاوير سايرت ماتكال.
حيث حظى صدام حسين باحترام واسع النطاق في العالم العربي، لموقفه المؤيد للفلسطينيين وقد دعم العديد من المقاتلين والمنظمات المسلحة الفلسطينية، وذلك خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية حيث أرسل العراق دعمًا ماليًا لأسر الشهداء الفلسطينيين “التي تشمل منفذي العمليات التفجيرية”.
وأطاح تحالف بقيادة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في عام 2003 بحكومة صدام في مسعى، يطلق عليه عملية حرية العراق، وعلى الرغم أن إسرائيل لم تدرج في التحالف، فإن هناك دلائل على تأييدها له، وذلك وفقًا لما ذكره جون كيري.
وكان نتانياهو “كمواطن عادي” يميل إلى الموافقة بشكل عميق وصريح بشأن أهمية غزو العراق، وذكرت صحيفة واشنطن بوست أن إسرائيل تحث مسؤولي الولايات المتحدة، على عدم تأجيل الضربة العسكرية ضد الرئيس العراقي صدام حسين.
وأفيد أيضًا بأن المخابرات الإسرائيلية زودت واشنطن بتقارير مقلقة عن برنامج العراق، المزعوم لتطوير أسلحة الدمار الشامل، وعلى النقيض من ذلك جادل البعض بأن إسرائيل لم يكن لها دور كبير في الدفع من أجل الحرب، وقال وكيل وزير الدفاع الأمريكي الأسبق دوغلاس فيث أن المسؤولين الإسرائيليين لم يدفعوا نظرائهم الأمريكيين.
وذلك للبدء في الحرب في العراق، وفي مقابلة مع واينت قال فيث إن ما سمعتوه من الإسرائيليين لم يكن أي نوع من الدعوة إلى الحرب مع العراق، وإن ما سمعتوه من المسؤولين الإسرائيليين في المناقشات الخاصة، هو أنهم لم يركزوا حقًا على العراق، ولقد كانوا أكثر تركيزًا على إيران.
وقال إياد علاوي رئيس الوزراء العراقي السابق، في عام 2004 أن العراق لن يوفق بين خلافاته وإسرائيل، وفي 1 يوليو 2008 صافح وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك، والتقى بالرئيس العراقي جلال طالباني بإيجاز في مؤتمر الأممية الاشتراكية في اليونان.
وكان باراك وطالباني على حد سواء في المؤتمر كممثلين لأحزابهم السياسية، العمل والاتحاد الوطني الكردستاني، وقد زار النائب العراقي مثال الآلوسي إسرائيل مرتين في عام 2004 ومرة أخرى في عام 2008.
وذلك ما استرعى احتجاج من الكثيرين في الحكومة العراقية، ودعا إلى العلاقات الدبلوماسية وتبادل الاستخبارات العسكرية بين العراق وإسرائيل، وخلال حرب غزة من 2008 حتى 2009، أدانت الحكومة العراقية إسرائيل للهجوم، وذكرت أن “الحكومة العراقية تطالب بوقف العمليات العسكرية، وبأن أرواح المدنيين لا تتعرض للخطر دون داع”.
وتطلب إلى المجتمع الدولي أن يفي بمسؤولياته ويتخذ التدابير اللازمة لوقف الهجوم، ودعا حزب الدعوة الذي ينتمي له رئيس الوزراء نوري المالكي الدول الإسلامية إلى قطع العلاقات مع إسرائيل، وإنهاء جميع “المحادثات السرية والعامة معها”، كما دعا الزعيم الشيعي العراقي علي السيستاني إلى اتخاذ إجراءات حاسمة من جانب الدول العربية والإسلامية.
وذلك لوضع حد للهجمات الإسرائيلية على غزة، ومع أنه أدان العملية، فقد ذكر أن “دعم إخواننا بالكلمات فقط لا معنى له، بالنظر إلى المأساة الكبيرة التي يواجهونها”، وبعد غارة أسطول غزة في عام 2010، أدان مسؤول حكومي عراقي، النائب خير الله البصري “عضو في ائتلاف دولة القانون التابع لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي” الهجوم.
ووصفه “البصري” بأنه “كارثة إنسانية جديدة”، فضلًا عن كونه “انتهاكًا لحقوق الإنسان وخرقًا للمعايير والقواعد الدولية”، وفي يوليو 2012 قال رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إن العراق سيقيم علاقات دبلوماسية مع جميع البلدان باستثناء إسرائيل.
واتهم بعض المسؤولين العراقيين والقادة الأكراد الحكومة العراقية بتهريب النفط سرًا إلى إسرائيل، واتهم النائب الكردي فرهاد الأطروشي الحكومة العراقية بتهريب النفط إلى إسرائيل عبر الأردن، ونفى هذا الادعاء نائب رئيس الوزراء العراقي حسين الشهرستاني ووزير الاعلام والاتصال الأردني راكان المجالي.
كما نفى رئيس الوزراء العراقي المزاعم واتهم بدوره كردستان العراق بتهريب النفط إلى إسرائيل، وقبل استفتاء استقلال كردستان العراق عام 2017، كانت إسرائيل القوة العالمية الرئيسية الوحيدة التي دعمت استقلال كردستان العراق.
وفي الهجوم العراقي اللاحق لاستعادة الأراضي في العراق، التي كانت تحت سيطرة البشمركة منذ هجوم داعش في شمال العراق في عام 2014 “المعروف باسم أزمة كركوك”، حيث اجتاح الجيش العراقي بسرعة الأراضي التي استولت عليها البشمركة الكردية خارج حدود كردستان العراق خلال الحرب على داعش.
بما في ذلك مدينة كركوك، وخلال الحرب القصيرة ضغط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على القوى العالمية، لمنع المزيد من الانتكاسات لأكراد العراق، وفي 26 مايو 2022 أقر مجلس النواب العراقي مشروع قانون، قدمه مقتدى الصدر يحظر تطبيع العلاقات مع إسرائيل وكذلك “المساعدة المالية أو المعنوية” للبلاد.
ويُعاقب كل من يخالف القانون إما بالإعدام أو بالسجن مدى الحياة، ومن أصل 329 مقعدًا صوت 275 لصالح مشروع القانون، والذي سيتم تطبيقه أيضًا على الشركات الأجنبية في العراق، وأعضاء الشتات العراقي والمنظمات والأجانب الذين يزورون العراق.
واتهمت وزارة الخارجية الأمريكية العراق بـ “تعريض حرية التعبير للخطر وتعزيز بيئة معاداة السامية” ردًا على ذلك، كما أعرب مسؤولون بريطانيون أجانب عن مخاوفهم بشأن تداعيات القانون، وحتى الآن لا توجد علاقات بينهم.