تحقيق – إيمان أشرف
اصبحنا في عالم يكسوه الجرائم من شتى الإتجاهات، وزمن تتسارع فيه وتيرة الحياة، فبعض الجرائم تكون بسبب قلة الوازع الديني، أو إنتشار عادات وتقاليد الغرب في المجتمعات الشرقية، وبعض الجرائم تحت بند الأمراض النفسية والعقلية، وجرائم القتل تنتشر يوميًا، وبرغم تعدد الأسباب الإجتماعية والنفسية، إلا أن يظل الوازع الديني أحد أبرز العوامل التي تضعف ضمير الفرد وتجعله أكثر استعدادًا لارتكاب الجريمة.
وتحت مسمى المرض النفسي والعقلي يستطيع الجاني الفرار من المعاقبة، ويتبقى نفس المشكلة وتتكرر نفس المواقف والجرائم بطرق جديدة أكثر وحشية، ويظل الضحايا هم أبنائنا، ولذلك تبرز الحاجة لدراسة العلاقة بين تراجع الوازع الديني وانتشار جرائم القتل، وهذا في محاولة لفهم كيفية إحياء القيم الدينية، لعودة التوازن إلى المجتمع من جديد.
الرقيب الأخلاقي.. ما هو الوازع الديني
يعتبر الوازع الديني هو الرقيب الداخلي الذي ينبع من إيمان الإنسان، وتعاليم دينه، ويشكل لدى الإنسان ضميرًا حيًا يرشده إلى الصواب، ويجعله يمتنع عن فعل الشر أو ارتكاب الكبائر، حتى في غياب الرقيب الخارجية، خوفًا من الله عز وجل، وليس فقط الخوف من الوقوع في الخطأ ومحاسبه القانون أو نظرة المجتمع له.
يعد الوازع الديني من أقوى المحركات الأخلاقية التي تحكم سلوك وتصرفات الفرد، وذلك لأنه لا يعتمد على الخوف من الناس أو العقاب المادي، بل تكون رقابة ذاتية تنبع من قناعة الإنسان الداخلية، بأن كل أفعاله مرصودة من الله، مما تجعله أكثر ثباتًا وتأثيرًا، وإلتزام بالقيم تحت أي ضغط، خاصة في المواقف التي يغيب فيها القانون أو الشهود.
ويصنف الوازع الديني من العوامل الأساسية في حماية المجتمعات من الفوضى والانحلال، لأنه يغرس في أفراد المجتمع احترام النفس وحقوق الآخرين، انطلاقًا من وعي ديني، وعندما يضعف الوازع الديني، غالبًا ما يؤدي إلى ضعف الضمير، وغياب الشعور بالذنب، مما يمهد الطريق أمام الجرائم الأخلاقية والاجتماعية، ويعد في الصدد جرائم القتل، وهذا بوصفه أبشع صور انتهاك الحق الإنساني.
إذا غاب الدين فالقانون وحده لا يكفي.. العلاقة بين الوازع الديني وانتشار القتل
يعمل الوازع الديني كحاجز ضد الجريمة، وبدوره يضبط السلوك والانفعالات، ويحث الفرد على الصبر وكظم الغيظ، بدلًا من اتباع طريق العنف، بالإضافة إلى الخشية من العقوبة الإلهية، حيث أن الشخص الذي يعلم أن القتل جريمة إثم كبير في شرع الله، فهو فعل شنيع محرمًا شرعًا ومذموم دينيًا، فحتى لو هرب الجاني من القانون، يتردد في ارتكاب تلك المعصية.
وتعد التنشئة الأخلاقية هي الأساس الذي يبنى عليه الوازع الديني، فالتنشئة بدون وجود وازع ديني قد تنهار أمام الإغراء أو الغضب، ولذلك يربى الطفل على القيم مع ربطها بالتعاليم الدينية، تنغرس فيه رقابة داخلية قوية، إذًا الوازع الديني يعزز الأخلاق، لأنه لا يعتمد على العرف والقانون، بل يرتبط بالثواب والعقاب الإلهي.
وحين يغيب الوازع الديني يضعف الضمير، ويصبح الفرد أكثر استعدادًا لارتكاب الجرائم، وبغياب التربية الإيمانية يجعل الإنسان أسرع في اللجوء إلى العنف، كرد فعل على الغضب، وأيضًا فقدان قادسية الحياة، فمن لا يحمل وعيًا دينيًا راسخًا بقيمة النفس البشرية، قد يقدم على القتل.
لا يعمل الوازع الديني وحده؛ بل يجب أن يدعم بمنظومة أسرية، وتعليمية، وأمنية قوية، فيوجد جرائم ترتكب تحت اسم الدين، لكنها نتيجة لفهم منحرف، فليس بالضرورة أن ضعف الوازع الديني يعني أن كل المتدينين لا يقتلون، ولكنه عامل مهم في تقليل احتمالية الجريمة.
يعتبر الوازع الديني خط الدفاع الأول داخل نفس الإنسان ضد إرتكاب الجرائم، لا سيما جرائم القتل، فكلما ضعف الردع الديني، أصبح الفرد أكثر عرضة للانحراف والعدوان، والحظير بالذكر أن في المجتمعات التي تضعف فيها التربية والرقابة، ترتفع بها معدلات القتل نتيجة غياب الرقيب الداخلي.
الشارع يخرج عن صمته ويطالب بصرامة القوانين
وقالت”منة الله سمير”: “زادت الجرائم بطريقة مخيفه واصبحنا نستمع بتكرار عن حوادث القتل والخناقات بالأسلحة البيضاء، بالإضافة إلى إنتشار المخدرات بطريقة تروع، ومن الممكن أن تكمن حكمة الله في الزلزال الذي ضرب السواحل المصرية وبعض محافظاتها، أن تكون عظة من ربنا لكي يتعظ الناس، وتترجع عن عما يبادر منهم من جرائم، فهزة أرضية كفيلة بتدمير حياة البشر”.
وأوضحت “آية عاطف” وجهة نظرها في قلة الوازع الديني وعلاقته بانتشار الجرائم من موضحه «إذا كانت القوانين ليست قوية بقدر كافي، لن يتوقف الناس عن إرتكاب الجرائم، فإذا كانت القوانين صارمه، سيتوقف الناس عن إرتكاب الجرائم، بالإضافة إذا كان مرجع الناس الدين، والخوف من الله عز وجل، وأيضًا القيم التي تأسسنا عليها، سيقل معدل الجريمة».
وتابعت “آية” اصبحت الدنيا تلهي الأفراد بمشاغلها ومشاكلها من حيث الغلاء، والصعوبات التي نمر بها، فبالتالي أبتعد البشر عن الأوامر الإلهية، ومن وجهه نظري المشكله في بعد الناس عن الدين، وضعف القانون، فليس كل الجرائم توضع تحت بند التربية، فالكثير من الشباب والآبناء يجد الآباء في تربيتهم ولكن تصبح النتيجة غير مرضية، ولذلك يجب إعادة توجيه الأبناء وتنمية الرقيب الأخلاقي لمنعهم من إرتكاب الجرائم.
وأشار “عبد الرحمن أكمل” «إن إذا فعل المؤمن ذنب من الكبائر مثل الزنا، والسارقة أو القتل، فينزع عنه الإيمان لأن كيف أن يكون إنسان مؤمن إيمانًا كاملًا ويفعل كبائر، ولإصلاح هذا في يتم عن طريق التقرب إلى الله، إذا تعمق الإيمان في المؤمنين ورفعو درجات إيمانهم في القلب لزاد إيمان المجتمع ككل».
الطب النفسي يوضح حقيقة إسقاط الجريمة على الأمراض النفسية ودور الوازع الديني في ضبط النفس
وبسؤال الدكتورة “هاجر عون” أخصائي الطب النفسي بمستشفى العباسية، عن إمكانية القتل بدون رضا الجاني قالت: “يمكن للشخص أن يقتل من دون رضاه، إذا كان القتل في لحظة إندفاعية، غير مسبوق بتخطيط، ولكن عندما لا يصاحب القتل الشعور بالذنب، فيكون ذلك بدافع إجرامي”.

الدكتورة “هاجر عون” أخصائي الطب النفسي بمستشفى العباسية
وأشارت “هاجر عون” لوجود علاقة ارتباط غير شرطي بين الإضطرابات النفسية وضعف الوازع الديني، وذلك لأن الإضطرابات النفسية يتعرض لها أي فرد مهما كان تدينه، ولأن معظم الأمراض النفسية مثل باقي الأمراض العضوية لها أساس بيولوجي جيني، يكمن دور الدين في المساعدة من المرض وليس الحماية منه.
وأوضحت “هاجر” أفضل الطرق للتربية التي تسهم في ضبط وتوازن النفس، مشيرة إلى التربية القائمة على الإحترام والتفهم، والتوزيع العادل للمسؤوليات، وتقدير للفرد لكونه إنسان وليس تقدير مشترط بالإنجازات، هي تلك البيئة التي تنتج أفراد أسوياء، لأنها بدورها تسمح لهم بالتعبير عن المشاعر وتهتم بها.
ونوهت “هاجر عون” عن تعزيز القيم الداخلية للفرد، وذلك يتم عن طريق تعزيز دور الدين والأسرة، من خلال وسائل الإعلام والمؤسسات التعليمية المختلفة، وهذا لأن التربية تأتي قبل التعليم، فالأسرة وحدة بناء المجتمع إذا صلحت صلح المجتمع، وليس من الضروري أن يشترط أن تكون الأسرة بالدم، فيستطيع أي شخص تكوين أسرة جديدة عن طريق الأصدقاء والجيران”.
وأشادت “هاجر عون” بالفرق بين مرتكبي الجرائم بدافع نفسي وقلة الوازع الدين، موضحه أن الإضطرابات النفسية ليست على ارتباط وثيق بضعف الوازع الديني، وبالتالي فإن الأهمية تكمن في تحديد المسئولية الجنائية، وهل كان مرتكب الجريمة فى كامل قواه العقلية أثناء الإرتكاب، فـ حتى وأن كان مريضًا نفسيًا، ليست كل الأمراض تذهب العقل وتعفي من المسئولية، ومن هنا يأتي دور الطبيب النفسي الشرعي.
والجدير بالذكر أن هناك فئة منتشرة بين مرتكبي الجرائم لديهم ميول إجرامية ليست لها علاقة بالإضطرابات النفسية، وهؤلاء لديهم صفة من السهل اكتشافها مبكرًا، وهي عدم القدرة على التعاطف مع الآخرين، وعدم الإحساس بالذنب والتعود على تبرير أفعالهم برمي مسؤوليتها على من حولهم دائمًا.
أخصائي علم النفس الجريمة يوضح القتل المصاحب عدم الشعور بالذنب
وأشارت الطبيبة “منة الله إسماعيل” أخصائي الطب النفسي وعلم النفس الجريمة، أن هناك ارتباط قوي بين الإضطرابات النفسية وضعف الوازع ديني، مشيرة إلى الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب، إذا كان لديهم وازع ديني قوي سيكون ذلك هو الحل الوحيد بينهم وبين الانتحار، لأنه يكمن بداخلهم الخوف من الله.

الدكتورة “منة الله إسماعيل” طبيبة نفسية
وقالت “منة الله” إن الوازع الديني يفرق كثيرًا، ولكن لا يؤثر على الفرد بالإضطراب، لأن إصابة البني آدم بالإضطراب لها علاقة كبيرة بالمشاكل التي يواجهها في حياته كل يوم، حيث أننا نجد الكثير من أولياء الأمور عندما يعاني أحد الأبناء بالإضطرابات النفسية يكون ردة فعل الأهل انه أبتعد عن طريق الله، ولكن ذلك ليس له علاقة ويترك أثر سلبي على المريض، بسبب أن الأهل يقولون طول الوقت إن أي شيء يحدث للمريض يكون نتيجة بعده عن الله.
وأكدت “منة الله” أن الوازع الديني سلاح ذو حدين، حيث يؤثر بشكل سلبي عندما يستخدم في حين معاناه أولادهم بالإضطراب فتكون ردة فعل الأهل “تعبت يعني مبتصليش ارجع لربنا”، أما التأثير الإيجابي عندما يقدم المريض على الإنتحار، ولكن الشيء الوحيدة الذي بتمنعه هو أن الوازع الديني لديه قوي وعلاقته بالله شديدة، حيث يخاف المريض أن يذهب إلى الله وهو مرتكب ذنب بحق نفسه.
وأوضحت “إسماعيل” أن من الممكن أن يقتل الشخص دون الشعور بالذنب، حيث يحدث في بعض الحالات مثل الفصام في الشخصية، حيث يقتل المريض بسبب الضغوطات المرضيه التي يعاني منها وذلك الوقت لا يشعر المريض بأي ذنب، لأنه يعتقد أن الشخص الذي امامه سوف يأذيه، فبالتالي يبدأ المريض بالمبادرة وقتله، بالإضافة لرؤيتنا يوميًا حوادث بسبب أن أصحاب تلك الجرائم مرضى نفسيين ولكن في الحقيقة أنهم يقتلون إثر تعاطي المخدرات، فيكمن الفرق بين تعاطي المخدرات والاضطرابات النفسية، هو أن المخدرات تؤثر علي سلوك الشخص فتؤدي إلى انحرافه.
وتابعت “منة الله إسماعيل” عدم وعي المريض النفسي لأي شيء، ويوجد حالات كثيرة في المستشفيات اقدموا المرضى علي قتل أقرب الناس لهم، وعلى سبيل المثال اقدم مريض على قتل أولاده بسبب ان لديه فكرة مرضية في عقله، مثلًا أن سوف يفتقر وأن أولاده سوف يكونوا متسولين، فيقتلهم وبعد ذلك يقتل ذاته، وبالفعل يقتلهم وقبل أن يقتل نفسه يمنعوه الناس، وبعد علاجه يدخل في صدمة كبيرة، لعدم معرفته كيف فعل ذلك بأولاده.
وتحدثت “منة الله” بشأن تخصصها في علم النفس الجريمة، قائله: “نرى الكثير من الجرائم لا يكون للمريض أي أدنى إحساس بالذنب، وأن الشخص الذي قتل يستحق ذلك، مثل حالات “الأخذ بالثأر”، فيعتقد الجاني أنه يقوم بأخذ حقه، وأيضًا في حالات التعرضت للظلم من شخص، فيقوم الجاني بقتله دون الشعور بالذنب، بالإضافة إلى وجود حالات تبرر لأنفسهم أن لديهم دوافع لذلك، وفي الأول والآخر يظل القتل بيبقي واحد.
وبسؤال “منة” هل من الممكن أن يقتل شخص وهو ليس راضيًا عن ذلك، قالت: “بالتأكيد ممكن أن يحدث ذلك، لا سيما في حالات الدفاع عن النفس، وفي ذلك الأوقات يكون القتل بغرض الدفاع عن النفس، على سبيل المثال شخص دخل منزله ووجد حرامي فيقون بقتله قبل أن يموته الحرامي، وذلك نجده في علم النفس الجريمة والحياة بصفة عامة”.
للعيش بسلام.. أهم الحلول لزيادة الوازع الديني وتقليل إنتشار الجرائم
تأتي الأسرة في صدارة الحلول والإقتراحات لزيادة الوازع الديني وتقليل إنتشار الجرائم، لا سيما جرائم القتل، حيث تعد الأسرة هي المحطة الأولى في حياة الطفل، وبدورها تغرس القيم الدينية من الطفولة، ويجب على الآباء أن يكونوا قدوة صالحة، ونموذج يُحتذى به في الأخلاق، وضبط النفس.
بالإضافة إلى دور المدرسة في تكمله ما تم بناءه في المنزل من قبل العائلة، يجب إدخال مواد عن الأخلاق السلوكي، وزرع داخل نفوس الطلاب قيم الأخلاق، من خلال مناهج الدراسة، وأيضًا تعزيز المعلمين الطلاب على تلك القيم في اليوم الدراسي، أما على مستوى المؤسسات الدينية، فيجب تجديد الخطابات الدينية؛ لتكون قريبة من الشباب وتلامس حياتهم اليومية.
فضلًا عن ذلك التركيز على قيم الرحمة والتسامح والتعايش، بدلًا من الاقتصار على العقاب، ونشر محتوى ديني إيجابي على مواقع التواصل الإجتماعي بلغة يفهمها الأجيال الجديدة، وأيضًا يجب على الدولة توفير بيئة اجتماعية عادلة تقل فيها اسباب الظلم، ودعم للمبادرات المجتمعية للتربية الأخلاقية خاصةً قي القرى، وبجانب ذلك دمج التعليم الديني مع التأهيل النفسي في مراكز الإصلاح وإعادة التأهيل.
فزيادة الوازع الديني لا تتحقق بالخطب الدينية فحسب، بل بتوفير بيئة أسرية وتعليمية وإعلامية تُعلي من قيمة الإنسان والحياة، وتربي الضمير، وتريط السلوك بالثواب والعقاب الإلهي، حينها يقل إنتشار الجرائم، ويصبح القتل مستحيل من ذات الإنسان قبل أن يردعه القانون.
وبذلك نستطيع أن نحمي أبنائنا بالعقيدة والقيم الأخلاقية والدينية، التي تتحكم في سلوكهم فيما بعد، فتعزيز الوازع الديني ضرورة حتمية، ليس مجرد عادات وتقاليد يسير عليها المجتمع، بل هي نازعه دينية تدفع الشخص نحو الدين والتمسك به وبالقيم المجتمعية، فإذا أردنا أن نبني مجتمعًا آمنًا، يجب أن نبدأ الإهتمام من جذور التنشئة، فكلما ازداد الإيمان داخل النفوس، قل الجرائم وساد السلام.