تحقيق – روفيدا يوسف
“زماننا غير زمانكم”، عبارة تتردد بين الناس كلما نشب خلاف فكري أو سلوكي، جيل تربى على الطاعة والانضباط، يواجه جيلاً يبحث عن الحرية والتعبير عن الذات، لم يعد الصراع بين الأجيال مجرد اختلاف بسيط في وجهات النظر، بل أصبح ظاهرة اجتماعية تتسع يومًا بعد يوم، وتهدد سلام الأسرة، وبيئة العمل، وحتى نسيج المجتمع نفسه.
رأي الناس يختلف.. حينما يتحول الحوار إلى صدام
وتقول “صفاء أحمد” الفتيات في هذا الجيل لم يعد يُعجبهن شيء، حتى طريقة اللباس باتت تُظهر تمردًا لا حرية، وكل شيء أصبح يُبرَّر تحت اسم الخصوصية.
تحكي “ريم محمد” كلما أردت التعبير عن رأيي في قضايا السياسة أو الدين، أو اتخذ قرارات لنفسي أُواجَه بعبارة أنت ما زلت صغيرة، إلى متى سأُعامل كشخص غير مسؤول وغير قادر على تحمل مسؤولية نفسه.
يقص “ماهر أحمد” كنت أظن أن هذا الجيل سيكون أكثر جرأة، لكنه في الحقيقة جيل متسرع، يريد تحقيق كل شيء دون صبر أو مجهود.
تروي “منى جمعة” أشعر أحيانًا أنني لا أفهم طريقة تفكير أبنائي، فهم يقضون وقتهم أمام الشاشات التلفزيون، والهواتف المحمولة، ويتجنبون الحوار معنا، وكأننا في عالمين مختلفين.
ويقول “شريف خالد” أشعر أنّ والدي لا يستمعان إليّ، كل قرار يتخذانه بالنيابة عني، حتى وإن كان يخص مستقبلي، أريد فقط أن يُؤخذ رأيي على محمل الجد وأن يتم تعاملي كشخص ناضج استطيع اتخاذ القرارات.
فهم طبيعة الصراع.. من فينا اللي اتغير
الصراع بين الأجيال هو ظاهرة اجتماعية متكررة منذ بدء التاريخ، لكنه يشتد في فترات التحول السريع بالمجتمعات، في العقود الأخيرة، أدى تسارع التكنولوجيا، والانفتاح الثقافي، وظهور مفاهيم جديدة مثل “المرونة النفسية”، و”حرية الاختيار”، إلى ظهور فجوة واضحة بين الأجيال.
فبينما يرى الجيل الأكبر أن الالتزام هو مفتاح النجاح، يؤمن الشباب اليوم أن النجاح يحتاج إلى التجربة والمجازفة وكسر النمط، هذا الاختلاف الجوهري في الرؤية هو ما يحوّل الحوار أحيانًا إلى صراع.
بعض أسباب الصدام بين الكبار والصغار
التكنولوجيا كسلاح حادّ، فوسائل التواصل الاجتماعي منحت الشباب نافذة للتعبير، لكنها خلقت أيضًا نوعًا من العزلة عن أسرهم، وجعلتهم أقرب لأفكار عالمية بعيدة عن المجتمع المحلي.
الاختلاف في التربية، جيل الأهل نشأ في بيئات تتسم بالصرامة والمجتمع الأبوي، بينما نشأ الأبناء في عصر يُشجع على التعبير عن المشاعر ورفض القوالب الجاهزة.
وأيضًا سوء الفهم المتبادل، الكبار يرون أن الشباب لا يحترمون التقاليد، بينما يشعر الشباب أن الكبار لا يفهمون طموحاتهم ولا يعترفون بجهودهم.
وأيضًا فكرة “أنا عارف أكتر”، كل جيل بيعتقد إن تجربته أهم، وهذا ما يجعل الحوار يتحول لمنافسة على من الصح، مش محاولة للفهم.
والضغوط الاقتصادية والاجتماعية، فالشباب يواجه سوق عمل صعب، وغلاء معيشة، ومسؤوليات بدون تمكين حقيقي، والكبار يروا هذا كنوع من “الشكوى”، وليس كأزمة حقيقية.
رأي الطب النفسي.. الصراع بين الأجيال ليس عداءً بل نتيجة لاختلاف الرؤى
يؤكد الدكتور “جمال فراويز” الطبيب النفسي أن صراع الأجيال ظاهرة مستمرة على مر العصور، فكل جيل يحمل طابعه الخاص، وثقافته المتأثرة بزمانه، ووعيه الذي تشكله عوامل داخلية وخارجية متغيرة، إن الفروق بين الأجيال لا تتوقف عند حدود الأعمار، بل تتجاوزها إلى التباين في طرق التفكير، وأنماط الحياة، وتأثير البيئة السياسية والثقافية والاجتماعية في كل مرحلة زمنية.

الطبيب النفسي جمال فراويز
ويوضح ” فراويز” أنه في الماضي، نشأت أجيال تربت على الراديو وأغاني أم كلثوم، بينما ظهرت بعدها أجيال تشكلت ثقافتها عبر القنوات الإقليمية والدِش، ثم جاءت الأجيال الحديثة، التي نشأت في ظل ثورة الإنترنت، وتطبيقات مثل “تيك توك” و”يوتيوب”، ما أدى إلى تغيّر جذري في مصادر المعرفة، وتنوع واسع في أدوات التلقي الثقافي والمعرفي.
ويشير إلى أن الوعي العام يتأثر اليوم ليس فقط بما يدرس في المؤسسات التعليمية، بل أيضًا بما يشاهد ويسمع عبر الإعلام الرقمي، وما يُكتسب من تجارب الحياة اليومية، أو من حوارات مع أشخاص يملكون خبرات في مجالات مختلفة، هذه التراكمات تخلق مفهومًا ثقافيًا متغيرًا ومتنوعًا باختلاف الأجيال.
ولذلك، نجد تباينًا واضحًا بين الأجيال في طريقة التعبير، واختيار الألفاظ، ونظرتهم للأدوار الاجتماعية، كالنظرة إلى المرأة مثلًا، قد نجد ثلاثة أشخاص من أجيال مختلفة، كل منهم ينظر للمرأة بمنظور مغاير عن الآخر، أحدهم ينظر نظرة تقليدية، وآخر نظرة حديثة، وثالث يراها مساوية للرجل تمامًا، جميعهم محترمون، لكن الاختلاف الثقافي يجعل طرق تفكيرهم وسلوكياتهم متباينة.
ويستكمل حديثه قائلًا: أنه حتى أساليب الأكل والعادات اليومية، لم تسلم من هذا التباين، فضلًا عن أن الفجوة التي كانت قائمة بين الريف والحضر بدأت تضيق بشكل واضح، فقديمًا، كانت هناك مسافة حضارية وثقافية كبيرة بين الريف والمدينة، أما اليوم، ومع انتشار الهواتف الذكية وتطبيقات التواصل، أصبح من المعتاد أن ترى شباب الريف ينشرون فيديوهات عبر “تيك توك” و”يوتيوب”، ويتفاعلون مع العالم الافتراضي مثلهم مثل شباب المدن.
وعلى الرغم من هذا التطور التكنولوجي، فإن المجال العملي يعاني تدهورًا ملحوظًا في كلٍ من الريف والحضر، لم يعد كثيرون يهتمون بمصدر المال، بل يركز أغلبهم على المكسب السريع فقط، ما يظهر فارقًا كبيرًا في أولويات هذا الجيل مقارنة بالأجيال السابقة، التي كانت تضع القيم والعمل الجاد في صدارة الاهتمامات.
ليست فقط البيوت التي بها فجوة، أيضًا في أماكن العمل، شباب يشعرون بالإقصاء، وبيتهّموا إنهم ليسوا ملتزمين، وفي الجامعات بيحدث صدام بين الأساتذة والطلاب بسبب أساليب التعليم، ورفض الطلاب لطرق تقليدية لا تتناسب مع جيلهم، وفي المجتمع نرى ازدراء متبادل جيل يضحك على ملابس وسلوك الجيل الآخر، والنتيجة، مزيد من الانعزال والخوف.
أبرز التأثيرات النفسية التي تواجه الجيل الجديد
يترك صراع الأجيال أثرًا نفسيًا عميقًا على الأفراد، إذ يشعر الكثيرون بعدم الفهم أو التقدير، مما يسبب توترًا داخليًا وقلقًا دائمًا، وقد يؤدي مع الوقت إلى الشعور بالوحدة أو الرفض.
الشعور بعدم الفهم فكثير من الشباب يشعرون بأن الكبار لا يفهمون طبيعة الحياة الحديثة، ولا يقدّرون التحديات الجديدة التي يواجهونها، مما يسبب لهم شعوراً بالعزلة والاغتراب.
والضغط النفسي والتوتر تنتج ضغوط نفسية كبيرة عن محاولات إرضاء توقعات الأهل والمجتمع، التي قد تتعارض مع تطلعات الجيل الجديد، الأمر الذي قد يؤدي إلى القلق أو الاكتئاب.
اضطراب الهوية ففي ظل محاولات التوفيق بين القيم التقليدية والاتجاهات المعاصرة، قد يعاني الشباب من حيرة في تحديد هويتهم وشعور بعدم الاستقرار الداخلي.
وأيضًا تدهور العلاقات الأسرية حيث يؤدي الخلاف المستمر على أسلوب الحياة أو المعتقدات أو الخيارات الشخصية إلى توتر داخل الأسرة، وقد تنقطع سبل الحوار بين الأجيال المختلفة.
يتطلب التخفيف من آثار صراع الأجيال، جهدًا مشتركًا من الطرفين، حيث يجب على الجيل الأكبر أن يتفهم متغيرات العصر ويتقبل التنوع، وعلى الجيل الأصغر أن يحترم خبرات وتجارب من سبقوه.
هل هناك حلول ممكنة لإنهاء أزمة الصراع بين الأجيال
جلسات حوار داخل الأسرة مبنية على الاحترام، ودمج الأجيال في ورش عمل وتدريبات مشتركة، وأيضًا إدخال مفاهيم “الذكاء العاطفي” و”التربية المشتركة” في التعليم، وتقبل أن كل جيل لديه شيء يتعلمه من الآخر، وتقديم قدوات من كل جيل للتقريب بدل التفرقة.
الصراع بين الأجيال لا يعني بالضرورة أن يكون حرب، ولا يجب أن ينتهي بانتصار طرف على حساب الآخر، فالحل يبدأ بفكرة بسيطة، وكل جيل لديه رؤية أو وجهة نظر ليس “عدو”، فالكبار يجب أن يعطوا مساحة للشباب، والشباب ينصتوا لتجارب الكبار، في هذه الحالة سنكسب مجتمع قادر على معايشة الحاضر، ومتصل بجذوره.