تقرير – وفاء العسكري
تعد مشاهدة الكبار لأفلام الرسوم المتحركة “الكرتون” ظاهرة قديمة، وليست جديدة على المجتمع، ولكن يمكننا التعمق في تأثير تلك الرسوم المتحركة على أولادنا، إذا كانوا من فئة الكبار أو الصغار، ومعرفة التغيرات التي تحدث كل يوم من حولنا في تلك الرسوم المتحركة اللطيفة.
ويمكن تعريف الرسوم المتحركة “الكرتون” على أنه عرض سريع لتتابع من الصور “ثنائية البعد” أو “ثلاثية الأبعاد”، لإيجاد إيحاء بالحركة، والتحريك هو خداع بصري للحركة، ويحدث بسبب ظاهرة استمرار بقاء الرؤية.
وفي سياق متصل صنع وعرض الصور المتحركة بطرق متعددة، والطريقة الشائعة هى عرض الحركة كفيلم أو كفيديو، وهناك أيضًا طرق أخرى متعددة لعرض الصور المتحركة موجودة حاليًا، كمحاكاة الحركة التي تم إنشاؤها بواسطة عرض سلسلة من الصور، أو الرسوم على التلفزيون، وهنالك العديد من الأشكال للرسوم المتحركة.
تحدثت أحد الأمهات على مواقع التواصل الإجتماعي عن أن ابنتها، وبرغم أنها في العشرين من عمرها، مازالت تشاهد أفلام الكرتون أو الرسوم المتحركة، وتستمتع بها كثيرًا وعندما تحدثت معاها، قالت أن تلك الرسوم المتحركة تشعرها بالراحة النفسيه، لأنها خالية من أي مشاهد غير لائقة مثل الأفلام الأخرى.
أوضح عمر أبو الرُب صانع محتوى فلسطيني أردني على “يوتيوب” أنه في الفترة الأخيرة الأفلام المعرض لها الأطفال، أصبحت خطر بسبب زرع للشركات المصنعه أفكار سيئة، تدل على الكثير من الأفعال، التي يعتبرها مجتمعنا الشرقي أفعال خارج التقاليد، والعادات في جميع الكتب السماوية.
وتابع صانع المحتوى أن الشركات تقوم بزرع تلك الأفكار في عقول أطفالنا، عن طريق بعض الشخصيات، التي تظهر في صورة لطيفة، وبألوان رائعة وبقصة مؤثرة، وتقوم الشركة بصنع شخصية برئ تعاني من الكثير من المشاكل في حياتها، لكي يحبها الأطفال.
وأكمل “عمر” ويتعاطف معها الجميع برغم من بعض السلوكيات الخطأ في الشخصية، التي تخالف العادات والتقاليد لدينا نحن العرب، وليس فقط العرب بل البشرية بأكملها، لأن بعض الشخصيات تحتوى على أخطاء في الميول الطبيعية للبشر، والكثير من الأفعال المخالفة للعادات والتقاليد.
أشار “أبو الرُب” إلى هكذا يكبر أطفالنا على أن تلك الأفعال على أنها أمور طبيعية، ويجب عليهم تقبلها والتعايش معاها، وبالتالي ينتقص من معدل إيمان الطفل، وسيبدأ بالتشكيك، هل الدين الذي حرم تلك الأفعال خطأ؟، ويبدأ الطفل في دوامة لا نهائية، وهى التفكير بالخروج عن الدين.
قال محمود سامح أحد الآباء الذين يفضلون مشاهدة الرسوم المتحركة مع أبناءه، أنه يهرب إلى مشاهدة أفلام الكرتون، كلما تشبع بالحياة المليئة بالتناقضات، وجشع الكبار وأضاف أنه يحاول العودة والعيش ولو قليلًا في عالم طفولته، ويتذكر العالم البراءة الجميل الذي كان يعيش فيه.
تابع محمود أن مشاهدة برامج الاطفال بشكل متواصل تمنحه صفاء الذهن والراحة النفسية، وفي الوقت نفسه يراقب هذه البرامج جيدًا كي لا تفسد تربيته لابنائه، فكل برنامج يرى أنه يفوق مستوى أبناءه العقلي العمري، ينصحهم بعدم مشاهدته لأنه يسبب لهم الارتباك، بسبب عجزهم عن فهم ما يرون ويسمعون.
أوضح “سامح” أما البرامج التي تشجع على العنف، وتركز على تكريس الغرائز في السلوك الإنساني، فامنعهم من مشاهدتها تمامًا، ولا اسمح لهم بالجلوس أمامها، ولو لدقائق معدودة لان مصلحتهم تكمن في الإبتعاد عن هذه النوعية من البرامج، التي لاتناسب مجتمعنا وقيمنا وتسيء إلى أجيال باكمالها.
وأضاف الأب أن مشاهدة الطفل مشاهد العنف، والرعب على الشاشة تفقده التوازن وتسرق منه البراءة وحب الخير، وإذا لم ندرك خطورة هذه البرامج، فإننا نساهم بوضع أطفالنا على أول طريق الإنحراف، ويفضل مساعدتهم على اختيار ما يشاهده الأطفال.
أشارت الدكتورة علياء محمد دكتورة علم الإجتماع إلى أن مشاهدة أفلام الكرتون عند سنة الـ 15 شئ طبيعي جدًا، وأن هنالك أشخاص استمرت في مشاهدتها حتى أبعد من ذلك، لكن بانتقائية، فتميل تلك الشخصيات إلى الكرتون الفكاهي أكثر.
أكملت “علياء” أن أفلام الكرتون المطولة العائلية ذات الجودة، مفيدة في مشاهدتها على الأفلام الواقعية، التي لا شيء فيها واقعي، فهذه الأخيرة تنكس شعورك وأحاسيسك، وربما تربي فيك انحرافات، أما أفلام الكرتون فلا تدعي الواقعية، فهى من خيال إلى خيال.
أكدت الدكتورة أن هنالك بعض الدراسات النفسية، تقول أن داخل الإنسان “طفل كبير”، يحب الأشياء التي يرغبها الصغار، فمعظم الكبار يحرصون على متابعة برامج الاطفال في التلفزيون، خاصة أفلام الكرتون لما فيها من كم هائل من البراءة والنقاء، وبعض الكبار يشاهدونها لاجل المتعة أو البحث عن بساطة مفقودة في حياتهم.
تابعت دكتورة علم الإجتماع والبعض الآخر يحاول استدراك ما فاته في طفولته من أشياء لم يعرفها، وبعضهم يشده الفضول والرغبة في الاطلاع على ما يراه الأبناء، في محاولة لفرض نوع من الرقابة على ما يشاهده الصغار، ومن ثم توجيههم بالنصائح.
ولمشاهدة الرسوم المتحركة فوائد للكبار أكدت عليها الدكتورة علياء ومنها الرغبة في الضحك عندما يتخطى الإنسان سن البلوغ، ويصبح شخصًا مسؤولًا فإنه يتحمل متاعب كثيرة، وكل هذا يجعله بحاجة إلى تغيير نمط حياته، ونسيان كل ما وصل إليه، وتستطيع أفلام الكرتون منح الشخص ما يرغب به، لأنها تساعده على الضحك، وتفريغ الطاقة السلبية بداخله.
فسرت الدكتورة هبه عصام دكتورة علم النفس أن الحصول على رسائل مباشرة في الرسوم المتحركة، لايوجد ممثلون مشهورين أو إعدادات باهظة الثمن على ديكورات أو استحواذ ممثل على مشاهد أكثر من الآخر، بل يوجد قصة، ورسالة يرغب القائمون على العمل في توصيلها للمشاهد، ولذلك مشاهدة الأفلام الكرتونية رغم التقدم بالعمر تساعد الإنسان بمنحه نصائح.
تابعت دكتورة علم النفس بالإضافة إلى استعادة الذكريات عندما يشاهد شخص أفلام الكرتون، فإنه يستعيد سنوات طفولته ويتذكر مواقف عديدة، حدثت له خلال مشاهدة الكرتون سابقًا، وهذا يساعد الإنسان في الغالب، ويجعله قادر على التخلص من المشاعر السلبية، والاسترخاء عند مشاهدة الأفلام الكرتونية، لا يرغب الشخص بالنظر إلى الأداء الجيد أو الأماكن المختارة بالتصوير، وكل ما يشغل بال المشاهد هو رغبته في الاسترخاء، والاستمتاع بالحلقة فقط.
أكملت “هبه” أن مشاهدة الرسوم المتحركة، تحسن الحالة المزاجية العامة، ومشاهدة أفلام الكارتون في الحقيقة تعد علاجًا فعالًا للحالة النفسية العامة، إذ تتضمن تلك الأفلام والمسلسلات موضوعات مهمة، مثل النظام المجتمعي، والصداقة والأسرة، والعمل الجماعي، وكيف أن الخير دائمًا ما يفوز على الشر في نهاية المطاف.
أوضحت الدكتورة أنه بالتالي تعمل تلك الصورة الإيجابية المشرقة على تعزيز مشاعر الأمل، واليقين لدى الشخص البالغ، خاصة إذا ما كان يعاني من مشاعر القلق أو الحزن أو التوتر الدائم، أو الخوف من المستقبل، جراء تطورات ومشاكل وأعباء الحياة اليومية المعتادة، وذلك ما يحسن المزاج العام.
واختتمت الدكتورة هبه أن الرسوم المتحركة تعتبر جرعة مكثفة من البراءة واللطف، والضحك دائمًا ما يأتي بسهولة عند مشاهدة أفلام الكارتون، وحتى قبل أن “تستوعب” المقلب أو النكتة، فإن تجربتك مع فكرة الرسوم المتحركة ترتبط بنشاط طفولي محبب مثير للابتسام والضحك، ويمكنك إعادة استرجاع الماضي من خلال مشاهدة الرسوم المتحركة كشخص بالغ.