تحقيق – مريم ناصر
أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي عالم موازي يعيش فيه ملايين من الشباب يوميًا بين صور مثالية، وحياة لامعة لمشاهير السوشيال ميديا، وبالرغم من أن هذه المنصات فتحت بابًا واسعًا للتعبير والإبداع، فإنها في الوقت نفسه تسببت في ظواهر جديدة أثرت بعمق على الصحة النفسية للجيل الجديد.
وامتد تأثير مشاهدة مشاهير السوشيال ميديا إلى تفاصيل الحياة اليومية، حتى أصبح بعض الشباب يربطون بين السعادة والشهرة، متجاهلين أن ما يعرض على هذه المنصات ليس دائمًا حقيقيًا، بل في كثير من الأحيان مجرد مشاهد مصطنعة تهدف إلى جذب المتابعين.
وتحولت المقارنة بالآخرين في حياة الشباب إلى سلوك يومي يستهلك طاقتهم النفسية، ويشوه نظرتهم لأنفسهم، مما يجعل من الضروري تعزيز الوعي، والقدرة على التمييز بين الواقع وما يعرض على الشاشات، حتى لا تتحول المتابعة إلى عبء نفسي يفقدهم الثقة في ذاتهم.
الدكتور أحمد علام: بين الوهم والواقع يقع المشاهد ضحية مشاهير السوشيال ميديا
أكد الدكتور “أحمد علام” استشاري العلاقات الأسرية والصحة النفسية، أن مشاهدة مشاهير السوشيال ميديا تؤثر تأثيرًا كبيرًا على حياتنا اليومية، موضحًا أنه في البداية يجب أن ندرك أن هؤلاء المشاهير نوعان؛ فبعضهم يعرض جوانب حقيقية من حياتهم اليومية، وتصرفاتهم، وسلوكياتهم الواقعية، بينما يعرض البعض الآخر حياة مثالية مزيفة، قد لا تمث الواقع بصلة، ويكون ما يقدمونه مجرد تمثيل متقن يجذب المتابعين.
وأشار الدكتور “أحمد علام” إلى أن أغلب مشاهير السوشيال ميديا يحرصون على الظهور في صورة السعادة الدائمة، وكأنهم بلا مشكلات أو أزمات، وهو ما يجعل كثيرًا من المتابعين يظنون أن حياتهم مثالية، رغم أن الواقع قد يكون مختلفًا تمامًا، وهنا يأتي تأثير هذا المشهد على المتلقي، خاصة من الجيل الجديد الذي لا يزال في مرحلة البحث عن هويته، وطريقه في الحياة.
وأوضح استشاري الصحة النفسية أن هناك فئة من الجيل الجديد ما زالت تفتقد الهوية ولم تحدد بعد مسارها في الحياة، فتجد نفسها في «مقارنة مستمرة مع الآخرين»، هؤلاء الشباب يرون أن هناك من وصل إلى الشهرة والنجاح بسرعة كبيرة، بينما هم يسيرون بخطوات بطيئة، مما يولد لديهم شعورًا بالنقص، أو الإحباط من واقعهم الحالي.
من التفوق إلى الإحباط.. كيف تسبب الشهرة الزائفة خللًا بـ وعي الشباب
أشاد الدكتور “أحمد علام” أن بعض أفراد الجيل الجديد قد يكونون بالفعل ناجحين في مجالات مختلفة، كالمجال «الرياضي أو العلمي»، ولكنهم لا يحظون بالشهرة، أو العائد المادي الذي يحصل عليه مشاهير السوشيال ميديا، فمثلًا قد يكون هناك بطل رياضي حصل على بطولات باسم مصر، ولكنه لا يعرف، ولا يلقى دعمًا كافيًا له من الشهرة والمادية أيضًا.
وأضاف “علام” أيضًا إلى أن هذا الأمر لا يقتصر على مجال معين، ولكن فهناك شباب متفوقون دراسيًا تفوقوا خلال مسيرتهم التعليمية، لكنهم في النهاية يجدون أنفسهم في وظائف بسيطة جدًا لا تتناسب مع مجهودهم أو قدراتهم، مما يولد لديهم شعورًا بعدم التقدير، أو فقدان الحافز للاستمرار.

وبين استشاري الصحة النفسية أن مثل هذه المقارنات المستمرة تجعل المراهق أو الشاب أمام خيارين: «إما أن يحاول أن يصبح مثل هؤلاء المشاهير بأي طريقة»، فيسعى وراء الشهرة والترند، حتى لو اضطر إلى الابتعاد عن طريقه الحقيقي، أو «أن يرضى بواقعه»، لكنه يعيش في حالة من الحيرة، والقلق تجاه مستقبله.
وأوضح أن الفئة التي تحاول تقليد المشاهير تسعى غالبًا للفت الأنظار دون هدف حقيقي، وهو ما يجعلهم يضيعون طاقاتهم في أمور سطحية، بينما الفئة الثانية التي ترضى بواقعها، قد تدخل في مرحلة من «الإحباط واليأس»، وتشعر بأنها غير قادرة على تحقيق أي إنجاز يذكر في حياتها.
وأضاف أن الإحباط الناتج عن المقارنة المستمرة، يؤدي مع الوقت إلى فقدان الأمل، مما يجعل الشاب يشعر أن لا جدوى من التطور أو السعي نحو الأفضل، وهنا تبدأ بوادر القلق والتوتر في الظهور، إذ يعيش الفرد في تساؤل دائم: «لماذا غيري وصل وأنا ما زلت في مكاني؟».
حين تتحول ضغوط المقارنة إلى عبء نفسي يهدد استقرار الحياة
أكد الدكتور”علام” أن هذه الحالة النفسية من ضغوط المقارنة تؤدي إلى فقدان الرضا عن النفس والحياة، وقد تتحول إلى مشاعر غضب وتمرد على الأسرة والمجتمع، فالشاب يشعر أن أهله مقصرون في توفير الإمكانيات المادية التي يراها لدى الآخرين، ويبدأ في رفض واقعه ومقارنة ظروفه بظروف غيره، مما يزيد من توتر العلاقة بينه وبين عائلته.
وحذر استشاري الصحة النفسية من أن استمرار هذا النمط من التفكير قد يؤدي إلى نتائج خطيرة، منها «الاكتئاب» الذي يعتبر أخطر ما يمكن أن يصيب الشباب في هذه المرحلة، كما قد تتطور الحالة لتصبح «أمراضًا نفسية أعمق»، تؤثر على الصحة العامة، سواء النفسية أو الجسدية، مما يهدد مستقبل الشاب واستقراره.
واختتم استشاري العلاقات الأسرية حديثه، بالتأكيد على ضرورة أهمية التوعية الإعلامية، ودور القنوات والبرامج أيضًا في توضيح هذه القضية، مشددًا على ضرورة دور الأسرة في تربية الأبناء على الصبر والاجتهاد، وعدم مقارنة أنفسهم بالآخرين.
وأشار “علام” في النهاية إلى أن كل إنسان له طريقه المختلف في الحياة، وأن المؤسسات التعليمية والدينية مطالبة بغرس قيم الثقة بالنفس، والإيمان بأن «من جد وجد»، وأن النجاح الحقيقي يحتاج إلى «وقت، وجهد، وصبر».
وفي النهاية قد تتحول مشاهدة مشاهير السوشيال ميديا إلى سبب لفقدان الثقة والاضطراب النفسي، نتيجة مقارنة الذات، لذلك يظل الوعي هو السلاح الحقيقي الذي يحمي الشباب من الاستسلام لوجه المقارنات الزائفة، ويمنحهم القدرة على التمييز بين الواقع والمظهر.






