تحقيق ـ بسمة البوهي
في زمن تتسارع فيه التغيرات، وتتشكل فيه القيم من جديد يظل السؤال مطروحاً، هل لا تزال الفتاة اليوم تحمل نفس المسؤولية التي كانت تتحلى بها أمهات الماضي بين ضغوطات الحياة الحديثة، وتحديات التكنولوجيا وبين أصالة الماضي ورائحته العطرة، وتألق الحاضر ونوره الساطع وبين حكايات الأجداد التي تنبض بالحكمة، ونقف لنتأمل الفروق والتشابهات ولكن تبقى المسؤولية جوهرة ثمينة لا تتأثر بعوامل الزمن، فلذلك نتساءل هل تغير الزمن أم تغيرت النفوس، وهل المسؤولية تولد مع الإنسان أم تصقلها التجارب.
بنات اليوم.. هل يحملن المسؤولية مثل أمهات الأمس
تقول “هبة محمد”: في الماضي كانت الفتيات تحمل المسؤولية منذ الصغر، وتساعد والدتها وتتعلم كل ما يخص شؤون المنزل، أما اليوم فأغلب الفتيات منشغلات بالهواتف والسوشيال ميديا، ومظهرها الخارجي أكثر من أي شيء آخر.
تؤكد “آية السيد”، ليس صحيحاً أن بنات هذا الزمن غير مسؤولات، بل يحملون مسؤوليات من نوع مختلف، فمنهم من تعمل والأخرى تدرس، ولذلك يواجهون ضغوطات الحياة بمفردهم، فلذلك شكل المسؤولية تغير ولكنها لم تختفي.
توضح “أميرة إبراهيم”، أن أمهات الماضي كانوا يتحملن الكثير من المسؤوليات بسبب صعوبة الحياة في ذلك الوقت، أما اليوم فهناك قدر أكبر من الراحة والرفاهية، لكن ذلك لا يعني أن الفتاة أصبحت كسولة وغير مسؤولة، ولكن كل جيل له طريقته الخاصة في تحمل المسؤولية وترتيب الأولويات.
تجمعت أراء الناس بين المؤيد والمعارض في اختلاف المسؤولية مع اختلاف الأجيال، حيث يرى البعض أن فتيات اليوم لم يعدنا يتحملن المسؤولية كما كانت أمهات الماضي، حيث يروا أن التكنولوجيا ووسائل التواصل واهتمامها بنفسها وبمظهرها شغلت مساحة كبيرة من اهتمامات البنات، فنتيجة ذلك ابتعدت عن الأعمال المنزلية ومهارات الحياة التي كانت تتقنها بنات الأجيال السابقة.
ويرى البعض الآخر أن بنات هذا الجيل يتحملون المسؤولية مثل أمهات الماضي، ولكن مع اختلاف المسؤوليات التي تتناسب مع تغيرات العصر، لان منهم من يدرس ومنهم من يعمل ويسعون لتحقيق كيانهم في ظل تحديات الحياة وضغوطاتها اليومية، فلهذا نستنتج أن كل جيل يتحمل نصيبه من الأعباء على حسب ما تفرضه ظروف الزمنه، وأن الحكم العادل لا يكون بالمقارنة بين جيلين عاشوا في عالمين مختلفين تماماً.
دكتورة علم الإجتماع.. من زمن صفية المهندس إلى زمن الجريمة والإثارة
أوضحت الدكتورة سامية خضر أستاذة علم الاجتماع، إن الإعلام في الماضي كان مدرسة حقيقية لتربية الوعي وبناء الشخصية المصرية، فبرامج مثل صفية المهندس، ومسلسلات مثل عيلة مرزوق، حملت بين طياتها رسائل أخلاقية وتربوية سامية، عززت روح التعاون والاحترام والمسؤولية داخل الأسرة والمجتمع، وأضافت أن تلك الأعمال لم تكن مجرد ترفية، بل كانت تغرس القيم والهوية والإنتماء، وتقدم القدوة الإيجابية للمشاهدين.

الدكتورة سامية خضر أستاذ علم الإجتماع
وأشارت الدكتورة سامية، إلى أن المشهد الإعلامي الحالي يحتاج إلى مراجعة جادة، فالكثير مما يقدم اليوم من برامج ومسلسلات يفتقر إلى الهدف والمضمون البناء، بل يركز على الجريمة والعنف والإثارة الفارغة، مثلما نرى في بعض الأعمال التي تبدأ حلقاتها بجمل مأساوية من نوع “قتلتي ودبحتي ودفنتي”، وهو ما يسهم في تشوية الوعي الجمعي، واختتمت حديثها قائلة: “نحن في أمس الحاجة إلى إعلام يعيد الوعي والقيم، كما كان في زمن «ستي سنية» و«اتنين وبس»، زمن كانت فيه الشاشة تعلم وتربي قبل أن تسلي”.
حين تتغير الأزمنة تبقى المرأة هي رمز القوة والعطاء
ومن الممكن أن نرى في أمهاتنا مثالاً للمسؤولية بحكم ما واجهته من تحديات، لكن لا يمكن إنكار أن فتيات اليوم يواجهنا نوعاً آخر من الصعوبات مثل الصراع بين الطموح والواقع وبين الحرية، فبينما كانت الأم زمان تقيس نجاحها بقدرتها على تربية أولادها وإسعاد بيتها، اليوم تقاس بنات بنجاحها وقدرتها على تحقيق ذاتها ومكانتها في المجتمع.
وليست المسالة فمن الأحق والأفضل، بل من القادر على التكيف مع الزمن، فالأم كانت مسؤولة بحكم ظروفها والبنت اليوم مسؤولة بطريقتها الجديدة، وكلاهما يقدمان نموذجاً مختلفاً للمسؤولية لكن يجمع بينهما خيط واحد لا يتغير وهو القدرة على العطاء والرغبة في أن يكنّ قادرات وناجحات و مؤثرات.
وفي النهاية لا يمكننا أن نقيس المسؤولية بمقياس واحد عبر الأجيال، فلكل زمن ظروفه ولكل فتاة قصتها الخاصة، وندرك أيضاً أن المسؤولية ليست متوقفة على زمن دون الآخر، بل هي انعكاس للوعي والنية والقدرة على العطاء، وأن أمهات الماضي واجهنا تحديات مختلفة لكن بنات اليوم واجهنا عالماً أكثر تعقيداً وسرعة، ولكن ما يبقى ثابت هو أن جوهر المسؤولية لا يموت بل يتجدد ويتشكل حسب الحاجة، فالمستقبل لا يبنى إلا باليد التي تتحمل وقلوب تحب وعقول تُدرك قيمة الدور الذي تلعبه المرأة في كل زمان ومكان.






