تحقيق – سوزان الجمال
“جلب الحبيب ولم شمل الزوجين خلال ساعة، وسعة الرزق ودفع الأضرار، وفك العمل،” كلمات الدجل والشعوذة التي روج لها النصابون بين المواطنين وعبر وسائل السوشيال ميديا المختلفة والقنوات الفضائية الغير مرخصة، والتي يتم الإعلان عنها خلال هذه القنوات القائمة على الترويج لأعمال السحر والشعوذة، لتصبح الخرافات التي سار خلفها الجهلة والموهومين بفكرة الدجال، حديث الساعة والعصر.
ونشأت ظاهرة الدجل منذ فترة طويلة، فاللجوء إلى المشعوذين وقارئي الطالع ظاهرة عالمية وخاصة المجتمعات العربية، تأسر الأشخاص بمختلف أطيافهم سواء العاديين أو المشهورين، فمعرفة المستقبل وإدراك الغيب والمخفي أسرار داعبت الخيال البشري منذ القدم، فأعمال السحر والشعوذة، تعتبر من أكبر المحرمات، التي نهى عنها الدين الإسلامي وتعد من أكبر المشكلات في المجتمع، فكثيرًا ما نسمع أو نقرأ قصصًا، وحكايات عن عمليات النصب والاحتيال.
وظهرت إحدى الصفحات على موقع التواصل الإجتماعي “فيس بوك”، يعلن من خلالها أحد الأشخاص قدرته على العلاج الروحانى، وفك العقد والعلاج من أي أمراض، وجلب الحبيب خلال ساعة فقط، وذلك من خلال أرسل صورة شخصية والأسم، نظير مبلغ مالي.
تواصلت محررة جريدة ” الأنباء المصرية” مع أحد الأشخاص تدعي “الشيخه أم جهاد” من خلال ” الواتس آب”، باسم وهمي تدعي “ناهد”، تعاني من جفاء زوجها وعدم تجاوبه معها في العلاقة الغرمية، كما تعاني من ضعف مهاراته في الحديث فضلاً معاناته من البرود الجنسي.
“السلام عليكم ورحمه الله وبركاته هل يمكنني التواصل مع الشيخه”، هكذا كانت بداية الحديث بين المحررة “الأنباء المصرية” والسيدة الذي تدعي شيخه روحانيه، في المقابل رحاب الطرف الثاني بالحوار، وقالت أنه مستعدة للتواصل، وما إن بدأنا الحديث حتى وجدنا محاولة الاتصال بالفيديو من طرفه.
رفضنا التواصل معها بالفيديو بحجة ضعف الشبكة حتى لا تنكشف الخطة، وبعد طرحنا السؤال المذكور من قبل، ردت السيدة وسالت ما اسمك وما إسم زوجك وكم عمره وما إسم والدته.
بالطبع أجبنا على الأسئلة بأسماء وهمية، فوجئت بأنه تقول وجدتنه في كتابة، وأكدت إنه شخص معدوم المشاعر وعدم الخبرة في التعامل مع النساء، كما إنه لا يفقه شئ عن الحب، وإنه يوجد عقدة بيني وبين زوجي، ثم طلبت مني مبالغ مالي لكي تستطيع أن تحل العقدة، لكن ما هو الحل؟.
وتحدثت “سناء.ج.ع” 32 سنة، أحد ضحايا السحر والشعوذة عن تجربتها مع إحدى الدجالين يدعي “أبو ياسين” وقالت أنها كانت تعاني من مشكلة عدم الإنجاب، وتوصلت مع “الشيخ أبو ياسين” الذي له سمعه جيده بين الناس وإنه قادر على فك السحر ويعالج السيدات التي تعاني من عدم الإنجاب، وذلك دون أي مقابل مادي.
وأضافت “سناء” عندما ذهبت اليه قال لها “الشيخ” إن عدم انجابك هو جن يعشقك، ولكي يصرف هذا الجن عليها إن تذهب لها يومياً لعمل جلسات، وقالت عندما كانت أذهب لعمل جلسات العلاج كان يطلب منها اشياء غريبه مثلاً إنه يقوم بلمس منطق معينة في جسده، ويطلب منها إنها تقوم بتصوير نفسها وهيه بدون ملابس.
وقالت “الضحيه” في ذات مرة وهيه في جلسة العلاج، طالب “أبو ياسين” منها بأن تخلع ملابسها، ولكنها رفضت ذلك، ثم طلب منها بأن تتناول مشروب غريب، فور إنتهاء من الشرب حاول أن يعتدي عليها جنسياً، ولكنها قومتها ولم تشتكي عليه لأنه يهددها بصور الجلسات الذي كان يفعله معاها كل يوم.
وقال الشيخ محمد شعبان أستاذ الشريعة في المعهد الديني، عندما سئل “هل يجوز أذهب لرجل يفك السحر بالقرآن الكريم؟”، وأجاب قائلاً: “الذهاب إلى السحرة والدجالين والعرافين والمشعوذين كل ذلك لا يجوز وحرام شرعاً”، مستشهدا بحديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه الإمام مسلم، جاء فيه :”من أتى عرافا فسأله لم تقبل له صلاة أربعون ليلة”.
وتابع الشيخ محمد شعبان:” هذا الحديث لمن أتى العراف وسأله فقط فما بالنا لو أنك صدقته، وقال إن من الممكن الذهاب إلى شخص من الصالحين ليس بدجال ولا مشعوذ ولا غيره، يدعى لك طالما أنه معروف بالصلاح وأموره وأضحة تماما”.
وتحدث “شعبان” على سؤال: ” أشعر بأني مصاب بعملٍ أو سحرٍ، فكيف أقوم بفك ذلك العمل أو السحر؟”، قائلاً :” ينبغي أن يكون المسلم صاحب عقلية علمية تؤهله لعبادة الله تعالى، وعمارة الأرض، وتزكية النفس، ولا ينبغي له أن ينساق وراء عقلية الخرافة التي تقوم على الأوهام والظنون، ولا تستند إلى أدلة وبراهين، وقد كثر في زماننا هذا بين المسلمين شيوع عقلية الخرافة، وانتشر إرجاع أسباب تأخر الرزق وغير ذلك من ابتلاءات إلى السحر والحسد ونحو ذلك.
وتابع محمد شعبان: “والصواب هو البحث في الأسباب المنطقية والحقيقية وراء هذه الظواهر، ومحاولة التغلب عليها بقانون الأسباب الذي أقام الله عليه مصالح العباد، وعلى المسلم أن يستعين بالله في ذلك، كما ينبغي عليه أن يزيد من جانب الإيمان بالله والرضا بما قسمه الله له، ولا يعني هذا الكلام إنكار السحر والحسد، فإنه لا يسع مسلمًا أن ينكرهما فقد أخبرنا الله تعالى في القرآن الكريم بوجودهما، فقال سبحانه: ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ﴾ [البقرة: 102]، وقال عز وجل: ﴿وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾ [الفلق: 5].
وأخبرنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في سنته الشريفة بوجودهما، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «وَلَا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ الْإِيمَانُ وَالْحَسَدُ» رواه النسائي، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: «الشِّرْكُ بِاللهِ، وَالسِّحْرُ…» متفق عليه.
ولكن المنكر هو الإسراف في ذلك، حتى غداً أغلب من يزعمون أنهم يعالجون من السحر من المدعين المشعوذين المرتزقة، وأغلب من يظنون أنهم من المسحورين هم من الموهومين.
واختتم الشيخ حديثة:” وعلى كل حال، فمن لم يجد مبررًا منطقيًّا لما يحدث له، وغلب على ظنه أنه مسحورٌ أو نحوه، فليتعامل مع ذلك بالرقى المباحة والتعوذ المشروع، كالفاتحة، والمعوذتين، والأذكار المأثورة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم”.
وأوضح الدكتور جمال فرويز استشاري الطب النفسي وأستاذ بكلية الطب عين شمس، أسباب الذهب إلى الدجالين والمشعوذين وقال:” من الأسباب الرئيسية التي تجعل الناس اللجوء إلى الدجالين هو اضراب الشخصية، الذين يشعرون بآن هناك خطر ويشعرون دائماً بآن هنك من يريد اذيتهم بالسحر والاعمال، وهذا بالطبع مبني على الثقافه وعلى البيئة الذي تنشأ فيها، وهذا ما يجعل أمر النصب على الناس سهل”.
ولفت الدكتور جمال فرويز:” إلى أن هناك خلط بين المرض النفسي والعقلي والمس والعين والسحر، و 99.5% من المرضى النفسيين يزورون أولا المشعوذين، والمعالجين بالقرآن لفك السحر، وهي أمور غير مدروسة وجهل، ويعتقدون أن مريض الذهان أو الفصام أو الاكتئاب هو “مس” من الجن، ولكنهم يعتقدون أن الذهب الي الدجالين فكر وثقافة”.
وأضاف “فرويز”: إن الدول التي كانت تؤمن بشكل كبير في ثقافة السحر تقل مع الوقت، ومن الدول التي تؤمن بشكل كبير في ثقافة السحر والشعوذة هيه المغرب، الجزائر، ليبيا، مصر، السودان، الخليج العربي، إسرائيل.
وأوضح استشاري الصحة النفسية والطب النفسي، أن الذين يذهبون إلى الدجالين هم السيدات بسبب معتقدات الجن العاشق، والفئه الآخرة هم الذين يلجأون إليهم لاستخراج خبايا فرعونيه، وقال إن الذين يذهبون إلى النصابين هم الطامعين لانهم وجهان لعملة واحدة، موضحاً شخصية النصاب وهيه السلبية ولامبالاة وعدم الإهتمام بمشاعر الآخرين.
وأكد الدكتور جمال فرويز، أن كثير من المرضى النفسيين يقرر الذهاب للطبيب بعدما ينصحه الشيخ أو القسيس أنه قتل الجان الذي مسه، ولكن المريض تأثر نفسياً وهذا دور الطبيب النفسي فلابد أن تذهبوا إليهم، وبعد استنزاف ما لديهم من أموال وزيادة معاناتهم، أو يتعرضوا لصدمة كبيرة أو الانتحار أو تشنجات وفقد القدرة على الكلام يضطروا للذهاب للطبيب.
بعد تزايد الممارسات الخاطئة من قبل المواطنين على السوشيال ميديا وتعرض الكثير لعمليات النصب، أعلن الحكومة عن مشروع قانون التجارة الإلكترونية المقدم لمجلس النواب.
وقال محمد الجندى خبير أمن المعلومات، إن مشروع القانون يهدف إلى حماية المواطنين من جميع عمليات النصب الإلكتروني، سواء شراء منتج أو التعامل مع الدجالين، فضلاً عن تنظيم كل ما هو متعلق بالمعاملات التجارية، عن تحصيل الدولة ضرائب وقيمة مضافة تدخل مواردها تصل قيمتها إلى مليارات الجنيهات، فضلاً تنظيم الإعلانات على مواقع التواصل الاجتماعى، مع تنظيم آلية تحصيل ضرائب على تلك الإعلانات والمعاملات التجارية.
وأكد الجندي، أن مشروع القانون يهدف أيضاً إلى غلق الباب أمام مجهولى الهوية من مستخدمي السوشيال ميديا، الذين يستغلون عدم وجود ضوابط لنشر الإعلانات الوهمية لاصطياد الضحايا.