إنفراد – بسملة الجمل
لم يكن الهجوم الإسرائيلي الأخير على الدوحة مجرد اعتداء عابر على أراضي دولة عربية، بل شكل صدمة إقليمية فتحت الباب أمام أسئلة أعمق تتعلق بالأمن القومي العربي وقدرة الدول الإسلامية على مواجهة التحديات المشتركة، سقوط ضحايا مدنيين، بينهم مواطن قطري، منح القضية بعدًا إنسانيًا وسياسيًا في آن واحد.
اجتماع وزراء الخارجية العرب والمسلمين في الدوحة، وما تبعه من تصريحات تؤكد أن “قطر ليست وحدها”، أعاد للأذهان فكرة التضامن العربي والإسلامي التي تراجعت كثيرًا في السنوات الماضية، لكن السؤال الجوهري يظل قائمًا: هل يترجم هذا التضامن إلى مواقف عملية، أم يظل في حدود البيانات والشعارات.
الهجوم على قطر، وهي الدولة التي اضطلعت بدور الوسيط في جهود إنهاء حرب غزة، يطرح أيضًا مخاطر جديدة تتعلق بتحييد الوسطاء واستهدافهم، بما قد يعرقل مساعي الحلول السلمية، كما يثير المخاوف من تحول قواعد الاشتباك الإسرائيلية لتشمل دولًا عربية وإسلامية خارج نطاق الصراع المباشر.
وبين الإدانات العربية الواسعة والمخاوف الأمنية المتصاعدة، يظل المشهد مفتوحًا على احتمالات عديدة، أبرزها: هل يشكل العدوان بداية لإحياء مفهوم الأمن القومي العربي المشترك، أم أنه مجرد محطة عابرة في مشهد إقليمي مأزوم.
إسرائيل تكسر الخطوط الحمراء.. وقطر تتحول إلى ساحة اختبار للتضامن العربي
أشار الدكتور طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية، إلى أن القضية ليست مرتبطة فقط بالخطوة التالية، بل بما هو قادم، خاصةً مع تهديد نتنياهو باستهداف أي منطقة يتواجد فيها عناصر حركة حماس، موضحًا أنه لم يتضح بعد ما إذا كانت هذه العناصر ستظل على الأراضي القطرية أم ستغادرها، وأن جميع الاحتمالات تحمل تداعيات كبيرة على المرحلة المقبلة.

الدكتور طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية
وأوضح الدكتور طارق فهمي أن الخطوة التالية ستعتمد على كيفية التعامل مع قطر أو أي دولة أخرى قد تستهدف، بما في ذلك تركيا وإيران وعدد من الدول الإسلامية، مؤكدًا أن التضامن العربي يظل مطلوبًا لكنه بحاجة إلى ترجمة عملية، لاسيما أن بيان القمة العربية الإسلامية خلى من الأدوات والآليات التي تتيح التعامل الفعال، وهو ما قد يعرقل أي اتفاق محتمل.
وأكد “فهمي” أن الهجوم الإسرائيلي على قطر يمثل رسالة أولى بإنهاء فكرة التفاوض، على الرغم من أن الدوحة لن تغادر مسار المفاوضات، مشددًا على أن إسرائيل تسعى للانفراد بالعمل العسكري في الوقت الراهن، وربط ما يجري في قطاع غزة بهذا السياق، حيث تبرز رؤيتان: الأولى أن العمل العسكري يسبق العمل السياسي ويضع الأمر في مسار محدد.
كذلك الثانية وهي الأهم من وجهة نظره، أن أي ترتيبات عسكرية أو أمنية في غزة ستتجاوز القطاع لتطال الإقليم بأسره، كما شدد الدكتور طارق فهمي على أن التضامن العربي يبقى مطلوبًا وضروريًا، موضحًا أن تكاتف الدول العربية قد يشكل عامل توازن في مواجهة محاولات فرض الهيمنة على الإقليم، ومنع تصدير الأزمة إليه بصورة أوسع وأكثر خطورة.
عدوان الدوحة.. اختبار حقيقي للتضامن العربي وقدرته على التحول إلى فعل
تطرح خاتمة التطورات سؤالًا محوريًا حول مستقبل الأمن القومي العربي، وهل يمكن أن يتحول التضامن الراهن إلى خطوة عملية تعيد لهذا المفهوم حضوره بعد سنوات من الغياب، ويكشف الهجوم على قطر حجم التهديدات التي لم تعد مقتصرة على ساحات الصراع المباشر، بل امتدت لتطال دولة اضطلعت بدور الوسيط.
ما يجعل حماية الوسطاء والدبلوماسيين ضرورة لا تقل أهمية عن حماية المدنيين، كما يفرض التصعيد الإسرائيلي واقعًا جديدًا على المنطقة، واقعًا قد يجبر الدول العربية والإسلامية على مراجعة أدواتها وأساليب ردعها، بعيدًا عن حدود البيانات والتنديد.
ويؤكد الحدث في مجمله أن ما جرى في الدوحة ليس مجرد عدوان عابر، بل رسالة سياسية وأمنية عميقة، قد تمثل اختبارًا حقيقيًا لقدرة العرب على تحويل التضامن إلى فعل، ولقدرة الإقليم على كسر معادلات القوة التي تحاول إسرائيل فرضها بالقوة، ويبرز العدوان على قطر الحاجة لإعادة التفكير في آليات الدفاع العربي المشترك.
كذلك يفتح الباب أمام تساؤلات جدية حول جدوى بقاء هذا الملف حبيس الأدراج، كما يدفع التضامن العربي الذي ظهر في الدوحة باتجاه إعادة بناء الثقة بين الشعوب والحكومات، ويمنح الرأي العام أملًا بعودة التنسيق العربي بعد سنوات من الانقسام.
ويثبت الموقف أن الوساطة لم تعد مجرد قناة دبلوماسية، بل تحولت إلى هدف استراتيجي تسعى إسرائيل إلى تحييده أو تدميره، وهو ما يفرض على المجتمع الدولي حماية الدول الوسيطة، ويعكس الهجوم الإسرائيلي رغبة واضحة في تصدير الأزمة إلى الإقليم بأسره، بما يحمله ذلك من مخاطر على استقرار المنطقة، ما يستدعي رؤية عربية موحدة تتجاوز البيانات الرمزية.
ويفتح ما جرى في الدوحة الباب أمام قراءة جديدة لمستقبل الصراع، قراءة تجعل من كل دولة عربية أو إسلامية جزءًا من المعادلة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، ويرسم العدوان على قطر خطًا فاصلًا بين مرحلة سابقة اعتادت فيها إسرائيل اختبار ردود الفعل، ومرحلة جديدة تضع العرب أمام امتحان حقيقي: إما الاكتفاء ببيانات الشجب، أو الانتقال إلى سياسات عملية تصنع فارقًا في معادلات القوة بالمنطقة.






