إنفراد – روفيدا يوسف
في زمن أصبحت فيه التكنولوجيا قادرة على محاكاة أدق التفاصيل، ظهر في الأيام القليلة الماضية، تريند جديد بين الفتيات على منصات التواصل الاجتماعي، خاصة “فيسبوك وتيك توك”، يقوم على استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
وتدمج هذه التطبيقات صورهن مع مشاهير عالميين؛ سواء مشاهير الفن أو لاعبي كرة القدم أو غيرهم؛ لتبدو النتيجة صورًا واقعية تكاد تخدع العين، ورغم أن الأمر قد يبدو مجرد تسلية عابرة أو مزحة بريئة، إلا أن ما وراء الكواليس يحمل وجهًا آخر أكثر خطورة.
الوجه الخفي لتريند الذكاء الاصطناعي.. صورك بين المرح والابتزاز
هذه التطبيقات لا تعمل في فراغ؛ فهي في الغالب تحتفظ بالصور التي يرفعها المستخدمون على خوادمها، ما يثير تساؤلات واسعة حول مصير هذه الصور بعد انتهاء “اللعبة”، هل تُستخدم فقط في إنتاج الصورة المطلوبة، أم يتم تخزينها وإعادة توظيفها في مجالات أخرى، قد تفتح الباب أمام مخاطر الابتزاز، أو التشويه؟، الأمر لا يتوقف عند مجرد صورة طريفة، بل قد يتحول إلى سلاح يهدد سمعة الأشخاص وخصوصيتهم.
لا تكمن المشكلة في التريند وحده، بل في ثقافة “الاستهانة بالبيانات الشخصية” التي باتت سائدة، فالفتيات ينجذبن إلى هذه التطبيقات باعتبارها وسيلة للمرح ومواكبة الموضة، دون التفكير في العواقب المحتملة، ومع انتشار تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي التي باتت قادرة على تركيب الصور والفيديوهات بشكل يصعب تمييزه عن الحقيقة، يصبح أي تساهل في مشاركة الصور مدخلًا خطيرًا لجرائم إلكترونية، قد تبدأ بمزحة وتنتهي بكارثة.
الدكتور أحمد بهاء خيري يؤكد: التسلية الرقمية قد تتحول لأداة خطيرة
يؤكد الدكتور “أحمد بهاء خيري” أستاذ الأنظمة الذكية بجامعة الإسكندرية، على جانب خفي من التسلية الرقمية، والتي يمكن أن تتحول إلى أداة خطيرة إذا لم يتم التعامل معها بوعي، مشيرًا إلى أهمية النظر إلى الظاهرة من عدة زوايا؛ لفهم تأثيراتها المختلفة على الأفراد والمجتمع.
تطور التطبيقات الحديثة لتركيب الصور مع المشاهير
يوضح الدكتور “أحمد بهاء خيري” أن التطبيقات الحديثة لتركيب الصور مع المشاهير، تطورت بشكل مذهل، مستخدمة تقنيات مثل التوليد العميق “Deepfake” ونماذج تحويل الوجه “Face Swapping”، كما أن تحسين الإضاءة والتفاصيل يضيف طابعًا احترافيًا للصور، مما يجعلها تبدو وكأنها ملتقطة بكاميرا حقيقية.
يشير الدكتور إلى انتشار الظاهرة في العالم العربي، وخاصة في الخليج ومصر، مع تحذيرات رسمية من الجهات الحكومية، بشأن التطبيقات التي تجمع بيانات بيومترية كالوجه، لأنها قد تُستغل في سرقة الهوية، أو الابتزاز.
كما يوضح أيضًا أن الظاهرة عالميًا أدت إلى قضايا قانونية، ضد شركات استخدمت صور مشاهير بدون إذن، مثل قضية “تايلور سويفت”، التي كسبتها ضد شركة استخدمت صورتها في إعلان مزيف، ويبرز الدكتور الأبعاد القانونية والاجتماعية، والأخلاقية لهذه التطبيقات، مشيرًا إلى أن معظم الدول لا تزال تحاول مجاراة التطور التكنولوجي.
وأضاف دكتور الأنظمة الذكية بجامعة الإسكندرية، أنه يوجد توجه عالمي لتجريم استخدام الصور المركبة بدون إذن، خاصة إذا كانت تحمل إيحاءات أو تستخدم تجاريًا، كما أن تداول الصور خارج السياق قد يؤدي إلى مشاكل اجتماعية وأسرية.
الدكتور أحمد بهاء خيري: إجراءات وقائية بسيطة قد تنقذك من سرقة هويتك
يوصي الدكتور “أحمد” الأسر والمجتمع باتباع إجراءات وقائية، مثل التوعية داخل الأسرة حول مخاطر مشاركة الصور الشخصية مع التطبيقات غير الموثوقة، مشددًا إلى أهمية استخدام تطبيقات موثوقة فقط، وتفعيل إعدادات الخصوصية؛ لمنع التطبيقات من الوصول الكامل للصور أو الكاميرا، مع التبليغ عن المحتوى المسيء، ودعم التشريعات المحلية؛ لحماية الأفراد من التزييف الرقمي.
يقترح “خيري” وضع ورقة توعوية موجهة للأسر والمجتمع؛ لتوضيح مخاطر استخدام التطبيقات لتركيب الصور الشخصية مع المشاهير، مع تقديم نصائح عملية للحماية، موضحًا أن هذه الورقة يمكن أن تشمل مقدمة عن انتشار الظاهرة، المخاطر المحتملة، الإجراءات الوقائية، وتوصيات للمجتمع المدني والمدارس؛ لتكوين وعي شامل يحمي الأفراد والأسر، من التسلية الرقمية الخطرة.
يشدد خبير الأنظمة الذكية بجامعة الإسكندرية، على أهمية تنظيم ورش عمل توعوية، في المدارس والنوادي حول الذكاء الاصطناعي ومخاطره، وإعداد دليل رقمي مبسط للأهالي؛ لشرح كيفية حماية أبنائهم، مؤكدًا أن التعاون مع الجهات القانونية لتطوير سياسات حماية رقمية فعالة، يمثل خطوة أساسية نحو مجتمع أكثر أمانًا في مواجهة تحديات التسلية الرقمية، والتزييف الرقمي.
في النهاية، قد يبدو الانخراط في التريندات الرقمية مجرد تسلية لا ضرر فيها، لكن الحقيقة أن التكنولوجيا الحديثة لا تفرق بين الجد والهزار، وأن كل صورة يتم رفعها على تطبيق غير موثوق قد تتحول إلى خيط يقود نحو ابتزاز أو تشويه سمعة أو حتى سرقة هوية، فالوعي الرقمي لم يعد رفاهية، بل هو خط الدفاع الأول؛ لحماية الفرد والأسرة والمجتمع من الانزلاق وراء “تسلية”؛ قد تحمل في طياتها مخاطر جسيمة.