تحقيق ـ بسمة البوهي
لطالما ارتبطت صورة الجريمة المنظمة في اذهان الناس بالرجال، حيث ينظر إليهم كقادة العصابات والمنفذين الرئيسيين للجرائم، وفي هذا عالم اعتدنا أن نسمع أنهم يتحكمون بخيوط الجريمة من وراء الستار، ولكن الواقع يكشف عن جانب خفي ومظلم، لأن النساء يشاركن في هذا العالم المظلم ليس فقط كضحايا أو أدوات، بل كعناصر فعالة وأحيانًا قيادية.
وظهرت حقيقة مختلفة وصادمة أن هناك نساء يتقدمن الصفوف، يخططن، ويدرن عمليات معقدة تجعل حضورهن في عالم الجريمة المنظمة أقوى مما يتوقعه الكثيرون، ولم تعد المرأة مجرد شريكة أو أداة، بل أصبحت في بعض القضايا عقلًا مدبرًا، تتحكم في تفاصيل لا يتجرأ عليها حتى رجال مدربون.
وتجمعت أراء المواطنين على أن النساء كائن ضعيف ولا تجرأ أن تكون قاسية لأن بداخلها الحنية واللطف واللين، وأن المرأة أبعد ما تكون عن العنف والجريمة، والبعض يرى أن الظروف القاسية قد تدفع أي إنسان سواء رجلًا أو أنثى إلى ارتكاب أفعال لا تشبهه، وبعض الآخر يرى أن النساء وجدن في الجريمة قوة لم يستطعن الحصول عليها في المجتمع، فقررن خلق عالم خاص بهم مهما كان الثمن، ولم ينظروا إلى العواقب أو الصفات التي ستكتسبها بسبب هذا الطريق الذي لا تلائمها كأمرأة.
لا توجد امرأة تولد مجرمة… الجريمة نتيجة رحلة طويلة من الألم
يؤكد الدكتور “عاطف الشوبكي” الطبيب النفسي، أن دخول المرأة إلى عالم الجريمة المنظمة لا يحدث فجأة، ولا يأتي من فراغ، بل هو نتيجة تراكمات نفسية واجتماعية تستمر لسنوات، فبعض النساء ينشأن في بيئات مضطربة، مليئة بالعنف أو القهر أو الإهمال، فتتشكل داخلها صورة مشوهة للعالم ولذاتها، تجعلها أكثر استعدادًا للانجذاب إلى أي قوة تمنحها شعورًا بالسيطرة أو الحماية لو كانت جريمة.
ويوضح الدكتور النفسي أن العصابات تعرف جيدًا نقاط ضعف المرأة المستغلة أو التي تعاني من صدمات نفسية، فتستهدفها بشكل مباشر، فالمرأة التي عانت من العنف، والتهديد، والابتزاز العاطفي، أو الحرمان تكون أكثر عرضة للخضوع، لأنها تبحث عن الأمان بأي ثمن لو كان داخل عالم مظلم، وهنا تتحول من ضحية ظروف إلى ضحية جريمة أكبر.

الدكتور عاطف الشوبكي طبيب نفسي
بعض النساء يدخلن الجريمة بدافع القوة… وليس بدافع الخوف
يشير الدكتور عاطف، إلى أن نسبة ليست قليلة من النساء يدخلن الجريمة بدافع مختلف تمامًا وهو إثبات الذات والشعور بالقوة، هؤلاء غالبًا لديهن شخصية قيادية لكنها مشوهة، ويمتلكن ذكاءً عاطفيًا عاليًا، ويبحثن عن مكان يشعرن فيه أنهم مسموعات ومؤثرات، بعدما فشلن في العثور على ذلك في المجتمع الطبيعي، وهنا تتحول الجريمة إلى وسيلة لإشباع حاجة نفسية للسيطرة.
ويقول الدكتور إن الوقاية النفسية لا تقل أهمية عن الوقاية الأمنية، فإذا حصلت النساء على فرص من دعم نفسي وبيئة آمنة وبرامج تأهيل ومساندة اجتماعية فإن كثيرًا منهن لن يقتربن من هذا العالم، مضيفًا أن المرأة التي تشعر بقيمتها لا تحتاج أن تبحث عنها في عالم الجريمة.
المرأة ليست خارج دائرة الاتهام… والقانون لا يميز
يؤكد المستشار “عمرو شيحة” أن كثير من النساء التي يمثلن أمام المحاكم ولا يصلن إلى الجريمة من تلقاء أنفسهم، بل يتم استغلالهم بسبب ضعف الحالة الاجتماعية أو التهديد أو النفوذ الذكوري داخل العصابات أو استغلال جسدي أو نفسي أو مالي، وفي هذه الحالة، يمكن أن نثبت وجود إكراه، ما قد يخفف العقوبة أو يغير وصف الجريمة.

المستشار “عمرو شيحة”
ويضيف المحامي هذا لا ينفي أن هناك نساء لعبن دورًا رئيسيًا في إدارة العمليات، وهؤلاء يعاملن أمام القانون كما يعامل أي متهم آخر، لأن الجريمة لا تعرف جنسًا ولا عمرًا، لأن هناك نساء دخلن هذا الطريق بدافع النفوذ والمال والتنظيم، وهؤلاء تكون مسؤوليتهم كاملة، خاصة إذا ثبت أنهم قدوا عمليات أو خططوا لها.
وجوه خلف الستار.. لماذا تلجأ بعض النساء إلى الجريمة المنظمة
رغم الصورة التقليدية للمرأة كرمز للأمان والعطاء، إلا أن الواقع يكشف وجوهًا أخرى أخرجتها الظروف أو الطموح أو الرغبة في القوة إلى عالم مظلم، فمنهم من دخلت هذا الطريق بسبب العنف الأسري أو الفقر أو استغلال العصابات لها، ومنهم من اختارت الطريق بدافع النفوذ والمال والسيطرة، وبين كل ذلك يكشف قصص تظهر ذكاءً مفرطًا مثل قدرة على التخفي، وموهبة في الإدارة جعلت بعض النساء لا يكشفن بسهولة مقارنة بغيرهم.
وفي النهاية وجود النساء في عالم الجريمة المنظمة ليس مجرد إستثناء، بل هو واقع يتطلب فهمًا أعمق وتحليلًا دقيق، وكسر الصورة النمطية لا يعني تبرير الجريمة بل الاعتراف بأن الجريمة لا تفرق بين رجل وامرأة، وللتعامل مع هذا التحدي يجب أن تتطور أدوات التحليل الأمني والإجتماعي لتشمل فهمًا اوسعًا لدوافع النساء وأدوارهم في هذا العالم الغامض.
وبالحديث عن النساء في هذه الصورة ليس محاولة لتشوية صورتها، بل محاولة لفهم حقيقة جديدة يفرضها الواقع، فالمرأة اليوم ليست خارج هذا العالم كما كان يعتقد، بل أصبحت جزءًا منه سواء كضحية أو كفاعل رئيسي، وبين الضغوط الاجتماعية والاقتصادية، والرغبة في القوة والجروح النفسية تتشكل قصة كل إمرأة تختار أو تدفع إلى هذا الطريق، ويبقى السؤال هنا كيف نمنع وصول النساء لهذا العالم بدلًا من الإكتفاء بالحكم عليهم حين يذهبن إلى الظلام.





