تحقيق – إيمان أشرف
يتأثر الشباب بـ البيئة والمجتمع تأثرًا شديدًا، ففي ظل وجود مجتمع شرقي يحصر حرية الشباب، في نفس ذات الوقت الذي يشعل الطموح والحماس في نفوسهم، ويجعلهم شعله أمل لتحقيق اقصى الأماني والأحلام، ولكن يظهر شبح “لا يجوز هذا ضد عاداتنا وتقاليدنا”، الشبح القادر على تحطيم الآمال في لمح البصر، ولكن يظل الآلام يغزوا القلوب ولا يشفى.
الكثير منا كان لديه حلم، أو فكرة غير تقليدية ولكن عادات مجتمعه جبرته على الصمت وطرد تلك الأفكار في الفضاء الطلق، كمحاولة للحفاظ عادات مجتمع أشبه بالسجن الذي يحبس صاحبه دون البوح بأي شيء، ومن ناحية أخرى يوجد من يحاول مرارًا تكرارًا لتنفيذ افكاره وأحلامه، أو حتى جعل أفكاره تواكب العادات والتقاليد للتصدي لها، وكمحاولة لعدم كسر قاعدة يسير عليها المجتمع.
وعلى صعيد آخر، يوجد من يفكر في كيفية تنفيذ أحلامه وطموحاته دون النظر إلى شبح العادات والتقاليد، سواء أن كانت تلك الأفكار مع أم ضد عادات مجتمعه، أهل يعد ذلك هو أفضل الفئات في تحقيق أمانيه وذلك ما سنتناوله في الموضوع.
كان عندي حلم وأهلي خلوه كابوس.. آراء الشباب حول العادات والتقاليد
تحدثت “نسمة هاني” عن مدى تقيد العادات والتقاليد لحريتها قائله: اصبحت العادات والتقاليد تقيدنا أكثر من المحافظة علينا، ولذلك وفي الكثير من المجتمعات الشرقية والريفية تجبر الفتاة على الزواج المبكر قبل انتهائها من سن العشرينات، بالإضافة إلى عدم السماح لها بالعمل في بعض الوظائف خوفًا من نظرة المجتمع لها، في ظل تلك التحكمات تم تقيد حريتنا كـ نساء نصف المجتمع، على العكس يحب ان تكون التقاليد وسيلة نحافظ بيها على هويتنا دون أن نلغي شخصيتنا.
بينما أضافت “بسملة حسن” أصبح مجتمعنا مقيد أكثر من اللازم، وأصبح إجباري على الأبناء ان يتطبعوا بصفات الآباء وأن يكونوا نسخة منهم، دون مراعاة تكوين شخصيتهم، وذلك ما يجعلنا نبحث عن أفكار غير تقليدية مثل السفر أو الهجرة للهروب من براثن الأهل.
واستكملت “بسملة”، لا يسمح للفتايات تكوين صداقات مع الشباب، حتى وأن كانت في ظل تعاملات العمل، وذلك ما يجعل الكثير من الأهل مانعة لعمل للفتيات وحرمانهم من مواصلة تعليمهم.
وعلق “ابراهيم محمود” عن مدى تقيد العادات والتقاليد للشباب في أمور الزواج، محدثًا، يقع على عاتق الشباب الكثير من الأموال حين يريدون الزواج، من حيث المنزل وسعر الذهب “الشبكة” مقارنة بـ إحدى أقارب العروسة، دون النظر إلى حالة الشاب المُقدم على الزواج، وهذا ما يدفعنا للسفر إلى الخارج وفي بعض الأحيان يصل الموضوع إلى الهجرة للهروب من عادات وتقاليد لا مساس لها من الصحة، ولكنها أصبحت شائعة بين المجتمع.
وقالت “تسنيم أكمل” يعطي للولد الحرية أكثر من الفتاة، على سبيل المثال يسمح للشاب السفر للعمل خارج البيت، أو المدينة، او نطاق المحافظة، بالإضافة إلى التدخل الزائد في قرارات الفتيات تحت مسمى انتِ فتاة لا تعلمين شيئًا، على الرغم من أن التربية الصحيحة هي الحامي لقراراتنا وليس العادات.
آلآم الشباب في سطور قليلة.. قصص مؤلمة من الواقع
تروي إحدى الفتيات آلآمها حول تجربتها بالختان قائله: في ظل سجن القرية وقع أكثر من سكانها لختان الإناث، وذلك دون النظر للعائد النفسي على الفتاة، فيقرروا ختانها تحت مسمى الحفاظ عليها، وذلك في ظل معارضتها وتحريم الدولة والدين لتلك الجريمة، تاركينها بآلامها وقلة حيلتها وتعبها النفسي والجسدي وعدم ثقتها بمن حولها، بعد أن خانها أكثر من كانت تؤمن به.
أما عن الناحية الدراسية فيحكم في الكثير من المناطق منطق “كليات القمة”، حيث يحدد الآباء مصير تعليم الأبناء دون الأخذ برأيهم، مما يجعلهم يسعون في الإنتهاء من السنوات الدراسية بأسرع وقت، ولكن يكمن تنفيذ تلك الرغبة في تحطيم آمال أجيال كان من الممكن أن يفيدوا المجتمع اذا دارسوا واهتموا بمجال تحت رغبتهم.
وتحدثت “ماجدة علي” لدينا بعض العادات في قريتنا التي ليس لها اي مساس علمي، وهي عند ولادة اي فتاة حديثًا يتم ذبح وطواط ونثر دمائه علي جسد المولودة، لاعتقاد الكثير أن بذلك يقف نمو الشعر للفتاة في أنحاء جسدها، وهذا دون الأخذ بالاعتبار أن يكون الوطواط حامل لأمراض وفيروسات خطيرة يمكن انتقالها عن طريق الدماء لجسد الرضيعة.
يعد الطلاق للفتاة من وصم العار في الكثير من المجتمعات حتى وأن كان أنسب حل لحمايتها من علاقة مؤذية كان من الممكن أن تخرج منها خاسرة لذاتها، حيث قالت “ملك محمود”: الطلاق في بعض الأحيان يعد الحل الأمثل، لخروج الزوجة بأقل الخسائر، وذلك بعد محاولات كثيرة باتت بالفشل بين الزوجين للمحافظة على كيان المنزل، ولكن المجتمع لا ينظر لذلك، بل يقع اللوم على الزوجة لعدم المحافظة على زوجها ومنزلها، ويظل الطلاق وصمة عار في حقها مدى الحياة.
نماذج واقعية لمحاربة التقاليد السامة
تعد الطبيبة “نوال السعداوي” أحد الناشطات الحقوقية، التي تحدت تقاليد المجتمع، ورفضت الختان والزواج القسري، ودافعت عن حقوق المرأة في الحرية والإختيار، وبرغم الهجوم التي تعرضت له إلا أنها استمرت في الدفاع عن آرائها.
والجدير بالذكر أن فرقة “غزل” تضم 18 موهبة نسائية، بينهن محجبات، حافظن على عاداتهن وحريتهن في ذات الوقت، للتعبير عن حبهن للموسيقى والفن، وغيرهن الكثير من الفرق مثل بنات مصر، وفرقة الحرملك.
ويأتي أيضًا أحمد الغندور “الدحيح”، حيث انه يقدم محتوى علمي ساخر ومختلف عن السائد، وبرغم تعرضه للرفض، إلا أنه قدم المحتوى بأسلوب ذكي ومحترم يجذب الملايين، ويغير نظرة الشباب للعلم والمعرفة.
رأي الطب النفسي في مواجهة العادات والتقاليد والمحافظة على الحريات
وبسؤال الدكتورة “منة الله إسماعيل” طبيبة نفسية، حول تأثير العادات والتقاليد سلبيًا على نفوس الشباب قالت: التأثير النفسي بيبقى قوي واكتر لدى الفتيات بشكل غير طبيعي، بسبب الأحساس بالتقليل من الذات لمجرد انها أنثى غير مسموح لها بالكثير من الأشياء، وذلك ما يدفعها للرفض للعديد من قوانين المجتمع، ويؤدي ذلك إلى خطأ البنات في الكثير من المواقف، ووجود انحرافات واضطرابات سلوكية عديدة نتيجة التفرقة العنصرية بين الإناث والذكور.

الدكتورة “منة الله إسماعيل” طبيبة نفسية
واضافت “منة الله” ترى الفتاة أنها مماثلة تمامًا للولد، وان لديها العديد من الفرص ولكن لكونها بنت تمنعها من استخدام قدراتها، وذلك ما يعرضها لضغوط نفسية، على النقيض السماح للولد بكل شيء إلا حد ما، حتى وأن أخطأ، حيث تأتي التفرقة أيضًا في الأخطاء، فيسمح للشاب أن يخطأ بينما الفتاة أن أخطأت فكأنها فعلت جريمة.
واستكملت “إسماعيل” حديثها: بسبب الضغوط النفسية تلجأ الكثير من الفتيات الى الزواج كهروب من واقع عدم تحقيق الذات والأحلام، فيكون الزواج هو المهرب الوحيد لها في محاولة لتحقيق الذات وتكوين أسرة، وبذلك تقع الفتاة في نفس أخطاء الأم، وذلك يكون ناتج عن اضطراب التنشئة أكثر من كونه عادات وتقاليد المجتمع، خاصة في ظل وجود التطورات الحديثة للمجتمع حاليًا، بالإضافة إلى عدم وجود الحريات الكافية للإناث لتحقيق الذات، فيكون مستقبلها بعد التعليم هو الزواج لا سيما في المجتمعات المتوسطة والأقل من المتوسطة.
وتابعت منة الله: يكون ناتج هذة التأثيرات السلبية الناجمة عن قلة الخبرة الاجتماعية والتقليل من الذات وعدم الثقة، فضلًا عن ذلك لا تتوقف العادات والتقاليد على العمل والخروج خارج المحافظة او المدينة، وإلى الآن يوم الكتير من المجتمعات ترفض عمل البنت بحكم أن ممكن أن تتعرض للإساءة أو المضايقة، وذلك ما يعرضها للحماية الزائدة وفقدان الثقة بنفسها، وينتج عن ذلك قلة الخبرة بعد الزواج وتكون تنشئة أطفالها غير سوية.
وتحدثت الطبيبة النفسية بشأن الولاد في ظل التأثيرات النفسية عليهم قائله: أما بخصوص الشاب، فيقع تحت تأثير نفسي كبير بحكم انه الرجل الذي يجب عليه ان يعمل كل شيء، لتربيته في عادات وتقاليد تقع علي عاتقه كل المسؤوليات، فعند نضج الشاب يستقل بحياته ويجبر على تحمل أعباء حياته، بالإضافة إلى الزواج خاصةً في ظل ارتفاع الأسعار والمعيشة، لا سيما الوضع الإقتصادي السائد في البلد، فيكلف الشباب باشياء تفيق حدهم.
بالإضافة إلى إنتشار البطاله بشكل كبير، فيؤدي إلى الانحرافات الجنسية التي نراها في مجتمعنا حالياً، فيجب على المجتمع توفير فرص عمل تمكنه من تكوين أسرة، وأيضًا يجب علي الأهل الحد في الإعتبار أن الشباب ما زال في بداية حياته وتبسيط الأمور أمامهم.
أما عن وجهة نظر “منه الله” بخصوص مراعاة الأهل حريات ابنائهم: «من وجهة نظري للأهل للمحافظة على حرية أولادهم، بإعطاء الحرية للبنات مثل الولاد، مع وجود متابعة لهم، وتصليح الأخطاء، والحديث معهم على من الحين للآخر لمعرفته ماذا يعانون، ويجب علي الفتاة عدم الوقع في الخطأ مرة ثانية، وبذلك يجعل الفتيات قادرون على تكوين شخصية سوية وأسرة تفيد المجتمع».
أما بالحديث على العادات والتقاليد قالت الطبيبة النفسية: إثر العادات والتقاليد على الشباب الذين يستسلمون للعادات والتقاليد، فيتعرضون للضغوط النفسية الشديد والانحرافات الشخصية، أو الزيادة في إرتفاع البطالة، أو يتجهون للسرقة والاعتداءات الجنسية، ويجب علي الأهل المحافظة على الأبناء وعند الزواج مراعاة ظروف الشاب، وتوفير المجتمع فرص عمل لهم.
الآثار النفسية الناتجة عن الرفض في ظل العادات والتقاليد
عندما يتعرض الشباب للرفض ينمو بداخلهم انعدام الثقة بالنفس، لما فرضوا عليه تحت مسمى “ضد عاداتنا وتقاليدنا”، وهذا مع يجعل الفرد متردد في اتخاذ قرارات حتى البسيطة، بالإضافة إلى الشعور بالدونية والعجز، الناتج عن الرفض بسبب الجنس، أو الطبقة الإجتماعية أو التعليمية، والقرارات المفروضه عليه.
فضلًا عن ذلك، الكثير من الشباب يكبتون مشاعرهم الغاضبة نحو التقاليد، مما يجعلهم يغيرون في سلوكهم إلى العزلة والتمرد، وشعورهم بالقلق المستمر، والاكتئاب، والإحباط؛ لفقدانهم القدرة تحقيق أحلامه.
بعض الشباب لديهم ازدواجية الشخصية، حيث يعيشون بشخصيتين إحداهما مطيعة للمجتمع، والأخرى تخلق صراع داخلي مزمن، لا سيما اضطرابات الهوية، وذلك يخدث حينما يجبر الشخص على تصرف او سلوك معين يمنعه من التعبير عن ذاته.
الآثار الإجتماعية الناجمة عن العادات والتقاليد
حينما يتأثر الفرد يتأثر المجتمع ككل وتعطل مهامه، حيث يعد الصراع بين الآباء والآبناء والتفكك بين الأجيال من أهم التأثيرات الإجتماعية السلبية الناتجة عن العادات المقيدة للحريات، بالإضافة إلى انتشار النفاق الاجتماعي، حيث يجبر الشباب على تصرف معين أمام المجتمع، وذلك ما يخلق نوع من الانفصام المجتمعي.
بالإضافة إلى هجرة العقول والكفاءات، حيث يهرب الشباب إلى بيئات أخرى أكثر حرية، وذلك ما يزيد من ضعف المشاركة المجتمعية وتحول الشاب إلى فرد سلبي، لا يشارك في المجتمع او يطوره، وما ينتج عن ذلك هو تكرار نماذج القمع، حيث غالبًا ما يتكرر تلك المواقف مع الأب أو الأم، وهذا ما يخلق قيود مستمرة وجمود اجتماعي.
وذلك ما ينتح عنه عزوف عن الزواج خوفًا من تكرار نفس النمط مجددًا، مما يجعل الشباب يرفضون فكرة الزواج بدلًا من الطلاق، وانتهاء الحياة الزوجية في فترة قصيرة.
في بعض الأحيان قد تجبرنا العادات والتقاليد على العيش في حياة ليست لنا، وضد أحلامنا، ولكن نملك دائمًا حق في اختيار من نكون، وماذا نريد، بإمكاننا اختيار الحياة التي نريدها ونفتخر كوننا أحد أفرادها، حتى وأن كان ضد المؤلوف طالما في إطار الإحترام، فالأحلام لا تتوارث وإن لم نحققها بذاتنا لم تتحقق أبدًا، فقد آن الأوان للبحث بداخلنا عما دُفن واندثر خوفًا من المجتمع والتقاليد، فليس كل ما ورثناه مقدسًا، فبعض القيود تغلف بحجة “التقاليد”.