تحقيق – نسمة هاني
بدأت الأصوات تتعالى في السنوات الأخيرة، حول جودة ما نأكله، وتحديدًا ما يُستخدم في إنتاجه من مواد تؤثر على صحتنا بشكل مباشر من بين هذه المواد، تحتل الهرمونات مكانة مثيرة للجدل، حيث تُستخدم في مجالات متعددة مثل تربية المواشي والدواجن، وزراعة بعض المحاصيل.
وذلك بهدف تسريع النمو أو تحسين الإنتاج، لكن ما بين تحسين المردود الاقتصادي وضمان سلامة المستهلك، تبرز تساؤلات مشروعة هل هذه الهرمونات آمنة، وهل هناك ضوابط لاستخدامها، وما الذي يمكن فعله للحد من آثارها السلبية.
تُعد الهرمونات الصناعية أو المحفزات الحيوية إحدى الوسائل التي ساهمت في مضاعفة إنتاج الغذاء لمواكبة الطلب العالمي المتزايد، خاصة مع الزيادة السكانية الهائلة من منظور زراعي، فإن استخدام الهرمونات في قطاع الإنتاج الحيواني، مثل هرمونات النمو لتسمين العجول، قد يؤدي إلى تقليل فترة التربية، وزيادة الكتلة العضلية للحيوان.
وبالتالي تقليل التكاليف ورفع الأرباح، ورغم ذلك فإن استمرار تناول الإنسان لأغذية تحتوي على آثار لهرمونات غير طبيعية قد يكون له عواقب صحية جسيمة، أبرزها اضطرابات في النمو والخصوبة، وزيادة احتمالات الإصابة ببعض أنواع السرطان، كما تشير دراسات طبية متعددة.
مركز البحوث الزراعية يُجيب عن تأثير الهرمونات على الصحة
أوضح “الدكتور على محمد إبراهيم” مركز البحوث الزراعية أن استخدام الهرمونات النباتية مثل الأوكسينات والجبريلينات شائع، خاصة لتحفيز النمو، وزيادة العقد والثمار، وتسريع النضج، وأشار إلى أنه يتم استخدامها بشكل أكبر في الزراعات المحمية كالبيوت المحمية والزراعة التجارية.

الدكتور على محمد إبراهيم مركز البحوث الزراعية
وأضاف “دكتور مركز البحوث الزراعية” أن استخدام الهرمونات في الإنتاج الحيواني يكون أكثر في تربية الدواجن لتحفيز النمو السريع رغم أن هذا الاستخدام محاط بالجدل وأوضح أنه يُقال إنه غير منتشر رسميًا لكنه يُمارس أحيانًا في القطاع غير الرسمي، وأشار إلى أن الأبقار الحلوب تُستخدم فيها بعض الهرمونات مثل البوفين، سوماتوتروبين BST، لزيادة إنتاج الحليب وذكر أن التسمين قد تُستخدم فيه مركبات لتحفيز النمو السريع في بعض مزارع التسمين.
وأشاره “الدكتور إبراهيم” أن هناك قوانين وتشريعات مصرية تنظم استخدام الهرمونات، منها قانون الزراعة رقم 53 لسنة 1966 وتعديلاته وقرارات الهيئة العامة للخدمات البيطرية ووزارة الزراعة بشأن تنظيم تداول الأدوية البيطرية والهرمونات، وأوضح أن الهيئة القومية لسلامة الغذاء تعمل على مراقبة بقايا المبيدات والهرمونات في المنتجات الغذائية لكنه نبه إلى أن المشكلة، تكمن في الرقابة غير الكافية أحيانًا خاصة في السوق غير الرسمي.
وبيّن “الدكتور على محمد إبراهيم” إلى وجود بدائل فعالة وآمنة للهرمونات في الزراعة النباتية مثل الزراعة العضوية واستخدام الكائنات الحيوية كالبكتيريا والفطريات المفيدة والتسميد العضوي وتقنيات الزراعة المتكاملة، وأوضح أنه في الإنتاج الحيواني تشمل البدائل تحسين نظم التغذية والرعاية والتربية الانتقائية، لاختيار سلالات ذات كفاءة إنتاجية واستخدام مكملات طبيعية كالأعشاب والمحفزات المناعية الطبيعية، وبيّن أن كفاءة هذه البدائل قد تكون أبطأ نسبيًا في إعطاء النتائج مقارنة بالهرمونات لكنها أكثر أمانًا وتؤدي إلى جودة أعلى على المدى البعيد.
وذكر “دكتور البحوث الزراعية” أن الفئات العمرية أو الصحية الأكثر عرضة لتأثيرات الهرمونات تشمل الأطفال والمراهقين بسبب تأثيرها على النمو والبلوغ المبكر، وأشار إلى أن النساء خصوصًا الحوامل والمرضعات قد يتأثرن ببعض الهرمونات التي تؤثر على توازن الهرمونات الطبيعية، كما نبه إلى أن مرضى السرطان أو من لديهم استعداد وراثي قد يزيد التعرض المزمن لهرمونات صناعية من احتمالات إصابتهم ببعض السرطانات مثل سرطان الثدي، أو البروستاتا، وأوضح أن مرضى الكبد والكلى أيضًا معرضون للخطر لأنهم أقل قدرة على التخلص من السموم وبقايا الهرمونات.
وذكر “دكتور البحوث الزراعية” أن علامات وأعراض التعرض المزمن للهرمونات تتضمن اضطرابات في النمو والبلوغ المبكر لدى الأطفال واضطرابات هرمونية مثل اضطرابات الدورة الشهرية، أو نمو الثدي لدى الذكور، وزيادة معدلات السمنة، ومشاكل في الخصوبة، وضعف المناعة، واحتمالية زيادة خطر الإصابة ببعض أنواع السرطان.
ونصح أيضا المستهلكين بتقليل التعرض للهرمونات في الغذاء من خلال شراء المنتجات العضوية قدر الإمكان والخالية من الهرمونات والمبيدات وأوصى بغسل الخضروات والفواكه جيدًا وإزالة القشور أو نقعها في ماء وخل والابتعاد عن اللحوم والدواجن مجهولة المصدر أو الرخيصة بشكل مبالغ فيه.

إستخدام الهرمونات في الأطعمة
وأكد على أهمية شراء الألبان واللحوم من مصادر موثوقة أو معروفة بالإنتاج النظيف، وشدد على الاعتدال في تناول الأطعمة الحيوانية، وتنويع مصادر البروتين مثل البقوليات، والبيض، والأسماك وأوصى بالاهتمام بالتغذية الصحية العامة، التي تعزز مناعة الجسم وقدرته على التخلص من السموم، وطهي الطعام جيدًا لأن الحرارة العالية قد تقلل من بقايا بعض المركبات الكيميائية.
ورغم القيود القانونية إلا أن الأسواق لا تخلو من منتجات مشبوهة، خاصة القادمة من مصادر غير مرخصة أو غير خاضعة للرقابة، في هذا السياق، ينصح المختصون المستهلكين بالاعتماد على مصادر موثوقة للشراء، ويفضل اختيار المنتجات المحلية الخاضعة للرقابة الصحية، مع تنويع مصادر البروتين وعدم الاعتماد فقط على اللحوم سريعة النمو.
وعن الجانب الإيجابي، أشار المختص إلى أن بعض الهرمونات النباتية الطبيعية، مثل الأوكسينات والجبرلينات، تُستخدم في الزراعة لزيادة الإنتاج أو تحسين جودة الثمار، وهي لا تشكل خطرًا كبيرًا على صحة الإنسان إذا استُخدمت ضمن الحدود المسموح بها.
وللحد من مخاطر الهرمونات في الغذاء، تُوصي وزارة الزراعة بعدة إجراءات، منها تشديد الرقابة على المزارع، وتوعية المزارعين والمربين بكيفية الاستخدام الصحيح، وتغليظ العقوبات على من يتجاوز القوانين، كما أن على المستهلك دورًا مهمًا، من خلال المطالبة بمنتجات آمنة والحرص على الطهي الجيد للطعام، ما يقلل من بقايا الهرمونات إن وُجدت.
مقارنة بين سياسات الدول في استخدام الهرمونات في الإنتاج الحيواني
تختلف السياسات الدولية بشأن استخدام الهرمونات في الإنتاج الحيواني، حيث تتبنى بعض الدول نهجًا صارمًا في هذا الصدد، بينما تسمح دول أخرى باستخدامها تحت ضوابط محددة.
يحظر الاتحاد الأوروبي استخدام الهرمونات في تربية الحيوانات لأغراض النمو منذ عام 1988، وذلك استنادًا إلى مبدأ الحيطة والحذر لحماية صحة المستهلكين، ويشمل هذا الحظر استيراد اللحوم التي تحتوي على بقايا هرمونية.
وتسمح الولايات المتحدة أيضا باستخدام بعض الهرمونات في تربية الأبقار لتحفيز النمو وزيادة الإنتاج، مثل هرمون “rBST” في إنتاج الحليب، وتخضع هذه الاستخدامات لرقابة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية”FDA” التي تعتبرها آمنة ضمن الحدود المسموح بها.
بدائل آمنة للهرمونات في الزراعة والإنتاج الحيواني
هناك عدة بدائل آمنة يمكن استخدامها بدلاً من الهرمونات الصناعية في الزراعة والإنتاج الحيواني، منها تحسين جودة الأعلاف أستخدام أعلاف متوازنة وغنية بالعناصر الغذائية يساعد في تعزيز نمو الحيوانات بشكل طبيعي.
والاختيار الوراثي، اختيار سلالات ذات صفات وراثية جيدة يمكن أن يؤدي إلى تحسين الإنتاج دون الحاجة إلى محفزات خارجية.
وتحسين إدارة المزارع، توفير بيئة نظيفة ومريحة للحيوانات، والاهتمام بصحتها العامة، يمكن أن يقلل من الحاجة إلى استخدام الهرمونات، واستخدام المكملات الطبيعية، بعض المكملات الغذائية الطبيعية يمكن أن تحفز النمو والإنتاج دون التأثير سلبًا على صحة الإنسان أو الحيوان.
نصائح عملية للمستهلك لتقليل التعرض للهرمونات في الغذاء
يمكن للمستهلكين اتخاذ بعض الإجراءات لتقليل تعرضهم للهرمونات في الغذاء، اختيار المنتجات العضوية، المنتجات العضوية غالبًا ما تُنتج دون استخدام الهرمونات الصناعية، التحقق من مصدر المنتجات شراء اللحوم ومنتجات الألبان من مصادر موثوقة ومعروفة باتباعها لممارسات تربية صحية، وتنويع النظام الغذائي تنويع مصادر البروتين وعدم الاعتماد فقط على اللحوم يمكن أن يقلل من التعرض للهرمونات.
الطهي الجيد للطعام، طهي اللحوم بشكل جيد يمكن أن يساعد في تقليل بقايا الهرمونات المحتملة، الاطلاع على الملصقات الغذائية قراءة الملصقات الغذائية للتحقق من وجود أي إشارات إلى استخدام الهرمونات في المنتج.
إحصائيات حول استخدام الهرمونات في الإنتاج الحيواني عالميًا
تشير تقديرات منظمة الأغذية والزراعة، إلى أن استخدام الهرمونات في الإنتاج الحيواني يختلف بشكل كبير بين الدول، حيث تعتمد بعض الدول بشكل كبير على هذه التقنيات لزيادة الإنتاج، بينما تتبنى دول أخرى سياسات أكثر تحفظًا.
وعلى سبيل المثال في الولايات المتحدة، يُستخدم هرمون “RBST” في إنتاج الحليب، وقد أظهرت الدراسات أن استخدامه يمكن أن يزيد من إنتاج الحليب بنسبة تصل إلى 10-15%.
أما في الاتحاد الأوروبي، فإن الحظر المفروض على استخدام الهرمونات في تربية الحيوانات، أدى إلى توجه المزارعين نحو تحسين أساليب التربية، والتغذية لزيادة الإنتاج بشكل طبيعي.
الهرمونات في الفواكه والخضروات والنباتات
لا يقتصر استخدام الهرمونات على الإنتاج الحيواني فقط، بل يُستخدم أيضًا في الزراعة النباتية، حيث تُستعمل الهرمونات النباتية الطبيعية مثل الأوكسينات، الجبرلينات، والسيتوكينينات بهدف تسريع النمو، وزيادة حجم الثمار، وتحسين التجذير، وتنظيم الإزهار والإثمار.
ورغم أن هذه المواد تُعد جزءًا من العمليات الحيوية الطبيعية للنبات، إلا أن الإفراط في استخدامها أو استعمال نسخ صناعية منها قد يثير تساؤلات حول آثارها طويلة المدى على صحة الإنسان، لذلك توصي الجهات المعنية بضرورة الالتزام بالجرعات المسموح بها، واعتماد ممارسات زراعية مستدامة، كما يُنصح المستهلكون بغسل الفواكه والخضروات جيدًا، ويفضل شراء المنتجات المزروعة عضويًا كلما أمكن، لتقليل التعرض لبقايا المواد الكيميائية بما فيها الهرمونات.
تأثير الهرمونات على البيئة
لا يقتصر تأثير الهرمونات الصناعية على صحة الإنسان فحسب، بل يمتد ليشمل البيئة المحيطة كذلك، فمع الاستخدام المتكرر والمكثف لتلك الهرمونات في تربية الحيوانات والزراعة، قد تصل بقايا هذه المواد إلى التربة والمياه الجوفية عن طريق الفضلات الحيوانية أو مخلفات النباتات المعالجة.
ويؤدي ذلك إلى اختلال في التوازن البيئي، حيث تتأثر الكائنات الحية الدقيقة، وتزداد احتمالات تلوث مصادر المياه، مما ينعكس سلبًا على التنوع البيولوجي وعلى صحة الإنسان في المدى البعيد، لاسيما في المناطق الزراعية ذات الكثافة الإنتاجية العالية.
دور التوعية والتعليم الزراعي
يلعب التعليم الزراعي والتوعية المجتمعية دورًا محوريًا في الحد من المخاطر المرتبطة باستخدام الهرمونات في الإنتاج الغذائي، إذ إن تمكين المزارعين والمربين من المعرفة العلمية حول طبيعة الهرمونات، وطرق استخدامها الآمن، والبدائل المتاحة، يسهم في تحسين جودة الإنتاج وضمان سلامة الغذاء.
وتشجع الجهات المختصة على تنظيم ورش عمل ودورات تدريبية للمزارعين، ونشر نشرات توعوية تسهم في رفع مستوى الوعي بأهمية تطبيق المعايير الصحية والبيئية في المزارع والحقول، كما أن التوعية يجب أن تشمل المستهلكين أنفسهم، لتمكينهم من اتخاذ قرارات شراء مدروسة قائمة على المعرفة.
رأي بعض المؤسسات والمنظمات الدولية المعنية بالصحة
تؤكد المؤسسات والمنظمات الدولية المعنية بالصحة والسلامة الغذائية، مثل منظمة الصحة العالمية “WHO”، ومنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “FAO”، على ضرورة تقنين استخدام الهرمونات الصناعية في الإنتاج الحيواني والنباتي، وتدعو هذه المنظمات إلى تعزيز البحوث العلمية المستقلة، لتقييم آثار هذه المواد على الصحة العامة والبيئة
وتحث الدول على تطبيق تشريعات صارمة وإجراءات رقابية فعالة، لضمان التزام المنتجين بالمعايير الصحية، كما تدعم تلك الجهات إنشاء قواعد بيانات شفافة حول المواد المضافة للأغذية، بما في ذلك الهرمونات، لضمان حق المستهلك في الاطلاع والمعرفة.
لقد أصبح من الواضح أن استخدام الهرمونات في الإنتاج الزراعي والحيواني لم يعد مجرد خيار تقني، بل معركة حقيقية بين الربح السريع وسلامة الإنسان، فما بين مكاسب اقتصادية مغرية ومخاطر صحية خطيرة، يقف المستهلك في مرمى الخطر، وسط منظومة تحتاج إلى مراجعة شاملة، تبدأ من المزارع وتنتهي على موائد الطعام، تجاهل هذه الحقائق ليس فقط تهديدًا لصحة الأفراد، بل تهديد لمستقبل الأمن الغذائي الوطني.
الرهان الآن على وعي المستهلك، وتشديد الرقابة، ودعم المزارعين والمربين في تبني بدائل آمنة ومستدامة، لم يعد الصمت مقبولًا أمام ما يهدد أطفالنا وصحتنا وبيئتنا، فالغذاء النظيف حق، والمحاسبة ضرورة، والسكوت خيانة للمستقبل.