تحقيق – وفاء العسكري
ظهر في المجتمع خلال الفترة الحالية، العديد من المشاكل، ومنها المشاكل التعليمية، ولذلك ظهرت ظاهرة “التسرب المدرسي”، وتعرف على أنها انقطاع الطالب عن الدراسة، وعدم إتمامه لهذه المرحلة، وهى من الظواهر الخطيرة المنتشرة، بشكل كبير في مختلف المجتمعات، حيث أنها تؤثر في الطفل سلبًا، وتعيق نمو المجتمع وتطوره، وتقدمه في مختلف مجالات الحياة.
فقالت الاء حسن أحد الامهات لطالب في بداية المرحلة الاعدادية، إن والد الطالب لا يريد من ابنه تكملة تعليمه، وقال إن التوجه للعمل، أفضل في ظل الظروف الإقتصادية الصعبة الحالية، لكي يساعده في مصاريف المنزل، وعندما حاولت التحدث مع زوجي قال لي إن التعليم لم يعد له أهميه، والعمل له أفضل، ليقوم بتكوين نفسه ويتزوج، أفضل من تضييع السنين في تعليم أو شهادة لم يعمل بها.
وللظاهرة أسباب عديدة ذكرتها لنا المعلمة “چيهان السيد” أحد معلمي مدرسة النحال الإعدادية بنات، فقالت إن أسباب التسرب المدرسي عديدة، ولكن أبرزها وجود مشاكل لدى الطالب، وتدني مستوى التحصيل الدراسي، ووجود صعوبات في التعلم، وضعف القابلية تجاه التعلم من قبل الطالب، وأصدقاء السوء خارج أو داخل المدرسة.
وأضافت المعلمة وجود مشاكل لدى الأسرة مثل حالات الطلاق والانفصال، حيث تقل درجة الاهتمام، والإشراف على الأبناء من قبل الأهل، ووفاة أحد الوالدين خاصة الأم، مما يدفع بعض الفتيات لترك المدرسة، حتى تكون بمثابة الأم للأخوة الصغار.
وتابعت “چيهان” بالإضافة إلى عدم تشجيع الأهل للطالب على الدراسة، ومساعدته على تخطي مشاكل التعليم، وعدم اهتمام الأسرة بظاهرة التعليم، ويعود ذلك إلى العادات، والتقاليد في العديد من البلدان، وأيضًا لجوء الطالب إلى العمل، أثناء هذه المرحلة بسبب فقر الأسرة، أو تدني دخلها.
وأكملت معلمة الفصل أن هنالك العديد من الدراسات، وضعت سمات عامة للطلاب المتسربين من التعليم، ومنها الأطفال ذوو القدرات العقلية المحدودة، والطلاب أصحاب الظروف الإقتصادية الصعبة، والأطفال الذين يعيشون في أسر تعاني من التفكك الإجتماعي، والأطفال ذوو الكفاءة، ولكن لديهم مشكلات مع مدرسيهم أو زملائهم، والأطفال ذوو السلوك الخاص نتيجة ظروف إجتماعية، تدفعهم إلى العدوانية تجاه مدرسيهم وزملائهم.
وأشار محمود جودة أحد معلمي النشاط المدرسي “الصحافة” بالمدرسة، إلى وجود مشاكل في البيئة المدرسية، مثل نفور الطالب من المدرسة، وعدم الشعور بانتمائه لها، وتعرض الطالب للعقاب المعنوي، والبدني من قبل المعلمين، وشعور الطالب بالتمييز بين الطلاب من قبل المعلمين.
وأضاف المعلم عدم توفر مدارس مهنية في مختلف المناطق، بالرغم من أنها ذات تأثير واضح في الحد من تسرب الطلبة، وعدم توفر أشخاص مقربين من الطالب في المدرسة، فلا يجد من يساعده على تخطي المشاكل التي يواجهها، بالإضافة إلى “الأساليب التقليدية المملة” المتبعة، من قبل بعض المعلمين في عملية التدريس.
وأوضح “جودة” أنه خلال الفترة الماضية، كان يرى الكثير من الأبحاث في تلك الظاهرة، ومنها تعريف اليونسيف “التسرب من التعليم”، على أنه: “عدم التحاق الأطفال الذين هم بعمر التعليم بالمدرسة، وتركها دون إكمال المرحلة التعليمية التي يدرس بها بنجاح، سواء كان ذلك برغبتهم أو نتيجة لرغبات أسرتهم، وكذلك عدم المواظبة على الدراسة لعام أو أكثر”.
وأضاف “محمود” أنه بحسب منظمة اليونسكو، يعرف بأنه كل شخص لا يكمل دراسته، ويترك مقاعد التعليم قبل إنهاء سنوات الدراسة، وأما المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، فعرفت التسرب بأنه: “صورة من صور “الفقر التربوي” في المجال التعليمي، وترك التلميذ الدارسة في إحدى مراحلها المختلفة”.
وتابع معلم الصحافة أنه بحسب ما قراء أن المشكلة تتخذ شكلين، الأول: عدم إلتحاق الطفل بالمدرسة، منذ البداية واستمرار تجنبه الإلتحاق بها، وكذلك عزوفه عن الرغبة في التعليم خلال مراحل حياته المختلفة، والثانية: انقطاع الطفل عن الحضور للمدرسة بصفة دائمة “سنة على الأقل”، بعد أن التحق بها، وهذا يختلف عن مفهوم التغيب أو عدم الإنتظام.
وبوجود تلك الأسباب التي تعتبر في الحقيقة مشاكل، فبالتالي هنالك آثار مترتبة على الظاهرة، فأوضح حازم عبد الجواد الأخصائي النفسي بالمدرسة، أنه من الآثار المترتبة هو إهدار الطاقات، والقدرات والأهداف التربوية، بالإضافة إلى زيادة نسبة الأمية في المجتمع والبطالة أيضًا، وزيادة حجم المشاكل في المجتمع مثل تعاطي المخدرات، والسرقة، والاعتداء على الآخرين وممتلكاتهم.
وأضاف “عبد الجواد” وزيادة نسبة التسرب يجعل اهتمام المجتمع، يتحول من البناء والإعمار والتطوير إلى الإصلاح والعلاج والتهذيب، وبالتالي ستزيد أعداد السجون والمستشفيات، وتلك الظاهرة تعيق تطوير البرامج، والمناهج التعليمية، وتزيد العباء على رجال الأمن، والتأثير بالسلب على القدرة الإنتاجية، ودلت دراسات في مجال اقتصاديات التربية، على أنه هنالك علاقة بين القدرة الإنتاجية والدخل الإقتصادي المادي.
وتابع الأخصائي لأن التعليم يعتبر أقوى استثمار بالنسبة للبشرية، ويعد رأس المال والدعامة الحقيقية في مجال التنمية الشاملة، ومن آثار التسرب أيضًا اختلال البنية الإجتماعية، حيث أنه سيصبح المجتمع منقسم إلى مجموعة متعلمة وناجحة في دراستها، ومجموعة أخرى لا تستطيع توفير لنفسها حياة كريمة، وتصبح عالة على المجتمع.
وأشار “حازم” إلى أن للمدرسة أثرًا على صحة الطالب النفسية، بوصفها قوة تعمل على ثقل مهارة وشخصية المتعلم، والطالب عندما يتسرب من المدرسة، يفقد هذا السند والدعم، الذي يقدمه المحيط المدرسي له، وعدم انتفاع المتعلم بالمعارف والخبرات، التي تؤثر على نضجه الجسدي والعقلي والإجتماعي والوجداني، وفي نضج شخصيته أيضًا، وقدرته التي تؤهله للاستمرار في الحياة.
وتابع الأخصائي النفسي أن المتسرب لا يحقق اي تأثير في المجتمع ولا يؤثر على عائلته إلا بالسلب، ويؤدى إلى خروج أعداد كبيرة من الصغار إلى الحياة، دون أن يكتسبوا الحد الادني للمواطنة، فالتعليم الأساسي يمثل في بعض المجتمعات العربية الحد اللازم للمواطنة، إذ أن الهدف من هذه المرحلة بصفة عامة، هو اكتساب قاعدة مقبولة من القيم والأخلاق والاتجاهات.
بالإضافة إلى تنمية الأطفال عقليًا وخلقيًا وإجتماعيًا وقوميًا، وتزويدهم بالقدر الأساسي من المعارف البشرية، والمهارات الفنية والعلمية، التي لا غنى عنها للمواطن المستنير، لشق طريقه في الحياة بنجاح.
وأكمل “حازم عبد الجواد” أن للمعلم دور علاجي في ظاهرة التسرب، فمعاملة المعلم للتلاميذ وعلاقتهم به، إذا قامت على أساس الحب والمودة والاحترام المتبادل، تكون من عوامل جذب الطالب إلى البقاء في المدرسة، وقد تفرض البيئة على المعلم أن يقوم بدور المعلم والأسرة معًا، وتقديم الرعاية النفسية والتوجيه والإرشاد للطالب، سيجعله يشعر بأهمية المدرسة والتعليم.
وأكملت سناء محمد الأخصائية الإجتماعية بالمدرسة أن مراعاة الفروق الفردية بين التلاميذ، تسهل الاستمرار في عملية التعليم، وبالتالي لم يترك التلميذ المدرسة، كما أن المعلم يجب أن يستعمل في التدريس طرقًا مرنة، يتجاوب معها التلميذ التي تعتمد على الوسائل التعليمية المناسبة، والدافعة إلى حب التعليم، وأيضًا إلمام المعلم بمادته الإلمام الكافي، وعرضها بشكل ملائم، ذلك يدفع التلميذ للاهتمام بالمادة وحبها.
وأشارت الأخصائية النفسية إلى أنه يوجد للأسرة دور كبير في بناء الفرد، فهى المجتمع الصغير، الذي ينشأ فيه الطفل ويتربي على قيمه، ويطرح فيه ما يتعرض له من مشكلات، لتكون آراء الأسرة واقتراحاتها، وما تقوم به من خطوات تعتبر حلول لما يتعرض له الطفل، من مشكلات تؤثر على مستقبله.