تحقيق – سوزان الجمال
يُقصد بالصدمة النفسية الإصابة الجسيمة التي تصيب نفسية الشخص، والتي قد تكون نتيجة حادث استثنائي شخصي يشكل عبئًا نفسيًا على المعني بالأمر، قد يؤدي مثل هذا الحادث إلى الإصابة بصدمة نفسية.
وذلك في حالة إذا كانت إمكانيات الفرد المُتاحة غير كافية لتخطي المَوقِف، أو في حالة عجز المتضررين عن التصرف، حيث يتولّد عن ذلك عبئًا نفسيًا جسيمًا “ضغط نفسي”، وغالِبًا ما يحس الإنسان بنفسة في مثل هذه الحالات عاجزاً تمامًا أو يصيبة خوف شديد أو رُعب.
قالت “إسراء.ر”: “لا أعرف كيف أصف لكم الأمر، حيث إنني أعاني من سرحان غريب، وبناء قصص خيالية والتفاعل معها، فتجدني أضحك تارة ضحكًا هستيريًا، وتارة تدمع عيني حزنًا على القصة، حتى أن البعض بدأ يشكك بقواي العقلية”
أضافت “حنان.م”: “في العادة الناس تسرح في أشياء واقعية تشغل تفكيرهم، لكن سرحاني خيالي بشكل كبير ترتبط به بعض الشخصيات الواقعية بالاسم فقط، لكن عدا ذلك كله خيالي، وأحيانًا كثيرة أنسى المحيط الذي من حولي تمامًا، وأعيش تلك القصة الخيالية، ومرة فكرت بالانتحار من قصة خيالية، حيث إنني سرحت وبنيت قصة خيالية أثناء القيادة”.
وتابعت “شيماء.ال”: “تفاعلي مع القصص الخيالية غريب فعلًا وكأنها واقع، وكذلك لا أستطيع التركيز في شيء واحد مدة طويلة، فعند التفكير في شيء واحد فقط تداهمني مجموعة أفكار واحتمالات متعلقة به دفعة واحدة، فتجدني أفكر في أشياء هامشية، احتمالات بعيدة، وأهمل الشيء الرئيسي، وأواجه مشاكل عديدة في المحاضرات الجامعية وقراءة الكتب، أو حتى استيعاب فكرة أو رأي طويل”.
وقال “عبد الله.ع”: “لا أعاني من الاكتئاب، حياتي مرفهة، وأعمل في وظيفة مرموقة، والحمد لله، لا أعاني من أمراض عضوية حسب علمي، لا أذكر أنني تعرضت لصدمات نفسية، ولا آخذ أية أدوية، لكنني أعاني من العين الكسولة في عيني اليسرى، قلق وخوف وضعف تركيز، وضعف الذاكرة والتلعثم”.
أوضح الدكتور “جمال فرويز” استشاري الطب النفسي وأستاذ بكلية الطب جامعة عين شمس، “أن التروما أو الصدمة النفسية هيه التعرض إلى صدمة مثل “صدمة عاطفية، مادية، تعليمية”، حيث تختلف رد الفعل طبقًا للشخصية التي يتعرض لها الصدمة، وتكون مختلفة طبقًا للمرحلة السنية أذا كان طفل أو مراهق أو ناضج، وكل مرحلة عمرية تكون رد الفعل مختلف”.
قال “فرويز”، “أن أكثر حالات الأنتحار هما مرهقين، موصحًا أعلى نسبة الوفيات تكون من الشباب المراهقين، وعند التعرض إلى أي صدمة عصبية، مادية، عاطفية، إبتزاز، أو ضغط امتحانات يكون أول شيء يفكرون به هو التخلص من ذاتهم، وهنا نسمي الأنتحار تدهور سن مراهقة”.
أشار استشاري الطب النفسي، “إلى أذا كانت الحالة أكبر سنن يختلف يتقبل الصدمة ويضغط على نفسة فيبدأ أن يظهر عليه أعراض نفسية جسدية يؤدي إلى الصداع المزمن اضطرابات في النوم والأكل وألم المعدة والقولون العصبي أو ضربات في القلب زيادة، موضحًا أن 40% من مرضى القولون العصبي هما مرضى نفسيين نتيجة الضغوط”.
وتابع “جمال فرويز” “أن الجمعية الأميركية للأمراض الباطنية 60% من ممن يدخلون العناية المركزة في الفترة المسائية هي حالات نفسة نتيجة الضغوطات، 40% من يترددوا على عيادات القلب هو حالات نفسة نتيجة الضغوط، وهنا تختلف الضغوط من شخص لأخر مثل رد الفعل عنيف”.
وأوضح استشاري الطب النفسي، طريقة العلاج التروما، قائلًا: يكون العلاج طبقاً للحالة، ويكون علاج دوائي وتكون نسبة الشفاء فيه تصل من 80/85% من الحالات، وفي حالة عدم الأستجابة يبدأ العلاج الدوائي مع العلاج السلوكي والمعرفي، وتكون نسبة العلاج عليه جدًا توصل إلى نسبة 100%.
أضاف “فرويز” أن هناك العديد من النصائح التي تساعد في التغلب علي التروما، وأهمها التحدث مع طبيب مختص لمساعده المصاب علي التغلب والإنتصار في تجاوز الصدمة التي تعرض لها الشحص عن طريق فهم مشاعر المصاب، وتطوير مهارات التأقلم والتخلص من الذكريات السيئة، على ضرورة الدعم الإجتماعي من قبل المقربين للشخص المصاب بالتروما، لمساعدتة في الشعور بالراحة النفسية.
الحوادث التي قد تؤدي إلى الإصابة بصدمة نفسية
هي تلك المواقف التي تكون ذات طبيعة كارثية، والتي تجعل معظم الأشخاص يحسون بالإحباط، ومن أمثلة ذلك الكوارث الطبيعية أو الحوادث الخطيرة، أو وفاة أحد أقرب المُقربين أو الإصابة بأمراض مهددة للحياة أو التعرض للعنف الجسدي والجنسي.
هناك اختلاف في الحوادث التي تُشكِّل عبئاً نفسيًا على الفرد والتي قد يتضرر من جراء حدوثها، إذ قد يكون هو المتضرر من ذلك، أو قد تَتِم هذه الحوادث بحضوره “مثلًا عند تقديمة للمساعدة” أو عند سماعه لخبر وفاةٍ مؤكّدٍ لِأَحد المُقرّبين منه أو إذا كان هذا الأخير على وشك الوفاة، وتعتبر العديد من ردود الفعل النفسية، جرّاء التعرض للأحداث التي ينتج عنها عبئًا نفسيًا، أمرًا عاديًا وليست دليلًا على إصابة الفرد بمرض نفسي.
يرتبط تعرض شخص ما لصدمة نفسية أيضًا بظروفه وبالشخص نفسة، وذلك كُلٌّ حسب تجاربه الشخصية، حيث قد يكون، مثلًا لمَشهد شخصٍ مُصاب في الشارع أثرًا صادمًا على أحد المارّين، بينما غالبًا ما يُعد ذلك أمراً روتينيًا بالنسبة لقوات الإنقاذ وليس له أي تأثير صادِمٍ عليهم.
ويلعب الدعم الاجتماعي، الذي يُقدَّم للمتضررين جرّاء تعرضهم للأحداث التي تُخَلِّف عبئًا نفسيًا جسيمًا على من يعيشها، أيضاً دورًا كبيرًا في تشخيص تواجد مشكلة نفسية من عدمه “ما يسمي بالاضطراب التالي للصدمة”
المواقف التي قد تؤدي إلى صدمة نفسية
تختلف الأحداث التي يكون لها عبئاً نفسيًا شديدًا على الفرد، والتي من المُمكن التمييز فيما بينها، وتدخل ضمن المواقف التي قد تؤدي إلى الإصابة بصدمة نفسية تلك التي قد تحدث بالصدفة “مثلًا الحوادث أو الكوارث الطبيعية” وأخرى التي يكون الإنسان هو السبب في حدوثها.
حيث ما يُمَيِّز هذه الأخيرة هو أن المُتسبب فيها هو شخص يقوم بتعريض شخص آخر لموقف يُشكِّل عِبئًا نفسيًاً ثقيلًا عليه “مثلًا العنف الجسدي أو الإيذاء الجنسي”، قد يكون أيضًا لإصابة الفرد بأمراض شديدة أو خضوعه لعملية جراحية أو مروره من تجارب فشل أثرا صادماً عليه.
يتم زيادة على ذلك التمييز ما بين مدة دوام العبء أو مدى تكرار حدوثه، حيث عادةً ما يدوم التعرض للسرِقة مُدة قصيرة إلى حَدٍّ ما ويكون مرةً واحدةً، بينما قد يدوم العنف الجسدي الذي يُمارَس في الحياة الزوجية لمدة طويلة وقد يتكرر عِدّة مرات طوال سنوات عديدة.
يبدأ تعرض العديد من الأشخاص لمواقف تؤدي إلى صدمة نفسية في طفولتهم أو أثناء مرحلة الشباب، أما الأشكال العَمَلِية فهي تعرف قيام أشخاص بإيذاء الأطفال أو الشباب عـمداً عن طريق اللجوء إلى استعمال العنف، ويتمثل ذلك مثلاً في العنف الجسدي “مثل الضرب أو الصفع” أو الإيذاء الجنسي أو العنف العاطفي، الإعتداء الجنسي، هو جميع السلوكيات الجنسية التي تتم دون موافقة الضحية.
وذلك باستعمال العنف، أو التهديد بالإيذاء البدني أو القتل، أو عن طريق استغلال وضعية تكون فيها الضحية عاجزة عن الدفاع عن نفسها، يُقصد بالإيذاء العاطفي مثلًا الحالات التي تجعل الطفل يُحس فيها أنه عديم القيمة أو غير محبوب أو في خطر أو أنه موجود فقط لِتَلبية رغبات الآخرين، يُعد الإهمال من بين الأشكال السلبية لذلك، وذلك بسبب التقصير الشديد في هذه الحالة في تلبية رغبات الأطفال.
ما هي وتيرة التعرض للحوادث التي تشكل عبئًا نفسيًا
يتعرّض في ألمانيا نحو 24 من أصل 100 شخصًا خلال حياتهم لِحَدثٍ واحد على الأقل، والذي قد يتسبّب لهم في الإصابة بصدمة نفسية، حيث أن هناك فروقات بين النساء والرجال فيما يخص نوعية التجارب الصادمة، إذ يتعرض النساء بشكل أكبر للإيذاء الجنسي.
بينما الرجال أكثر عُرضة للحوادث والاعتداءات بهدف سرِقتهم واعتقالهن أثناء الحروب، وتعرض كِبار السِن لحوادث صادمة في الحرب أكثر من الأصغر منهم، سِنًا تفيد التقديرات بأن 1 إلى 13 شخصًا من أصل 100، في ألمانيا سبق وأن تعرض للإيذاء الجنسي في سن الطفولة.
ردود الأفعال المحتملة أثناء وقوع الحدث
غالبًا ما يكون نِظام الجِسِم أثناء الحدث المثقِل نفسيًا، في حالة تأهُّب وكرب شديد وعلى استعداد للمقاومة من أجل النجاة، إذ أنه من الممكن أن ينتج عن ذلك ردود أفعال مختلفة والتي قد تختلف من شخص لآخر، قد يؤدي ذلك، مثلًا إلى مخاوف جسيمة وأحاسيس بانعدام الحماية والفزع، حيث يحس بعض الأشخاص أيضًا بالذهول وعدم الوعي أو الارتباك أو وكأنّهم معزولين عن أنفسهم أو عن الآخرين أو عن محيطهم، وتَتَراجع ردود الأفعال هذه في غالب الأحيان بعد مضي بعض الوقت على وقوع الحدث.
ردود الفعل المحتملة بعد الحدث
من الطبيعي جدًا أن تَنتَاب المرء، بعد مروره من حدثٍ مؤثرٍ نفسياً بشكل غير عادي مشاعر مزعجة وأفكار وأحاسيس جسدية، وقد تستمر ردود الفعل التي تقع أثناء وقوع الحدث لمدة معينة حتى بعد فواتِه مثلًا الشعور بالتهديد”، حيث ينطبق ذلك أيضًا على حالة التأهب التي يعرفها نِظام الجِسِم والتي تظل قائمة بعد الحدث.
إذ قد يؤدي ذلك إلى اضطرابات النوم والتوتر والإصابة بِنوبات الفزع، وقد ينضاف إلى ذلك الإصابة بالاكتئاب والشعور بالذنب والتأنيب النفسي أو الغضب، غالبًا ما يصعب على الأشخاص الذين يصابون بمثل هذه الحالات فَهم ما يَمُرّون بِه، بحيث أن التفكير المُتَكَرِّر فيما حدث ما هو إلا محاولةٍ مِن نَفسِيَّة المَعني بالأمر لاستيعاب هذه التجارب الخارجة عن العادة.
تتراجع ردود الفعل في معظم الحالات، بعض وقت وجيز “ساعات قليلة إلى أيام” ويتمكن المرء بالتالي من ترتيب التجربة التي عَاشَها ووَضعِها في سياق مُعَيّن مثلًا “كان أمرًا فظيعًا، ولكِنّه الآن انتهى وقد نَجوتُ من ذلك”.
ماذا يمكن للمصابين فِعله للتغلب جيدًا على المواقِف الصادِمة
ينبغي بعد حدوث موقفٍ أو مواقِف إستثنائية، أن يتم العمل على إنهاء مصدر الخوف وعلى إعادة الأمن إلى أقصى حدٍ مُمكِنٍ، وتقوم كل من الشرطة ورِجال الإطفاء وخدمات الإنقاذ بتقديم المساعدة في حالة الحوادث والأزمات الكبيرة، أما في حالة الحاجة إلى دعم نفسي، أثناء أو بعد حدوث مثل هذه المواقف بقليل، فإن هناك في العديد من الأماكن فِرق عمل مُتَوَفرة تابعة للجهة المكلفة بِرِعَاية الطوارئ النفسية الإجتماعية مثلًا رقم الطوارئ الخاص بالرعاية النفسية أو الفِرَق المكلفة بالتدخل في الأزمات.
وتَتَكَلّف الشرطة وبعض الجِهات الأخرى، مثل خدمة تقديم المشورة عبر الهاتف دون الكشف عن الهوية أو الجهات المختصة في تقديم المشورة للضحايا أو المَآوِي الخاصة بالنساء أو مكاتب شؤون الأطفال والشباب، بتقديم المساعدة في حالة إذا كان الأمر يتعلق بالتعرض للعنف من طرف شخص غريب أو في بيت الزوجية أو داخل الأسرة.