تقرير – وفاء العسكري
تصدر مسلسل الحشاشين بطولة الفنان كريم عبد العزيز مؤشرات البحث في الدول العربية، إذ حصل المسلسل على ضجة عملاقة بسبب الإنتاج الضخم والمشاهد الرائعة داخل المسلسل.
وظهرت العديد من المناظر الخلابة داخل المسلسل منها الصحراوية والزراعية، والشكل العملاق الرائع لقلعة آلموت، وزوايا التصوير التي ادهشت محبي المسلسل، وبرغم كل ذلك إلا أن المسلسل تعرض للعديد من الانتقادات.
انتقادات مسلسل الحشاشين
حيث انتقد الجمهور اللغة التي يتحدث بها الفنانين داخل المسلسل، وقال الجمهور إنها تميل للعامية المصرية وهذا شئ غير مناسب نسبةً إلى عمل ضخم ورائع مثل هذا، إلى جانب أنه عمل تاريخي، وكذلك تم اتهام صناع العمل بعدم الدقة في سرد الأحداث، متناسين أنه عبارة عن عمل درامي تاريخي.
وليست وثيقة تاريخية، أو فيلم يوثق تاريخ قبيلة مثل الحشاشين، كما تم التشكيك بالمشاهد والمناظر وأنها لا تصف الحقيقية، وكل تلك الشكوك تخفي وراءها دفن الهدف الحقيقي من المسلسل، وهو تسليط الضوء على نشر الفكر المتشيع التكفيري، وتأسيس فرقة الحشاشين المتطرفة من قِبل حسن بن الصباح الفارسي.
هدف مسلسل الحشاشين
ويهدف مسلسل الحشاشين إلى كشف حقيقية حسن بن الصباح الفارسي، والنهج الذي كان يسير عليه، وكيف يخدع من حوله، ويلعب بعقولهم لتصديق أن ذلك النهج هو الصحيح، وغير ذلك فهو كافر ويستحق الموت، وتسلط أحداث المسلسل الضوء على الحيل التي يقوم بها الصباح لخداع الآخرين.
ويُعد مسلسل الحشاشين هو أول عمل درامي عربي، يتناول قصة الفرقة الدموية الغامضة “الحشاشين”، ويستند المسلسل إلى أحداث تاريخية واقعية، حدثت بالفعل في القرن الحادي عشر، ولكنه يحتوي على بعض اللمسات الدرامية لجذب المشاهدين.
وفي ذلك التقرير سنرفع الستار عن القصة الحقيقية لفرقة الحشاشين:
وتعتبر “الحشاشين” هى طائفة ولها العديد من المسميات مثل الحشاشون وطائفة الحشيشية أو الدعوة الجديدة كما يطلقوا على أنفسهم، وهى طائفة شيعية إسماعيلية نزراية باطنية، انفصلت عن العيديين الفاطميين “الدولة الفاطمية” وهى إحدى دول الخلافة الإسلامية، والوحيدة التي اتخدت من المذهب الشيعي الإسماعيلي مذهبًا رسميًا لها.
وقامت الدولة الفاطمية “العيديين” بإذكاء الجذوة الحسينية، ودعوة البشر إلى القتال باسم الإمام المهدي المنتظر، الذين يتنبؤوا جميعًا بظهوره، وذلك خلال وجود العهد العباسي ولذلك أصابوا نجاحات عديدة في الأماكن البعيدة عن مركز الحكم، وذلك بسبب مطاردة العباسيين لهم واضطهادهم في المشرق العربي.
وأعلن الفاطميين قيام الخلافة بعد انتقالهم إلى المغرب، وتمكنوا من جذب وسط قبيلة كتامة البربرية، حيث شملت الدولة الفاطمية مناطق وأقاليم واسعة في شمال أفريقيا، والشرق الأوسط فتوسعت بطول الساحل المتوسطي من بلاد المغرب إلى مصر، ثم إلى جزيرة صقلية والشام والحجاز.
نشأة الدولة الفاطمية
وأصبحت الدولة الفاطمية دولة ضخمة واستقلت عن الخلافة والدولة العباسية، وكان المنافس الرئيسي لها على زعامة الأراضي المقدسة وزعامة المسلمين، ولذلك فعل اتباع الدولة “الحشاشين” ما فعلته الدولة مسبقًا، ففي القرن الحادي عشر توجهت الطائفة لتدعو إلى الأمام نزار المصطفى لدين الله، ومن جاء من نسله.
واشتهرت تلك الدعوة في القرن الخامس والسابع الهجري، وكانت معاقلهم الأساسية في بلاد فارس وفي الشام أيضًا، بعد أن هاجر جزءً منهم إلى إيران، وأسس تلك الطائفة “حسن بن الصباح” الذي اتخذ من قلعة آلموت في فارس مركزًا لنشر دعوته، وتأسيس أركان دولته.
الاستراتيجية العسكرية للحشاشين
واعتمد الحشاشين على استراتيجية عسكرية مرعبة، وهى الاغتيالات التي يقوم بها الفدائيون من الطائفة، وهم أشخاص لا يأبهون الموت في سبيل تحقيق هدفهم، ومن قوتهم كان يلقون الرعب في قلوب الأمراء والحكام المعادين لهم، وتمكنوا بالفعل من اختيال عدد من الأشخاص التاريخية المهمة في ذلك الوقت.
حيث اغتال الحشاشين الوزير السلجوقي “نظام الملك” والملك شاه، والخليفة العباسي المسترشد والراشد وملك بيت المقدس كونراد، فكانوا مدربين بشكل محترف على الفنون القتالية والتنكر والفروسية والقتل، فكان على الفدائيون الإندماج في جيش الخصم، أو بلاط الحاكم بحيث يتمكنوا من الوصول لأماكن استراتيجية، تمكنهم من تنفيذ خططهم.
اغتيال صلاح الدين الأيوبي
ويروي المؤرخ كمال الدين قصة مثيرة عن طائفة الحشاشين، وهى أن زعيم الحشاشين سنان راشد الدين في سورية أرسل مبعوثًا إلى صلاح الدين الأيوبي وأمره أن يسلم رسالة إليه دون حضور أحد، وبعد أن أمر صلاح الدين بتفتيشه ولم يجدوا معه شيئًا، فأمر صلاح الدين بإخلاء القاعة تمامًا إلا من اثنين.
وكان يعتقد صلاح الدين أنهم من أبنائه ولكن عندما تحدث المبعوث معاهم، قالوا أنهم سيقتلوا صلاح الدين الأيوبي، وبعدها غادر المبعوث ومعاه الشخصيين التابعين للملك، وذلك بسبب سعي حسن الصباح لنشر المذهب الإسماعيلي في إيران، عن طريق اغتيال الشخصيات البارزة من الأعداء.
رحلة حسن الصباح
وبعد دراسة عقائد المذهب الإسماعيلي في مصر، غادر الصباح القاهرة نتيجة خلافات سياسية إلى أصفهان عام 1081، ليبدأ رحلته في نشر تعاليم العقيدة الإسماعيلية، وركز جهوده على أقصى الشمال الفارسي وبالتحديد على هضبة أقليم الديلم، واستطاع أن يكسب الكثير من أنصاره في تلك المنطقة.
وصف قلعة آلموت
ولم ينشغل حسن فقط بكسب الأنصار لقضيته، بل انشغل بإيجاد قاعدة لنشر عقيدته في كل البلاد، للابتعاد عن خطر السلاجقة، فوقع اختياره على قلعة آلموت، وهى حصن منيع مقام فوق طنب ضيق على قمة صخرة جبلية مرتفعة في قلب جبال البورج، وتسيطر على وادي مغلق صالح للزراعة.
ويبلغ طول الوادي ثلاثين ميلًا، وأقصى عرض له هو ثلاثة أميال، وتقع القلعة على ارتفاع أكثر من 6000 قدم فوق سطح الأرض، ولا يمكن الوصول إليه إلا عبر منحدر شديد وضيق، فاستطاع الصباح دخول القلعة سرًا يوم 4 سبتمبر 1090، بفضل أنصاره المتخفين داخل القلعة، وبعد ذلك سيطر على القلعة بالكامل وأخرج الملك منها وأعطاه 3000 دينار ذهبي.
وبذلك أصبح حسن الصباح هو ملك قلعة آلموت، ولم يغادرها طيلة الـ 35 عامًا حتى وفاته، وكانوا في تلك الفترة يمثلون امتدادًا للدولة الفاطمية في القاهرة قبل الانفصال عنها، حيث ابلغ الخليفة المستنصر حسن الصباح أن الخليفة من بعده سيكون نزار، ولكن يقتله اتباع المستعلي بالله ويعتبره حسن الصباح غاصبًا للخلافة.
حكم حسن الصباح
وبمجرد سيطرة الصباح على قلعة آلموت، بدأ في نشر دعوته في جميع أنحاء إيران السنية، التي كان يسكنها متنمرون من الحكم السلجوقي للبلاد، فأرسل دعاته إلى كوهستان وهى منطقة جبلية قاحلة، تقع على حدود إيران وأفغانستان، حيث هب الإسماعيليون في ثورات صريحة في أنحاء الأقليم، وفرضوا سيطرتهم على العديد من المدن.
وتعتبر المدن المسيطرة عليها هى مدن رئيسية منها شوشان وقعين وطبس وتون وأخريات، وانتشرت الدعوة في المنطقة بصورة رهيبة، في منطقة روديار المجاورة للقلعة، وكذلك مناطق جبلية ذات ميزة واضحة للتوسع الإسماعيلي، ومناطق مماثلة تقع في الجنوب الغربي لإيران، في منطقة بين خوزستان وبلاد فارس، حيث البلاد المنيعة والسكان الساخطون على الحكم السلجوقي.
ولم يتأخر السلاجقة في موجهة هذا التمرد العسكري، ففي عام 1092 قاموا بحشد جيوشهم وفرضوا حصار على القلعة وهاجموا منطقة كوهستان، وفي ذلك الحين لم يمتلك حسن الصباح أكثر من سبعين شخصًا، ولكنهم نجحوا في صد محاصريهم، وذلك أدى إلى إنسحاب الجيش السلجوقي وانتهاء حصار قلعة آلموت، وبعدها وصلت أخبار وفاة السلطان السلجوقي 1092.
خلفاء حسن الصباح
وبانتشار خبر وفاة حسن الصباح 1124 ميلادي، أثيرت في نفوس الأعداء فرحة عارمة، واعتقدوا أنها فرصة للهجوم والانهاء على طائفة الحشاشين، ولكن بعد مرور عامين حكم برزجميد “برزك أميد” حتى توفي في عام 1138، وجاء بعده نجله محمد بن برزجميد وحكم حتى وفاته عام 1162.
وحكم بعده الحسن علي حتى وفاته في عام 1166، وتولى الحكم من بعده ابنه محمد بن الحسن علي الذي حكم من 1166 حتى 1210، ثم حكم جلال الدين حسن بن محمد حتى وفاته عام 1221، وتولى بعده الحكم علاء الدين محمود في الفترة ما بين عام 1221 حتى 1255، واختتم الخلافة بحكم ركن الدين خورشاه ما بين عام 1255 حتى وفاته في عام 1256.
نهاية طائفة الحشاشين
وشارك الحشاشين غيرهم من المسلمين في التصدي للتهديد المغولي، وحاولوا كسب ثقة المماليك بالأخص الظاهر بيبرس، وذلك عن طريق إرسال السفارات والهدايا، ولكن لم يتوقع من بيبرس التسامح إزاء استمرار وجود جزء مستقل في قلب سورية، فأمر بجمع الضرائب من الحشاشين.
فأصبح الحشاشين يدفعون الجزية بدلًا من أخذها من أمراء الدول المجاورة، وسرعان ما أصبح بيبرس هو الذي يعين رؤساء الحشاشين، ويخلعهم بدلًا من حاكم آلموت، فعين بيبرس أحد الحكام على الحشاشين ولكن هذا الحاكم كان ممثلًا له، وجعل الطائفة بأكملها تحت حكم بيبرس، فعزله بيبرس وجاء به سجينًا إلى القاهرة حتى مات مسمومًا، وبذلك تنتهي دولة الحشاشين في بلاد الشام.